عبد الرحمن محمد [1]
الثقافة والعيش والمصير المشترك ليست شعارات فقط تتبناها شعوب المنطقة، بل هي حقائق ثابتة راسخة، بل هي بديهيات في يوميات وسنوات عمر هذه الشعوب، وكم من مرة تجلت هذه الصورة بأبهى وأجمل التفاصيل لتؤكد للقاصي والداني ان التاريخ لا ينسى ، وان هذه الشعوب كانت ولا زالت مثالاً للعيش الأمثل الذي تحاول الكثير من الأنظمة الشوفينية والدول المستبدة وتعمل على محاربته كما كان دأبها على الدوام.
من تلك الأمثلة التي كتبت في تاريخ المنطقة وبحروف من نور، ما قام به الزعيم الكردي البطل “حمو شرو باشا1850-1933” الذي كان زعيم الإيزيديين في منطقة شنكال، وتخليصه للمئات من المسيحيين السريان والأرمن من يد جيوش وعصابات الإجرام التركية في مذابح السيفو، ويقول القش والشاعر جوزيف إيليا عن ذلك:
إلى خالد الذكر البطل “حمو شرّو باشا 1850 – 1933 ” الّذي لا يمكن نسيان دوره العظيم في حماية آلاف المسيحيّين الهاربين من بطش العثمانيّين وظلمهم عقب الإبادة الجماعيّة الّتي تعرّضوا لها على أيديهم 1915 حيث استقبلهم خير استقبالٍ وأكرم وفادتهم وأسكنهم في قرى ” شنكال ” سامحًا لهم بابتناء بيوتٍ وكنيسةٍ، وحينما طالبه العثمانيّون بتسليمهم للقضاء عليهم أبى ذلك رافضًا تهديداتهم وداخلًا في حربٍ معهم”
واستمرّ الإيزيديّون في مقاومة الجيش العثمانيّ حتّى يئس الأخير ورجع على أعقابه خائبًا، كلّ السّلام والنّور والرّاحة لروح هذا الإنسان العظيم وكلّ التّحيّة والتّقدير للشّعب الإيزيديّ الأصيل النّبيل، ويورد قصيدة يبين فيها عمق احترامه وتقديره فيقول:
“مضى حراً”
” حَمو شَرّو ” تحيّيهِ السّماءُ
وعنهُ ليسَ ينزاحُ الضّياءُ
مضى حُرًّا تزيّنُهُ الحكايا
لهُ الأمجادُ والطّوبى رداءُ
هو السّاميْ الجميلُ بما أتاهُ
من الإحسانِ يدفعُهُ النّقاءُ
بوجهِ الشّرِّ والأشرارِ ألقى
حجارتَهُ وقائدُهُ الإباءُ
ولمْ يخشَ اعتلاءَ الموجِ يومًا
وظلَّ يصولُ يفعلُ ما يشاءُ
حمائمُهُ تحلِّقُ في الأعالي
مرفرِفةً بها يحلو الفضاءُ
وجنّتُهُ غدتْ مفتوحةً لمْ
يغِبْ عمّنْ مشى فيها الهناءُ
سلامٌ في روابيها وحلوى
وأرغفةٌ من السّلوى وماءُ
وكم فيها تسامتْ أغنياتٌ
وفيها للودادِ علا بناءُ
“حَمو” رجُلٌ بحقلِ الخُلْدِ يحيا
لخُضْرةِ فِعلِه ذا لا انتهاءُ
هنيئًا للّذي ينمو ويبقى
نديًّا لا يجفِّفُهُ الفَناءُ”