الكاتب والباحث نامق هورامي اكتسب شهرته من تتبع النصوص النادرة للادب الكوردي المدوّن باحدى اقدم واعرق اللهجات الكوردية، حيث كانت اللهجة الهورامية (احد افرع مجموعة لهجات كوران) لغة الادب والثقافة والفنون في كوردستان طوال القرون الماضية وايضا في بدايات الالفية الاولى للميلاد...
حاوره: طارق كاريزي
الكاتب والباحث نامق هورامي اكتسب شهرته من تتبع النصوص النادرة للادب الكوردي المدوّن باحدى اقدم واعرق اللهجات الكوردية، حيث كانت اللهجة الهورامية (احد افرع مجموعة لهجات كوران) لغة الادب والثقافة والفنون في كوردستان طوال القرون الماضية وايضا في بدايات الالفية الاولى للميلاد، وربما قبل هذا التاريخ ايضا. هذه اللهجة التي يقول عنها الباحث هورامي، بان اغلب النصوص الكوردية القديمة التي تعود الى ما قبل العصر الاسلامي كتبت بالهورامية (الكورانية). ولعل محاورة هذا الباحث الكوردي تفتح الآفاق واسعة امام المتتبع والباحث للالمام بجواهر مخفية من الادب الكوردي، وايضا نصوص موروثة من عصور سابقة للادب الكوردي الذي شهد فقدان العديد من النصوص هي في غاية الاهمية.
بداية حوارنا معه كان بهذا السؤال:
*عهدتنا دوما بكشوفات جديدة في عالم الادب الكوردي، فهل من جديد؟
-سؤال جاء في وقته بالتحديد، فانا مولع بتتبع نصوص الادب الكوردي القديم او النصوص التي لم تنشر حتى الآن ومازالت مخفية عن الوسط الثقافي الكوردستاني وهي بالتالي مركونة كمخطوطات في زوايا المعابد الدينية او محفوظة لدى بعض الاسر الثقافية العريقة في كوردستان، وبل وفي بعض المكتبات العالمية العريقة في اوربا وروسيا واراشيف مخطوطاتها. ولعل اخر مشروع لي هو نص ملحمة (مم وزين) الشهيرة باللهجة الهورامية. وهو الآن تحت الطبع وسيرى النور قريبا باذن الله بعد انقشاع ظاهرة كورونا.
*ومن هو صاحب هذه الملحمة ومؤلفها باللهجة الهورامية؟
-من المعروف ان الامة الكوردية هي امة العشق والملاحم، امة لديها عشرات ملاحم الحب والغرام، ولعل البيئة الطبيعية الغناءة لكوردستان واعتدال مناخ هذا البلد الجبلي كان المحفز الاكبر للمشاعر الانسانية لدى افراد شعب كوردستان، دفعهم للتعايش مع مشاعر المحبة ونشدان السرور، وان يبدعوا الكثير في مضمار فنون الحب والجمال. مم وزين هي ملحمة كوردية خالصة لها نصوص عديدة، وهي ملحمة متداولة في الوسط الشعبي وكان الحكواتيون الكوردستانيون يرددونها في مجالس السمر شتاء، وهي حقيقة ملحمة رائعة يعرف نصها الذي دونه الشاعر الاشهر (احمدي خاني) في الوسط العالمي بانها ملحمة الكورد. ان الذي انجزه هذا الشاعر الكوردي الكبير قبل اربعة قرون من الآن، كان حقيقة انجازا ادبيا رائعا. وقد اضاف خاني الكثير من لمساته للملحمة مضمنا اياها الآمال والطموحات الكوردية في الاستقلال والتقدم. اما النص الذي هو الآن تحت الطبع لملحمة (مم وزين) فقد دون باللهجة الهورامية وقد اعتمدت في تحقيقها على نصين لمخطوطتين، احداهما كتبت قبل 380 عاما والآخرى كتبت قبل قرنين من الآن. الاولى والاقدم قد تلفت عدد من صفحات الاولية والنهائية، الا ان المخطوطة التي تعود الى قرنين قبل الآن، هي كاملة بلا نواقص. وقد قارنت النصين واعددت بحثا حول الفروق بينهما. ومن المهم الاشارة هنا الى فحوى سؤالك وهو عن مؤلف الملحمة، ان نصي المخطوطتان لا تشيران الى مؤلف للملحمة، ومن المعروف فان ملحمة مم وزين هي احدى ملاحم الغرام الشهيرة في الادب الفلكوري الكوردي، كما اسلفنا. والنص الذي انجزه الشاعر احمدي خاني، مثلما اشرنا، فقد اضاف اليه الكثير من لمساته ملخصا فلسفة شعبه في الحياة الكريمة، لكن يبدو مدوّنا النص الهورامي للملحمة لم يجدا ما يبرر الحاق اسميهما بالملحمة، وهذا يعني انهما التزما بالنص المتداول شعبيا وجاء تدوين الملحمة من باب الاعجاب بفحواها، وايضا من باب الحرص على الحفاظ على النص المأخوذ من الخيال والذاكرة الشعبيتين.
*لك آراك الخاصة باللغة الكوردية والدور التاريخي للهجات هذه اللغة من حيث اغناء موروثها الادبي، وتاثيرات نصوص الادب الكوردي على آداب شعوب الجوار الكوردستاني. هل من ايضاحات تقدمها للقارئ؟
-يهمني هنا الاشارة الى نقطة مهمة جدا، فالادب الكوردي هو الاكثر قدما والاكثر ثرائا بين آداب امم الشرق، لكن الموروث الادبي والثقافي والروحي والعمراني والحضاري الكوردي تعرض مع توالي الغزوات التي طالت كوردستان حتى الآن الى الضيّاع، فاولى الغزوات التي افنت الكثير من الموروث الكوردستاني والتي وردتنا معلومات عنها عبر المصادر التاريخية هي غزوة الاسكندر الكبير للشرق والذي اجتاح ربوعه حتى بلغ نهر السند في الهند (باكستان الحالية) بعد واقعة غوغميلا (اربيللا) التي هزم فيها الملك الاخميني دارا (داريوش) شمال غرب اربيل في القرن الرابع قبل الميلاد، ومن ثم غزوات الفتح العربي وايضا توالي غزوات الشعوب الاورالية (التركية المغولية) طوال القرون الوسطى، حيث الحقت استمرار هذه الغزوات الاخيرة لاكثر من الف عام افدح الخسائر بالموروث الثقافي والادبي الكورديين. وللاسف فان مسلسل ضياع نصوص الثقافة الكوردية لم ينتهي حتى هذه اللحظة في بلد محروم من نعمة الاستقلال وشعب مصادر الحرية. ولعل الكثير من الموروث الادبي لشعوب الجوار الكوردستاني له جذور كوردية، وابرز مثال على ذلك ادب الشاهنامة الذي اشتهر به محيّ اللغة الفارسية ومدون ملحمة الفرس الكبرى الشاهنامة، اصل ومنبع الشاهنامة هو الادب الشعبي الكوردي، ويقرّ الفردوسي بذلك عندما ذكر بان زوجته هي من غربي البلاد (بلاد الكورد: كوردستان) وقد كانت هي ووالدتها تسردان الكثير من القصص والاساطير. وان كان للفرس شهنامة واحدة وهي التي دونها شاعرهم الاشهر الفردوسي، فان الادب الكوردي يقدم العديد من نصوص الشهنامة اسوة بنصوص ملحمة مم وزين وعشرات نصوص الملاحم الكوردية سواء اكانت غرامية ام بطولية تتناول الابطال الاسطوريين الذين تزدحم الذاكرة الكوردية بسيرهم. وهذا يعني ان الادب الكوردي يعد المعين الاكبر لثيمة النصوص الادبية والملاحم والاساطير الشرقية، ونجد الق كل ذلك التراث في الادب الشفاهي الكوردي الذي تلاشي تقريبا بعد سيادة عصر التقنية.[1]