نشرت صحيفة ‹الوفد› المصرية العريقة، اليوم الأربعاء، حواراً مع الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، أجرته مراسلتها الصحفية دينا دياب، وتطرق فيه الزعيم الكوردي إلى عدد من قضايا الساعة المحلية والإقليمية والدولية والعلاقات التاريخية بين مصر والشعب الكوردي.
نص الحوار:
وبدأت مراسلة الصحيفة حوارها، بهذه المقدمة: «زعيم تاريخي بمعنى الكلمة؛ حمل هموم وطنه على كتفيه، وضع روحه رهن إشارة مستقبل أمته، لم ترهبه الشدائد ولا الخطوب، حمل الزعيم على عاتقه سلاح النضال عن شعبه، جاب الأرض من مشرقها لمغربها مطالبا بحقوق وطنه، وبين مواقفه السياسية وأخرى النضالية، لم يتوان للحظة في توثيق تاريخ شعبه، واستقطع من لحظات عمره ليؤدي واجبًا وطنياً، اعتبره حقًا إلزاميًا عليه».
وأضافت «إنه الرئيس مسعود بارزاني، زعيم الأمة الكوردية، رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني الحاكم، القائد الشعبي والرئيس الحلم، الرمز لشعب كوردستان، الذي يجسد قيم وتقاليد المجتمع الكوردي العشائري، فضلا عما لعائلته من مكانة دينية في كوردستان، وتاريخ طويل في العمل من أجل حقوق الكورد».
ومضت تقول «حين وجد ‹بارزاني› المستشرقين يوثقون تاريخ الكورد بأحداث مغلوطة مزجت بين الواقع والخيال، قرر أن يؤدي واجبه الذي لا يقل أهمية عن حمل السلاح وأداء واجبه النضالي الذي بدأه بين البيشمركة وعمره 13 عاماً، حيث وثق في عدة كتب نضال شعبه، كان آخرها كتاب ‹للتاريخ› الذي صدر باللغة العربية ورصد فيه أحداثا حقيقية كشاهد على العصر مزجها بصور ووثائق وخرائط تكاد تكون نادرة ليوضح من خلالها تاريخ بلاده».
مردفة «صادفني هذا الكتاب بينما أبحث في الشأن الدولي، وخاصة الشعوب التي اجتثت التنظيم المتطرف داعش، وجدت أنه يرصد الواقع المؤلم والمهم في هذا الشأن، وبالفعل تأثرت بالكتاب وكتبت عنه عدة مقالات».
وتابعت مراسلة ‹الوفد›، بالقول: «وفي مفاجأة حقيقية؛ جاءني اتصال هاتفي من الإعلامي العراقي الصديق د. قيس الرضواني، يخبرني بأن الزعيم تابع عن كثب ما كتبته عنه، في ضوء متابعته الدائمة لوسائل الإعلام العالمية بشكل عام، والعربية والمصرية بشكل خاص، ووافق على تحديد مقابلة سريعة لإجراء حوار صحفي معه، وبالفعل، تم تنسيق الزيارة سريعا».
وفور حضوري إلى مطار أربيل كانت صور الزعيم تملأ أرجاء المكان، استوقفني صورة خاصة له على الجدران وفيها يظهر وهو خاضع ل«التفتيش» من فرد أمن، فهو الزعيم الرمز كما يتعامل معه شعبه، وهو النموذج الذي يحتذى به في كافة المواقف.
وبالفعل تحدد موعد اللقاء بعد ساعات قليلة من وصولي، وعلمت أن الزعيم لا يملك وقتا كافيًا نظرًا لتضارب الموقف السياسي في العراق، حيث تزامن موعد الحوار مع انسحاب مقتدى الصدر من الانتخابات، وهو ما أربك المشهد العراقي، ولكن ضيق الوقت لم يمنع الرئيس من استقطاع جزء من وقته الثمين للقائي.
كانت الرهبة تسيطر على مشاعري؛ والارتباك يرتسم على ملامحي، أدرك الزعيم ذلك فإذا به يذيب الجليد من أول دقيقة، وكانت حفاوة الاستقبال، كافية لإزالة الرهبة، وبدأ لقاء صحفي هو الأهم خلال مسيرتي الصحفية.
نسعي لتطوير العلاقات المصرية -الكوردية ونتوق أن تكون عصب علاقاتنا.
وبالفعل كان اللقاء، حوار شيق، بدأه الزعيم سائلا، كيف حال مصر، متابعاً: لقد زرتها عدة مرات هي بلد جميل، زرت فيها الأهرامات، وأيضا المتحف المصري، مستطردا، أحب كثيرا شعب مصر فهو شعب بشوش وأصيل، وأنعم الله عليه بقيادة حكيمة.
فأجبته، الحمد لله، الوضع مستقر، ودائما الشعب المصري يرتبط بشكل كبير بالشعب الكوردي، هناك روابط عميقة بين البلدين تمتد إلى الحضارة المصرية القديمة، مع بداية علاقات «الميتانيين» أجداد الكورد، وبين الملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وبعدها انتشر الكورد بشكل كبير في مصر بعد الفتح الإسلامي وتحديدا مع تولي صلاح الدين الأيوبي «الكوردي الأصل»، والذي ساهم في توافد كبير للكورد إلى مصر، كرجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وحتى طلبة علم في الجامع الأزهر، وغيرهم من الكورد الذين أثروا الثقافة والإبداع المصري مثل الشاعر أحمد شوقي، والأديب عباس محمود العقاد الذي ولد لأم كوردية، وكذلك المخرج الكبير على بدرخان وغيرهم..
مصر دولة كبيرة وتجربتها أثرت على شعوب المنطقة
* وسألته، كيف ترى سيادتكم هذه العلاقة التاريخية بين مصر والكورد؟ فأجابني:
** علاقة الكورد مع كل الشعوب والدول في المنطقة علاقات تاريخية سواء مرت بفترات سلبية أو إيجابية، لكنها مع مصر كانت باستمرار علاقات طيبة.
* وهنا، استرجعت علاقة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالكورد واستقباله للخالد مصطفي بارزاني في مدينة بورسعيد، وتبادلنا أطراف الحديث حين أتاح ناصر للكورد أن يطلوا على العالم من خلال محطة إذاعية هي الأولى من نوعها، في عام 1957م، وسألته، كيف رأيتم دور الرئيس جمال عبدالناصر في هذا الوقت؟
** فقال، الرئيس عبدالناصر أحدث بثورته تغييرا كبيرا ليس في مصر فحسب بل في المنطقة عموما وخاصة للتيارات التقدمية وحركات التحرر للشعوب المضطهدة، ومن هذا المنطلق استقبل الرئيس عبدالناصر بحفاوة قائد حركة التحرر الوطنية والقومية الكوردية الزعيم مصطفي بارزاني وأبدي استعداد مصر وثورتها للوقوف إلى جانب الشعب الكوردي.
الديمقراطي الكوردستاني يبنى علاقاته مع الجميع بثوابت وطنية أساسها التعايش السلمي والشراكة والسلام وقبول الآخر وتطبيق الدستور
نؤمن بأن أي تحالف يجب أن يبنى على ثوابت وطنية.
* توقفنا قليلا لاسترجاع العلاقات، خاصة وأن أول صحيفة كوردية في التاريخ، اسمها «كوردستان» صدرت في مصر عام 1898، وسألته: هل ترى أن العلاقات الآن تليق بعمق العلاقات التاريخية؟
** فأجابني قائلاً: بالتأكيد الطموح الذي نريده أكبر بكثير من العلاقات الحالية، إلا أننا نعمل من أجل تطويرها أكثر.
* فسألته، كيف ترى الطريق لتوطيد هذه العلاقات؟
** فأجابني: في عالم اليوم لم تعد العلاقات السياسية فقط طريقا وحيدا لتوطيد العلاقات بين الشعوب والدول، ولذلك نري في مصر دولة كبيرة في تاريخها وحضارتها وعلومها وتجربتها ومدي تأثيرها على شعوب المنطقة ودولها من خلال علاقات ثقافية وعلمية ومعرفية واقتصادية نتوق أن تكون عصب علاقاتنا مع مصر العربية.
* استكملت الحوار حول رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي في توطيد العلاقات الدولية مع مصر، وتجلي ذلك في زيارته العراق مطلع العام الماضي، والتي تعتبر أول زيارة لرئيس مصري منذ 1990، وشهدت إطلاق مشروع الشام الجديد من خلال قمة بين مصر والأردن والعراق تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الدول العربية الثلاث.. وهنا سألته: كيف ترى هذه الزيارة وهذا التعاون؟
** فأجابني باهتمام قائلا، توجه صحيح يخدم شعوب المنطقة خاصة شعوب العراق ومصر والأردن، ويتيح لهم فضاء أوسع للتكامل الاقتصادي والثقافي والعلمي بما يفيد الجميع.
* انتقلنا إلى محور آخر أكثر خصوصية وسألته، العراق يعيش وضعا صعبا في ظل عدم تشكيل حكومة: كيف ترى المشهد العراقي؟
** أجابني وهو حزين قائلا، للأسف إنه في غاية الصعوبة، وأزمة عميقة بسبب التعقيدات التي حصلت بعد إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة، وهناك حوارات ومبادرات من أجل الوصول إلى صيغة لحل هذه العقد المستعصية.
* استرجعت الحديث مرة أخرى حول المشهد في الانتخابات الحالية وتساءلت.. كيف ترى تحرك الإطار التنسيقي ضد تحالفكم مع الزعيم الصدري مقتدى الصدر خاصة بعد مشهد انسحابه؟
** فأجابني: لا تزال الأمور في بداياتها بعد انسحاب السيد الصدر، ولدينا علاقات ودية مع الصدر غير مرتبطة بالتحالفات، وعموما نحن لا نبني تحالفاتنا على أساس معاداة تحالفات أخرى، بل نؤمن بأن أي تحالف يجب أن يبنى على ثوابت وطنية جامعة أساسها الدستور وأهدافها الحفاظ على مكتسبات الشعب والعمل من أجل خدمة المواطنين وتلبية حاجياتهم الأساسية وحل الإشكاليات بروح وطنية خالصة.
* وسألته.. هل سيدفع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بمرشح لرئاسة العراق؟
** فقال لدينا مرشح منذ البداية.
* وهنا توقفت لأتساءل، لا يمكن أن يمر الحوار دون فهم طبيعة العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالقوي السياسية داخل العراق «السنية» والشيعية»؟
** فأجابني: «الديمقراطي الكوردستاني» يبنى علاقاته مع الجميع بثوابت وطنية أساسها التعايش السلمي والشراكة والسلام وقبول الآخر وتطبيق الدستور بروح وطنية جامعة بعيدا عن الانتقاء أو التهميش بما يعزز مكتسبات العراقيين ومكوناتهم القومية والدينية والثقافية وتكريس حقوقهم كاملة وثابتة حسبما جاء في الدستور.
* هل نجح الرئيس بارزاني في الحفاظ على الحقوق الكوردية مع بغداد؟
** فأجابني: نجحنا في صياغة دستور جيد يضمن حقوق شعب كوردستان، وكذلك حقوق كل العراقيين، ولم يتم الالتزام به حتى الآن.
شعوب المنطقة تعبت من الحروب وهي بحاجة إلى الأمن والسلام والاستقرار والازدهار وليس إلى السلاح النووي
* وهنا توقفت وسألته.. معنى ذلك أن هناك تأثيراً لحزب العمال الكوردستاني على الأوضاع في إقليم كوردستان العراق؟
** فأجابني: للأسف نعم وقد تسبب وجوده العسكري في بعض المناطق إلى تهجير سكان مئات القري بما منع الحكومة ومؤسساتها من تطوير تلك المناطق وشمولها بمشاريع الصناعة والزراعة والسياحة والطرق، ناهيك عن أن تواجدهم تسبب في مقتل وجرح المئات من المدنيين العزل، وأعطت الحجة للقوات التركية باجتياح المنطقة الحدودية.
* توقفنا كثيرا بعدما طال الحوار.. وسألته، البيشمركة الكوردية قدمت نموذجا يحتذى به في مجابهة داعش عالميا، واجتثاث جذورها بعد هجومهم على العراق في الفترة من 2014 وحتى 2017..ومشاهد سيادتكم وفي يدك السلاح بين صفوف البيشمركة كانت الأكثر تداولا عالميا في هذا الملف الشائك، حدثنا عن خطة حكومة كوردستان في مواجهة داعش والجماعات الإرهابية؟
** المؤسسة العسكرية الكوردستانية (البيشمركة) مؤسسة وطنية انبثقت منذ عشرات السنين من قلب الشعب كحركة ثورية ناضلت وقاتلت وقدمت آلافا من الشهداء من أجل كوردستان وخيارها في التعايش السلمي بين كل المكونات والأديان بعيدا عن التطرف، ولذلك ورغم الحصار المفروض على هذه المؤسسة في قضية التسليح من قبل بغداد، إلا أن إرادتها الصلبة ووحدة صفوفها جعلها تقاتل ببسالة منقطعة النظير وبتعاون كبير مع التحالف الدولي الذي دعم تلك القوات وساندها وقاتل معها، حيث استطاعت تحطيم أسطورة الخوف من داعش الإرهابية حتى غدت رمزا عالمياً للمقاومة والصمود والبسالة.
* وإذا كانت الحرب على داعش كلفت الدولة الكثير.. وكان لها تأثير سلبي كبير في كافة المجالات، فقد كان لها أسوأ الأثر على مجال النفط، ولذا سألت الزعيم، أين أصبح مشروع النفط والغاز في البرلمان العراقي، ولماذا لم يقر حتى الآن؟
** أجابني: للأسف هناك قوي تعمل على عدم تشريعه بالصيغة الوطنية التي يتفق عليها جميع العراقيين، مما تسبب في تعقيد الأمور في هذا الملف بين الإقليم والحكومة الاتحادية، ونري أن حل هذه الإشكالية هي في الإسراع بتشريع قانون ينظم موضوع الطاقة ليس بين الإقليم وبغداد فقط بل بينها وبين المحافظات المنتجة أيضا، ولو كانت الحكومة جادة منذ 2007 حينما وضعنا مسودة قانون النفط والغاز لاختصرنا كثيرا من الوقت والإشكاليات.
* إذن كيف ترى نجاح كوردستان العراق في صناعة علاقات جيدة مع الدول العربية؟
** لكوننا نؤمن أن عمقنا يكمن في أشقائنا العرب ودولهم، ونسيجنا الاجتماعي والديني والتاريخي محبوك منذ القدم نعمل جاهدين على بناء علاقات تليق بذلك النسيج، ونرى أننا نجحنا إلى حد كبير في هذه العلاقات مع مصر والخليج العربي والأردن ونطمح إلى توسيعها مع بقية الدول العربية الأخرى.
* ما رؤيتكم لتأثير الملف النووي الإيراني على المنطقة؟
** شعوب المنطقة تعبت من الحروب، وهي بحاجة إلى الأمن والسلام والاستقرار والازدهار وليس إلى السلاح النووي.
* هل تعتقد أن الحرب الروسية - الأوكرانية.. مقدمة حرب عالمية ثالثة؟
** فأجابني: نتمنى أن ينجح المجتمع الدولي في حل هذا المشكلة وألا تتطور إلى حرب أكبر.
* تنهدت كثيرا وراجعت محاور الحوار الذي اتسم بالبساطة وخرج من إطار الرسمية، لأستشعر وأنا في حضرة الزعيم أنني أحاور شعبا بأكمله له نضال كبير وتاريخ طويل، مرورا ببعض الأحداث العصيبة التي مر بها الشعب من قطع الرواتب وعدم التزام الأطراف السياسية بالمبادئ الثلاثة الشراكة والتوازن والتوافق، وتحدثنا عن قوانين منطقة بارزان التي ظلت حتى الآن تحكمها الأعراف والعادات والتقاليد والدين، كما تطرقنا للعلاقات المصرية والكوردية واستقبال الزعيم عبدالناصر للزعيم الخالد مصطفي البارزاني، وكان سؤالي الأخير..
* بعد كل هذا العمر، توليت رئاسة الإقليم وكنت قائدا للبيشمركة، ورئيسًا للحزب الحاكم وسليل العائلة النضالية في تاريخ كوردستان، ما الذي يقلق مسعود بارزاني في العراق وكوردستان العراق؟
** فأجابني: التفرد في الحكم وإقصاء الآخرىن والتدخلات الخارجية وتهميش الدستور واستخدامه بشكل انتقائي هذا كل ما يقلقني، لأنني أتمني أن نعيش دائما في سلام.
وفي النهاية..شكرت الزعيم على حفاوة الاستقبال، وهذا الشرف التاريخي الذي أهدانيه بوجودي في حضرته، وشكرته أيضا على كتابه «للتاريخ» الذي أعتبره وثيقة حقيقية لتأريخ مسيرة الشعب الكوردي، ففاجأني بأن الكتاب لم يتناول إلا حقائق بسيطة، قائلاً: الواقع أصعب بكثير، ووعدني بلقاء جديد فيه متسع من الأحداث والتفاصيل، كي يعي العالم تاريخ النضال الكوردي الحقيقي دون زيف، وشرفني بزيارة «منطقة بارزان» بمعاونة مستشاره الصحفي الأستاذ ذكري موسي، والإعلامي الكوردي الكبير أحمد شيخو، صاحبي الدعم الكبير في إتمام الزيارة وإنجاحها، وبالفعل سافرت إلى بارزان ووجدتها «قطعة من الجنة» مليئة بكل خيرات الله من جبال وطبيعة ساحرة خلابة ممنوع فيها الصيد أو قطع الأشجار، وهي بلدة تنعم بقبر الأب مصطفي بارزاني والجد الشيخ عبدالسلام بارزاني ومسقط رأس عائلة بارزان، وبها متحف يضم رفات كل شهداء بارزان، كان لي الشرف بزيارتها، وتوثيقها فوتوغرافياً، خاصة وأن الكلام يعجز عن وصفها، واكتفيت بتصويرها كي تكون ذاكرة حقيقية فوتوغرافية لتاريخ بارزان.[1]