سالار آشتي
كما أنني لن أذكر المجازر التي ارتكبت من قبل الجيش في قرى سهل موش الذهبي، لأنها موطني و مسقط رأسي و لا يسمح لي قلمي بالكتابة عن أهوال و فظاعة تلك المجازر الرهيبة و الوحشية التي قلت مثيلاتها في الماضي والحاضر. سأكتفي هنا بذكر بعض المجازر الأقل فظاعة و وحشية و التي ارتكبت في قرى “أنرار” و “حاكوم” و “سرجوق” التابعة لولاية موش و قريتَي “تلمز” و “كوخكا” التابعتين لمنطقة “بشيري و قرية “كوبيكان” التابعة لمنطقة “قولب” ففي هذه القرية تحديداً و لدى محاصرة جنودكم لها حاولت إحدى النساء الخروج من بيتها و هي تحمل طفلها الصغير في حضنها، لكن احد ضباطكم قبض عليها و أمر جنديا تحت إمرته بطعن المرأة عدة طعنات من حربته ليختبر مدى مهارته في الطعن. أمسك الجندي المرأة و نفذ الأمر فوقعت المرأة على الأرض مع طفلها الذي بدأ بالبكاء و الصراخ لكن الضابط المذكور عاجله بعدة طلقات من الرصاص في رأسه ليسقط هو الآخر صريعاً مع والدته و قد فارقا الحياة أمام أعين الجميع. و من جهة أخرى كان جنودكم يتعمدون قطع أيادي و آذان الفتيات اليافعات بعد اغتصابهن و يستولون على ما يحملن من أساور و أقراط. أما النساء الحوامل فقد كان يجري طعنهن في البطن لإخراج الجنين من الرحم. و بالنتيجة تم إحراق 182 قرية بسكانها و هم أحياء.
يا شباب الكردي عليكم الانتقام لكل ما لحق بقومكم من مجازر و انتهاكات و اغتصاب بالجملة. عليكم بالعمل على رد الشرف و الكرامة مرة أخرى لقوميتكم و الانتقام من الأتراك الذين داسوا على الشرف الكردي و كرامته بكل وحشية و همجية. لا تنسوا أن تنتقموا للأطفال و النساء الذين أُحرقوا عمداً في الجوامع و المساجد و لا تنسوا أن تنتقموا للفتيات اللواتي اغتصبن بوحشية نادرة و قطعت آذانهن و أيديهن للاستيلاء على ما يحملن من أقراط و أساور. و لا تنسوا أن تنتقموا لأولئك الوطنيين الأكراد الذين بلغ تعدادهم 800 شهيد تم إعدامهم بعد قبضت عليهم السلطات التركية بشتى الحيل و بوعود جوفاء. عليكم أيها الشباب تذكير أطفالكم في كل صباح بذكرى (1500،000 )من الأكراد الأبرياء الذين قتلوا ظلماً و عدواناً من قبل الحكومة التركية الغادرة. اكتبوا على صفحات دفاتر بناتكم و أولادكم الذين يرتادون المدارس بأن ينتقموا في المستقبل ل (1،5) مليون من أبناء قوميتهم الشهداء على أيدي الأتراك. افرضوا على أنفسكم و أوصوا أولادكم أن يهتموا بلغتهم الأم، الكردية، كتابة و قراءة. لأن اللغة هي التي تحفظ الشعوب من الانقراض و الذوبان في بوتقة قومية أخرى. لا تنسوا أن إهمال الكتابة و القراءة باللغة الأم تؤدي لا محالة إلى انقراض تلك اللغة و القومية المتكلمة بها. إن الشعب الذي يبغي الاستمرار في الحياة و التطور يحتاج إلى الوحدة و التآلف و وحدة الكلمة بين أبنائه لذلك فإن جميع الأكراد مرغمون على مد يد العون لبعضهم البعض بالمال و الأرواح. على الصغار إطاعة و احترام الكبار، و على الكبار إظهار الشفقة و المشاعر الحسنة للصغار. لا يمكن الحصول على حرية و استقلال الوطن إلّا بتقديم الضحايا و الدماء الطاهرة فإذا لم تراعوا هذه الشروط و لم تلزموا أنفسكم بالتقيد بها، فإن الاستعباد و الأسر سيكونان حتما من نصيب القومية الكردية العريقة و الأصيلة. أيها الشعب الكردي تكفيكم هذه الغفوة! استيقظوا لتكسروا الحواجز و الموانع التي تأسركم و تمنعكم عن الحرية و الاستقلال. أيها الأكراد سيروا إلى الأمام بكل ثقة بالاعتماد على الطاقات الهائلة للشعب الكردي لتصلوا بأمان و سهولة إلى الهدف المنشود. إن لتقدم و رقي الشعوب علاقة وثيقة بالعلم و المعرفة عن طريق اللغة الأم، و بالوحدة و التضامن بين أبناء ذلك الشعب. أيها الشاب الكردي ! عليك التحلي بالعلم و العقل و الصبر و المعرفة، و كن خادماً لقوميتك و دع التكبر و الغرور جانباً و ابتعد عنهما لكي تقطف ثمرة عملك و نضالك بسهولة و بأسرع وقت.
لنأت مجدداً إلى صلب موضوعنا. سيدي الباشا لقد بررتم للأوربيين ارتكابكم للجرائم الوحشية التي مر ذكرها، بأنها جرت للقضاء على تمرد ديني رجعي و من ناحية أخرى استطاع البطل الكردي المغوار و أسد جبل آگري، إحسان نوري باشا، مع قوة صغيرة من الأبطال الكرد إثبات شجاعة و بطولة الكردي في ساحة الوغى للعالم اجمع، وذلك عندما استطاع بواسطة هذه القوة القليلة العدد، الكبيرة في بطولاتها و صولاتها، إلحاق هزيمة منكرة بقواتكم الكبيرة جداً في العدد و العتاد و التي اندحرت من ارض المعركة و أُجبرت على التراجع من جميع الجبهات، رغم أن الفرقة التاسعة من جيشكم كانت تحاصر جبل آگري من الجهة الشمالية الشرقية، و الفرقة السابعة كانت تحاصر الجهة الغربية الجنوبية من هذا الجبل الأشم، بينما كانت الفرقتان الثالثة و الخامسة تتمركزان في المقر الرئيسي للجيش كإحتياط للفرقتين التاسعة و السابعة و تمدهما بالأفراد و المعدات حين الطلب. رغم كل هذا الجيش العرمرم، فقد استطاع بطل جبل آگري، إحسان نوري باشا، و بهجوم مباغت دحر جيشكم الكبير و تشتيته مثل الصيصان المذعورة في سهل “قره كوسه”. إياك أن تفكر، سيدي الباشا، بأنكم سيطرتم على جبل آگري بقوة جيوشكم و بسالة جنودكم، بل إن تحالف الإيرانيين معكم و قبولهم بمبادلة الحدود الشرقية من جبل آگري بأراض أخرى من ولاية “وان” كان السبب الرئيسي في انتصاركم. كما أن دعايتكم المزيفة و الكاذبة بين أهالي كردستان أعطت ثمارها و ساعدتكم في الوصول إلى الهدف المنشود. حيث أعلنتم، زوراً و بهتاناً، لأهالي كردستان بأن الذين يحاربون و يقاومون في جبل آگري ليسوا بمسلمين أو أكراد، و إنما جنود فرنسيين و إنكليز و بعض من الأرمن المسلحين الذين حرضهم الإنكليز و الفرنسيون على حمل السلاح و التمرد ضد الجيش التركي. كما زعمتم بأن كل من يساعد أو يتضامن مع هؤلاء يعتبر “كافراً” في نظر الدين الإسلامي. أجل إنني أحمل إلى الآن بعضاً من تلك البيانات و المناشير التي وزعتموها على جميع القرى الكردية الصغيرة منها و الكبيرة، و الآن أكشفها لكم لأنه الوقت المناسب لفضح أعمالكم الإجرامية و ممارساتكم البشعة. لقد زعمتم في تلك البيانات و المناشير بأنه لا يوجد أي كردي في صفوف تلك القوات المتمردة، و أنها قوات أجنبية كافرة تريد النيل من الدين الإسلامي و الشعب المسلم في تركيا. هل يمكن إنكار كل هذه الحقائق يا سيدي الباشا؟! لا أدري ماذا ستتضمن دعاياتكم و بياناتكم القادمة في كردستان! هل ستزعمون بأن المتمردين أو الثائرين هم أحباش أو طليان أو متوحشون من أفريقيا!؟ أم ستزعمون كالعادة بأنهم فرنسيون أو إنكليز!؟ بإمكانكم تلفيق الأكاذيب و الافتراءات حينما تشاءون دون أيما خجل أو وجل.
سيدي الباشا ! تزعمون أنكم معجبون بالحضارة الأوربية و أنكم في الطريق إلى تبني هذه الحضارة لَِأورَبةِ تركيا. لكنكم تخدعون أنفسكم لأنكم تحتاجون إلى مدة زمنية لا تقل عن (500) سنة للوصول إلى الحضارة الأوربية و اللحاق بها. تحتاجون إلى انتداب دولة أوربية متحضرة، و إلا لن تروا وجه الحضارة و لن تلحقوا بركبها. لا يمكن التحضر بلبس القبعة أو تعرية النساء و حضهن على فعل الرذيلة. انظروا إلى أفريقيا لقد استطاع الأوربيون وضع القبعة على رؤوس قرودها و تركوا متوحشيها يجولون عراة فهل أصبحوا متحضرين؟! سيدي الباشا ! إذا كنتم فعلاً تريدون أن تصبحوا متحضرين و متمدنين فانظروا إلى الدول المجاورة لكم لتقلدوها و تتخذوها أمثلة يحتذى بها.
سيدي الباشا! هل تمنع الدول المتحضرة المنتدبة على الدول المجاورة، مواطنيها من العمل لصالح شعوبها و بلدانها؟ هل تحظر لغات هذه الشعوب و تفرض عليها لغة أخرى قسراً؟ هل تحاول تغيير قومياتها برؤوس الحراب؟ هل تعدم و تقتل الذين يعملون لمصلحة قوميتهم؟ هل تجمع الأطفال و النساء و الشيوخ في الجوامع و المساجد و تضرم فيهم النيران؟ هل يعتدي جنودها على النساء الحوامل و يخرجون الأجِنّة من الأرحام برؤوس الحراب؟ هل يغتصب جنودا الفتيات العذراوات و يقطعون أياديهن و آذانهن لسرقة الأساور و الأقراط؟ هل تحاول هذه الدول الضغط على الدول التي لجأ إليها الوطنيون من الرجال، الذين يناضلون من أجل شعبهم و وطنهم لإعادتهم أو لمعاقبتهم؟! هل توجد لدى هذه الدول صحف مأجورة بيد أشخاص معدومين من الشرف و الأخلاق، يعملون بأوامر دولتهم فتصبح صحفهم بوقاً للدعاية ضد كل من يعمل لصالح حرية وطنه و شعبه؟!
طبعاً يا سيدي الباشا ! لا تملك أية دولة متحضرة مثل هذه المساوئ و الممارسات الإجرامية و المتوحشة إلا دولتكم التركية التي تدعي التحضر و التمدن زوراً و بهتاناً.
هل أذكركم بالحادثة التي وقعت بداية سنة ( 1936م ) في كردستان؟! عندما أُجبِرَ الأكراد في كل من ولايتي “موش” و “ديرسيم”، و الذين ذاقوا منكم الذل و الظلم و الهوان، فتركوا ديارهم و احتمَوا مع عائلاتهم في جبال “ساسون” التابعة لولاية “موش”، و جبال ديرسيم الشماء، لمقاومة جحافل جيوشكم التي ما برحت تعتدي بوحشية نادرة على كل كائنات و مخلوقات كردستان.
يا شباب الكرد ! كما ترون فإن العدو على أتم الاستعداد، فلنستعد أيضاً له لكي ندافع عن قوميتنا الكردية. إياكم و التباطؤ أو التكاسل! لنسرع قبل فوات الأوان لكي ننقذ وطننا منن براثن العدو. إعملوا و استعدوا بإخلاص و تضحية! إن الذين ينكرون قوميتكم و الذين خانوا القومية الكردية و تقاعسوا في الدفاع عنها، نعتبرهم أناساً عديمي الشرف و الكرامة. فليذهبوا إلى نسائهم و يرتدوا عباءاتهن و لباسهن، حتى لا يزعموا أنهم رجال حقيقيون. إنه لمن دواعي الفخر أن يستشهد شباب الكرد على ذرى جبالنا الشماء و غابات كردستان الكثيفة و الخضراء برصاص العدو و هم يدافعون ببسالة و شجاعة عن شرف الكرد و كرامة كردستان. كم أتمنى أن أستشهد أيضاً بتلك الطريقة لأنال مرتبة الشهادة و الشرف و المجد. ترى ؟ هل سأنال هذه الشهادة، يا رب؟ أرجو من الله أن يلبي دعائي و رجائي!
سيدي الباشا! أين هي إذاً طبولك التي تدق عليها مزاعم الحضارة و التمدن؟ إنكم في واد، والحضارة في وادٍ آخر! إذا كنتم تودون حقاً أن تلتحقوا بركب الحضارة فينبغي عليكم، كما ذكرت سابقاً، القبول بانتداب دولة متحضرة و متمدنة لفترة طويلة.
خلاصة القول: إن هذه الاستغاثات و النداءات التي صدرت عن حلمي يلدرم الكردي ليست شخصية و لا تعبر فقط عن مكنونات قلبه فقط بل تعبر بقوة عن استغاثات و نداءات 3,5 مليون كردي يعيشون كأسرى مظلومين في وطنهم كردستان تحت الاحتلال التركي البغيض.
سيدي الباشا! سيقاوم الشعب الكردي إلى آخر فتاة من فتياته لكسر قيود الأسر، و التحرر من براثنكم البغيضة! أنادي الإنسانية أن تتضامن معنا لنيل حقوقنا المغتصبة، فهل سأجد منها الصدى و الجواب. لتسقط تلك الإنسانية التي تنكر الحقوق و تغتصبها و لتسقط القوميات الضعيفة التي لا تقاوم الاستعباد! بئس أولئك الكرد الذين لا يناضلون من اجل نيل حقوقهم المغتصبة و لا يلبون نداء الجهاد ضد الاستعمار المغتصب. إن نداءاتي هذه موجهة إلى الدول الموَقّعة على معاهدة “لوزان” و لجمعية “عصبة الأمم” التي تدعي اهتمامها و حرصها على تلبية حقوق الأقوام و الشعوب المستضعفة و المستعبدة.
تفضلوا بقبول احترامي سيدي الباشا.
أعتذر من القراء و المختصين إن بدرت مني أخطاء لغوية أو تاريخية في كتيبي هذا. و أرجو منهم تصحيح ما يمكن تصحيحه من الأخطاء و الهفوات لأن النسيان و الأخطاء من طبيعة الإنسان.
المؤلف
من فدائيي كردستان،
حلمي يلدرم بن شعبان الموشلي،
مهندس ميكانيكي-كهربائي.[1]