إعداد: نسيم شمو
الديانة #الأيزيدية# هي امتداد لأحد وأقدم الديانات الشمسانية الأزلية في العالم, وحسب مفهومها الميثولوجي والديني وتفسيرها للحياة خصوصاً في التراث والفلسفة وتكوين الخليقة وأيديولوجيتها, وهي تحتفل في أيام معينة من السنة حسب تقويمها الشرقي “الشمسي” وتمارس جميع طقوسها وعاداتها الدينية وهذه تختلف عن غيرها من شرائح المجتمعات الأخرى, ولكن مع الأسف خلال مسيرتها الطويلة وظهور الأديان السماوية فقد غُيِّبَ هذا التراث والعادات الاجتماعية الكردية القديمة, ومازال المجتمع الأيزيدي محافظ على نفسه في التواصل والاحتفاظ بهذه الخصوصية إلى يومنا هذا.
أبناء الديانة الإيزيدية من أكثر الملل ميلاً إلى الابتهاج والاحتفال، فالأعياد كثيرة وهي موزعة على فصول السنة الأربع ولكل واحدة من هذه الأعياد تاريخ محدد ولها معاني ومدلولات خاصة بها ولكل منها طقوس وممارسات ذات معاني ترتبط بالعيد وأسبابه ومناسبة حدوثه. العادات والتقاليد بالنسبة لأبناء الديانة الإيزيدية تعتبر كنز ورأس مال وموروث ثقافي متراكم تم جمعه منذ فجر التاريخ الحضاري الانساني وعبر سنوات مديدة من التعب والشقاء وربما الويلات، لذا فانه وأمانة للزمن والمستقبل يجب احترام تلك الكنوز والحفاظ عليها من الضياع والاندثار والتلاعب بها.
الديانة الايزيدية بأيام معلومة من السنة وتمارس طقوس ومراسيم قد تلتقي أو تختلف مع غيرها من الديانات إلا أنه هناك مراسيم وأعياد مشتركة كعيد خدر لياس، هذا العيد قديم جداً وتتميز بطقوسه ومراسيمه عند الايزيدية، يقع هذا العيد في أول خميس من شهر شباط ((شرقي)) حيث تعتبر هذه الأيام خصوبة الأرض وقدوم البركة والسعادة، ويسبقه ثلاثة أيام صيام وتتخلله عدة طقوس، حيث أن يوم الاُثنين الصوم ل#خدرلياس# ويوم الثلاثاء لخدر نبي أما يوم الأربعاء للمراد (الأمنيات) والصوم فرض على كل شخص يحمل اسم خدر أو الياس والصوم يكون صوماً اعتيادياً بالامتناع عن المأكل والمشرب من شروق الشمس حتى غيابها والابتعاد عن الملذات، أما يوم الخميس يكون عيد خدرلياس والجمعة عيد خدرنبي، والاحتفال بهذا العيد يقتصر على مراسيم اجتماعية وشعبية وليس هنالك أية مراسيم دينية خاصة في معبد لالش المقدس، المعبد الوحيد للإيزيديين في العالم.
لهذا العيد طابع خاص ومميز حيث يحرَّم فيه نحر الأضاحي والقرابين ويمنع الصيد أيام الصوم والعيد ويجب تجنب السفر باعتقاد أن خدر لياس وخدر نبي يتجولان وحدهم في البراري لزيارة البيوت.
يعتبر هذا العيد مرتبط بالعملية الزراعية وطقوسها، ووفق مفاهيمنا فانه بحلول العيد ينتهي موسم نثر أو زراعة البذور، وبدء موسم الإخصاب في الطبيعة. ولدينا قول معروف بلغتنا الكردية يلخص ذلك، ومفاده (Xidirliyas sal xelas) ومعناه (بحلول عيد خدرلياس فان موسم نثر البذور انتهى).
شخصية خدرلياس سماوية أسطورية خالدة حيث عرف قديماً كإله للزراعة والمطر وإنه نبي مرسل ومُصْلِحْ يُستغاث به في المحن والمصائب وهداية البشر، ومن الملاحظ أن لشخصية خدرلياس وموسمه علاقة قوية بالزراعة والإنبات حيث بحلوله فان موسم زراعة الحبوب قد أوشك على الانتهاء وصيامه من أجل البركة وزيادة الانتاج الزراعي وإحلال الخير في الأرض.
بحسب ميثولوجيه الديانة الايزيدية فإن خدرلياس ملاك ينزل إلى الأرض في قلعة #ماردين# بشمال كوردستان كل سنة في هذا الموسم على هيئة انسان لرعاية المزروعات، حيث إن (خدر) ليس اسم شخصية معينة وإنما صفة الهية مقدسة، والجدير بالذكر بان نياشينه ومزاراته المقدسة منتشرة في أماكن تواجد الايزيديين ولا يخلوا معبد لالش المقدس من ذلك ويتم زيارته في العيد.
وفي ليلة العيد تُهيِّئ ربات البيوت الملابس الزاهية لأبنائها وتقلي كمية من البقوليات على شرط أن تتكون من سبعة مواد ” دلالة على الملائكة السبعة ” مثل( القمح, الشعير, العدس , الحمص, الذرة, بذور عباد الشمس, البطيخ, سمسم…… ) وتسمى ” قلاندك” ومن ثم يتم طحنها بعد القلي بواسطة الرحى “Destar” ثم توضع في صحن على مكان مرتفع ومعزول أي في غرفة هادئة حتى الصباح وحسب الاعتقاد بأن خدرلياس سيزور المنزل ويترك بصماته على هذا الطحين، فيزداد فرحة أفراد العائلة أكثر فرحة وبهجة بحضور هذه الشخصية لها أي بمعنى تلك السنة يتحقق كل أمنياتهم وآمالهم، ويزداد الخير والبركة في ملكهم وحالهم. في صبيحة العيد تقوم ربات البيوت بإضافة مستخلص التمر أي الدبس أو العسل إلى طحين الحبوب المقلية لصنع حلاوة العيد المسماة ” پيخوين” أي بدون دم وتكون على شكل كرات مدورة بحجم كف اليد، وكما يتم توزيعها على الجيران والاقرباء كصدقة على أرواح الأموات، كما يقوم الأهالي بأخذ بعض من البيخوين ونشرها على الحقول والمزروعات حتى تحل الخير والبركة.
كما ذكرت بان هذا العيد هو عيد لتحقيق الأمنيات حيث يتم تحضير قرص مالح جداً من خلال خلط طحين الحبوب المقلية مع كمية من الملح ويتناوله الشبان والشابات غير المتزوجين في الليلة التي تسبق العيد وينامون دون أن يشربوا الماء، باعتقاد أن الشخص سواء كان شاباً أو فتاةً إن رأى في منامه قد شرب الماء في بيت ما فيؤكد بأن نصيبه في الزواج سيكون من ذلك المنزل أو قريب منه او حتى من تلك القرية.
اتمنى من جلالة الباري أن يعيد علينا وعلى كل أرجاء العالم هذا العيد بألف خير وسلام.
يصادف العيد هذا العام بحسب التقويم الميلادي يوم الخميس20 /2/2020
[1]