#دلاور زنكي#
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وجد الكورد أنهم قد دخلوا مرحلة جديدة من النضال والعمل من أجل تحقيق مطالب
هم العادلة وأن الظروف قد تغيرت فانتعشت آمالهم في مستقبل القضية الكوردية وترسيخها ولاسيما بعد صدور ذاك البيان “المبادئ” الذي أصدره الرئيس الأمريكي “ويلسون” المؤلف من أربعة عشر بنداً المتعلق بتحرير الشعوب والعمل على استرداد حقوقها والعيش الكريم. وأصبحت ظروف الكورد أكثر مواءمة للتحرك والمطالبة بحقها القومي والوطني عندما تطلّب الأمر إنشاء منطقة عازلة بين أتراك الأناضول وبين القوميات الأخرى الذين يتكلمون اللغة التركية –من غير الأتراك- في آسيا الوسطى، والقفقاس وأذربيجان.
في عام 1919م تعلقت آمال الكورد بالمؤتمر الذي عقد في باريس باسم مؤتمر “الصلح”. وبناء على هذه الآمال بدأوا يت
حركون. “وقد حضر المؤتمر مندوبون رسميون من ثلاث وثلاثين دولة، من بينها وفدان من الأرمن، أحدهما برئاسة “أواديس اورهانيان” ممثل حزب طاشناق والجمهورية الأرمنية التي أعلنت استقلالها بعد انسحاب روسيا من الحرب، والثاني برئاسة الوزير بوغوص نوبار باشا الوزير المصري السابق الذي كان يمثل أرمينيا الغربية، أي المقاطعات الأرمنية الواقعة في الأراضي التركية، وقد اعترف المؤتمر بعد افتتاح أعماله بالجمهورية الأرمنية كإحدى الدول الحليفة المنتصرة في الحرب. “[1]
ولما لم يكن الكورد أصحاب دولة أو حكومة لم يسمح لممثليهم بالانضمام إلى هذا المؤتمر، فاضطروا إلى إيفاد شريف باشا[2] ممثلاً عنهم عن طريق المنظمات السياسية والجمعيات والعشائر والهيئات الأخرى.
“كما شارك في المؤتمر بشكل غير رسمي وفد كردي صغير برئاسة الجنرال شريف باشا الذي كان متواجداً في باريس مع بعض السياسيين الكورد المعارضين للاتحاديين (حزب الاتحاد والتركي التركي) في الخارج، وانتخب لرئاسة الوفد الكردي من قبل حزب استقلال الكرد، والجمعية الكردية، والحزب الديمقراطي الكردي، بتمثيل الكورد في أعمال المؤتمر.
ورغم اهتمام الإنكليز بالوضع في كردستان، وبالقضية الكردية، إلا أنهم اتخذوا موقفاً سلبياً من الجنرال شريف باشا، بحجة أنه لا يملك قاعدة شعبية في كردستان، ورغم اجتماع وفد إنكليزي رسمي به في مدينة مرسيليا الفرنسية، إلا أن موقفهم لم يتغير من الجنرال شريف باشا.
ورغم صغر حجم الوفد الكردي إلا أنه لعب دوراً متميزاً للتعريف بالقضية الكردية، في خضم صراع الدول الكبيرة على افتراس كل ما يمكن افتراسه، من خلال عرض المطالب الكوردية على أعضاء المؤتمر من جهة، وعلى جدول أعمال المؤتمر بشكل رسمي من جهة ثانية.”[3]
عقدت الدول التحالف جلسة أقرت فيها بالاعتراف بأرمينيا وميزوبوتاميا وكردستان وفلسطين وجميع الدول العربية وفصلها عن الإمبراطورية العثمانية،. وتأسيساً على هذا الاعتراف تقدم المبعوث الكردي شريف باشا بعريضتين وخارطتين لكردستان إلى هذه الجلسة في فترتين من الزمن. قدمت العريضة الأولى بتاريخ 21/3/1919م والثانية في 1/3/1920م مطالباً فيها بتشكيل لجنة لترسيم الحدود حسب الأصول القومية. أي أن المناطق التي يكون سكانها من الغالبية الكوردية يجب أن تعتبر من أرض كردستان”. وعلاوة على هذا فقد ورد في العريضة الأولى: ” إن تجزئة كوردستان لا تخدم مسألة السلام في الشرق” و ورد في العريضة الثانية:”إن الأتراك في ظاهر أمرهم يؤيدون الكورد في نيل حقوقهم، ولكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك” كما تقدم شريف باشا إلى جورج كليمنصو بطلب رسمي دعاه إلى استخدام نفوذه لإرغام حكومة “الأستانة” لرفع الظلم عن الكورد والتوقف عن كافة أنواع الاضطهاد” و ورد في هذه المذكرة –أيضاً- المقدمة إلى رئيس المجلس: منذ أن تسنمت جماعات “الاتحاد والترقي” سدة الحكم صار كل من يطالب بحقه في الحرية أو المواطنة معرضاً للاعتقال أو النفي”.
تحدث الجنرال شريف باشا عن العريضتين والخريطتين لكردستان كالتالي:
“.. تبدأ حدود كوردستان “الاتنوغرافية” العثمانية شمالاً من قفقاسيا باتجاه الغرب وصولاً إلى “أرزروم” و”أرزنجان” و “كماه” و “عرب كير” و “أربيل” و”كركوك” و “السليمانية” و “أكلمان” و “سنه”. وحدودها من الشرق هي: “راوندوز” و”باش قله” و “وزير قله”. وتمتد من حدود إيران الجديدة إلى جبل “اكري”.
لقد سكن الكورد في هذه المناطق منذ غابر العصور وكانت لهم إدارات حكومية مستقلة بأسماء كردية مختلفة قبل القرن الثالث عشر ارتبطت بالسلطان “سليم” بناء على رغبتها.
وقد ظهرت /46/ست وأربعون إمارة مستقلة على هذه الأرض مثل “دياربكر” و “دينور” و “ساري سول” و “لر” و “أرديال” و “هكاري” و “أماديا” و”كركل” و”فينيك” و “حسن كيف” و”جمس كوزك” و”مرداس” و “أكيل” و “ساسون” و “هزان” و “كليس” و “فليروان” و “درزين” و “خاك” و”تركل” و”سَيْد” و “السليمانية” و”شهران” و”تكول” و “قله” و”داود” و”بلينكان” و”بدليس” و”غرزان” و”بوتان” وسواها. وكانت تحت إمرة البكوات.
بعد الكشف على “الخارطة” التي قدمها شريف باشا إلى المؤتمر تبين أن خطأً قد أُرتكب في رسمها فكثر الحديث عن ذلك وانتشرت شائعة تزعم أن مساحة شاسعة اقتطعت من شمال كوردستان لتمنح لأرمينيا، أدت إلى استياء المنظمات القومية الكوردية جراء تلك الأنباء. ولتصحيح ذلك الخطأ الذي أرتكب سهواً في رسم حدود كوردستان توجه سيد عبد القادر الذي كان يشغل وظيفة رفيعة في الحكومة العثمانية إلى رئاسة الجمعية الفرنسية في “بالا” الكائنة في الأستانة حاملاً كتاباً لإرساله إلى “مجلس الأمن” وتتلخص مذكرة تلك الزيارة في ما يلي:
“لقد وردت بعض المعلومات المتناقضة في “الخارطة” التي قدمها شريف باشا في شهر آذار وفي اليوم الثاني والعشرين عام 1919م، وقد انحصر الخطأ في الحدود الشمالية إذ أن تلك المناطق التي يبلغ عدد سكانها 70% سبعين بالمائة بقيت خارجة عن إطار هذا المصور الجغرافي الذي أعده شريف باشا.. ويبدو أن هذا المخطط لم يُدرس جيداً ولم يدقق في وضعه كل التدقيق.
ولتثبيت حدود لكردستان واستكمال ما نقص منها فقد رأت الدول الكبرى أن بعض المدن في شمال كوردستان التي ألحقت بأرض أرمينيا هي مدن كردية، ورأت هذه الدول أيضاً وجوب وصول الحدود الكوردية إلى البحر الأبيض المتوسط لفتح بوابة لإنعاش الاقتصاد في المنطقة.
ومن جهة أخرى تناقل الناس أنباء عن تقسيم كوردستان إلى دولتين مستقلتين باسم كوردستان الشمالية وكردستان والجنوبية تحت نظام الحكم الذاتي، ولكنّ سيد عبد القادر دعا الشعب الكردي إلى أن يعارض هذا التوجه ويرفض هذا الأمر، ويدعو إلى بناء دولة كردية مستقلة موحدة.
يبدو من إعلان هذا الاعتراف أن الكورد قد دخلوا مرحلة جديدة وساروا شوطاً بعيداً نحو الأمام. ولاسيما تلك المذكرة التي عرضها جورج كليمنصو في مؤتمر “الصلح” جاء فيها: “إن الحكومة التركية عاجزة عن حمل مسؤولية الأمم والشعوب وإدارة شؤونها. ولا يمكن الاعتماد عليها وهي ليست موضع ثقة، ولا يجوز الركون إليها، ومنذ الآن ينبغي للأتراك أن لا يتصرفوا في شأن قومية أخرى تحت حكمها، تلك القومية التي عانت الويلات من الأتراك.
أدرك الممثل البرلماني الكردي “شريف باشا” أن بين الأوروبيين والأرمن معاهدة تضامن –ربما كان الباعث إليها الأرومة الدينية الأرمنية- وبحضور الممثل الأرمني “بوغوص نوبار” ومشاركة رئيس وفد الجمهورية الأرمنية وهاجيان تم التوقيع على هذا الميثاق وأبرم حسب الأصول. وقد ورد في الميثاق أنّ مصالح الشعبين الكردي والأرمني وأهدافهما وغاياتهما واحدة. وهي التحرر من السيطرة العثمانية واستعادة استقلالهما. وقدمت هذه المعاهدة بصفة رسمية إلى المجلس الأعلى في المؤتمر. وفي الحال تم الاعتراف بهذه المعاهدة. وقد تقبل الممثل السياسي البريطاني في مدينة “الأستانة” هذا النبأ وكأنما تلقّى بشارة”.
نص الرسالة المشتركة من رئيس الوفد الكردي ورئيس الوفد الأرمني إلى الرئيس الفرنسي كليمنصو رئيس المؤتمر الصلح:
باريس 20 تشرين الثاني 1919م
سيادة الرئيس
يسعدنا أن نسلمكم طياً نسخة من كتاب معنون إلى مؤتمر السلام الموقع من قبلنا ممثلي الوفد الأرمني الموحد والوفد الكردي في مؤتمر السلام.
إن سيادتكم يرى أنه على النقيض من تأكيدات خصومنا الذين يزعمون أن الأرمن والأكراد لا يستطيعون العيش بسلام، فإننا عقدنا اتفاق صلح، على ضوء تحقيق أهدافنا القومية التي هي مقياس للمستقبل، فنرجو قبول.. احترامنا الفائق
رئيس الوفد الكردي في مؤتمر السلام شريف باشا
رئيس الوفد الوطني الأرمني بوغوص نوبار
وفيما يأتي نص الاتفاق:
الوفد الكردي الموحد: 12 شارع الرئيس ويلسون باريس
الوفد الأرمني الموحد: 12 شارع الرئيس ويلسون باريس.
باريس 20 تشرين الثاني 1919م
سيادة الرئيس
نحن الموقعين أناه، الممثلين للشعبين الأرمني والكردي، لنا الشرف أن نبلغ مؤتمر السلام، فشعبانا لهما نفس المصالح، ويرميان إلى نفس الأهداف، ويدركان حريتهما واستقلالهما وبالأخص للأرمن وانعتاقهم من السيطرة القاسية للحكومة العثمانية، أي تحررهم من نير الاتحاد والترقي. ونحن موحدون جميعاً في الطلب من مؤتمر السلام أن يقرر استناداً على قاعة مبادىء القوميات خلق أرمينيا موحدة مستقلة وكردستان مستقلة مع المساعدة من إحدى الدول العظمى.
عن كوردستان شريف باشا
رئيس الوفد الكردي في مؤتمر السلام
بوغوص نوبار الرئيس المؤقت لوفد الجمهورية الأرمنية
د.أوهانيانيان رئيس الوفد الوطني الأرمني. “[4]
وكان للبيان المشترك الذي أصدره مع نوبار باشا صدى إيجابي في كواليس المؤتمر في باريس، وفي كوردستان وأرمينيا، ووقع الصدمة على الوفد التركي، وعلى حكومة استانبول. وقد جاء فيه: “إننا بالاتفاق التام معاً نناشد مؤتمر السلام منحنا السلطة الشرعية، وفق مبادئ القوميات، لكلٍ من أرمينيا المتحدة والمستقلة وكردستان المستقلة، وبمساعدة إحدى الدول الكبرى، فضلاً عن ذلك فإننا نؤكد اتفاقاً التام باحترام الحقوق المشروعة للأقليات في كلتا الدولتين”[5]
وقد نشرت جمعية التعالي لكردستان بياناً عن هذا الاتفاق جاء فيه:”فيما يتعلق باتفاق شريف باشا مع نوبار باشا، فإن شريف باشا لم يحقق خلال حياته السياسية مثل هذا النجاح السياسي الذي يستحق التقدير.
استطاع الباشا تحقيق نجاح المبادرة التي بدأت في تركيا. واستطاع نيل تقدير الكورد جميعاً.
تستند هذه الاتفاقية إلى أساس عدم قيام الكورد والأرمن بأي نشاط ضد بعضهما، لأن سعادة وأمن الشعبين الجارين ترتبطان باحترام حقوقهم الشرعية، وليس بنزاعهم، ولا داع للتوضيح كم سيستفيد الكورد من هذه الاتفاقية.
وفيما يتعلق بالأرض المختلفة عليها، فإن هذه المشكلة سيتم حلها عن طريق تحويلها إلى لجنة التحكيم. يجب أن يطمئن العالم الإسلامي لأعمال شريف باشا المكرسة للدفاع عن حقوق الكورد الشرعية. كما أن هذه الاتفاقية أثرت تأثيراً ايجابياً على الرأي العام الأمريكي والإنكليزي والفرنسي.”.[6]
وقد تلقت إنكلترا هذا الاتفاق بارتياح واستغلته لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، ولتعزيز موقفها تجاه فرنسا بالاستفادة من الموقف الكردي والأرمني المؤيد لإنكلترا حتى أن “اللورد كيرزون أصدر تعليمات خاصة إلى المندوب السامي البريطاني في استانبول السيرج. دي. روبيك بإبداء كل تشجيع ممكن للاتجاه الجديد، أي للتعاون الأرمني- الكردي”.[7]
وقد أثيرت قضية الشعبين الكردي والأرمني والعلاقة بينهما خلال جلسات المؤتمر بشكل رسمي، كقضية يجب وضع الحلول المناسبة لها، أو من خلال الاتصالات الجانبية بين الدول المشاركة في أعمال المؤتمر من قبل الوفدين الكردي أو الأرمني.
وكان للوفد الأرمني وللقضية الأرمنية حضور ودور فعال في المؤتمر. إذ كانت القضية الأرمنية حاضرة بقوة في جدول أعمال المؤتمر، أثناء مناقشة تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية، وذلك لنشاط الوفد الأرمني، ولتأثير صدى مذابح الأرمن على الوفود المشاركة في أعمال المؤتمر، التي كانت تشعر بعقدة الذنب لعدم قيامها بتقديم المساعدة لهذا الشعب أثناء عملية الإبادة الجماعية التي قامت بها السلطات التركية في بداية الحرب العالمية الأولى، لذلك دافعت جميع الدول المشاركة في المؤتمر عن ضرورة استقلال أرمينيا وضرورة انفصالها عن تركيا. بالإضافة إلى دفاع الوفد الأمريكي ورئيسه الرئيس الأمريكي ويلسون بقوة عن استقلال أرمينيا وكردستان، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية بالانتداب على أرمينيا وكردستان، هكذا كانت الأجواء ايجابية في المرحلة الأولى من انعقاد المؤتمر، إلا أن انسحاب الوفد الأمريكي والرئيس ويلسون من المؤتمر بعد هزيمة حزبه في الانتخابات النيابية الأمريكية، وفقدان الأغلبية في الكونغرس الذي عارض التدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، اضعف الموقفين الكردي والأرمني في المؤتمر بفقدان دولة قوية مدافعة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وراغبة كذلك في الانتداب على أرمينيا وكردستان، وبإنسحاب الوفد الأمريكي انفردت إنكلترا وفرنسا بالسيطرة على المؤتمر وقراراته، فعرضت فرنسا على إنكلترا تعديل اتفاقية سايكس- بيكو وإعادة تقسيم المنطقة مجدداً بين الدولتين بعد التغييرات العامة في الموقف الدولي والمنطقة، وذلك إثر تخلي روسيا عن امتيازاتها ومطالبها في الإمبراطورية العثمانية، وكذلك انسحاب أمريكا من المؤتمر، بالإضافة إلى استياء إيطاليا نتيجة إهمالها وعدم رعاية مصالحها كما يجب، وبما يتناسب مع كل ما قدمته من تضحيات وخسائر خلال الحرب العالمية الأولى.
وقد رفضت إنكلترا التي كانت تسعى لإقامة دولة كردية موحدة، أو مجموعة من الإمارات الكوردية تخضع معظمها للانتداب البريطاني، أول الأمر هذا الاقتراح، ورداً على المشروع الفرنسي قدمت مشروعاً خاصاً برؤيتها لآلية الحل في كوردستان وأرمينيا، تضمن مجموعة من النقاط منها:
1-لا للانتداب على كردستان، سواء أكان هذا الانتداب إنكليزياً أو فرنسياً، أو الانتداب الانكليزي- الفرنسي المشترك على كوردستان ككل، عدا المناطق الأكثر استقراراً والمأهولة في كوردستان الجنوبية حيث يحتمل ذلك.
2-يجب ألا تستمر السلطة التركية على كوردستان حتى ولو كانت سلطة شكلية.
3-أن الكورد قادرون تماماً على تحقيق اتفاق عملي مع الآثوريين من جهة، ومع الأرمن من جهة ثانية. وبسبب هذا يجب ألا يجري قرار بشأن المسألة الكوردية بمعزل عن إنشاء الدولة الأرمنية، التي اتفق على إنشائها البريطانيون والفرنسيون.
4-يجب أن يسمح للأكراد ليقرروا بأنفسهم فيما إذا كانوا يشكلون دولة واحدة، أو عددا من الكيانات الصغيرة، التي ترتبط فيما بينها بخطوط واهية.
5-يجب إعطاء الضمان للأكراد إذا أمكن ذلك ضد الاعتداء العثماني. .[8]
وقد وافقت فرنسا من حيث المبدأ على المقترح الإنكليزي، وخاصة في الموقف من القضية الكردي، حيث كانت متأكدة من أن إنكلترا لن تتخلى عن منطقة الموصل خاصة بعد الانفراد بتشديد قبضتها على (لواء الموصل) في كوردستان العراق بعد اكتشاف النفط فيها، والتي كانت ضمن منطقة النفوذ الفرنسية بموجب الصيغة النهائية لاتفاقية سايكس – بيكو 1916م، لذلك أرادت أن تساومها في الانتداب الفرنسي على معظم أرمينيا وقسم من كوردستان بالإضافة إلى الانتداب على سورية ولبنان.
ورداً على العرض الفرنسي أرسل شريف باشا رئيس الوفد الكردي في المؤتمر رسالة إلى الرئيس الفرنسي كليمنصو بوصفه رئيساً لمؤتمر السلام، طالب فيها بعرض وجهة النظر الكوردية على (المجلس الأعلى للمؤتمر) أعلن فيها رفضه لفكرة تقسيم كردستان، وبعد أن استلمت السكرتارية العامة للمؤتمر رسالة شريف باشا عرضت على المجلس الأعلى للمؤتمر مذكرة تضمنت ما يلي:
“باريس في 22 تشرين الأول 1919م
مؤتمر السلام:
إن السكرتارية العامة لمؤتمر السلام لها شرف استلام رسالتين من بعض الشخصيات الكوردية إلى رئيس مؤتمر السلام بخصوص مستقبل بلادهم.
السكرتارية العامة
إلى جورج كليمنصو رئيس مؤتمر السلام
باريس في 22 تشرين الأول 1919
السيد الرئيس:
لي الشرف أن انقل لسيادتكم رسالتين من السيد عبد القادر أفندي –الشمزيني، الشمديناني- عضو مجلس الشيوخ، ورئيس مجلس الدولة-العثمانية-سابقاً، بصفته رئيس اللجنة المركزية للجمعية الكوردية لأجل عرضها على المجلس الأعلى لمؤتمر السلام.
واسمحوا أن أضيف أنه ومنذ حصول حزب الاتحاد والترقي على السلطة، فإن جميع من كانوا يحملون آمال الحرية القومية تعرضوا للاضطهاد المستمر، وأنه من الواجب الإنساني للمجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجدداً. وأن السبيل الآخر لضمان السلم في كوردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد إلى قطاعين بين انتدابين- ثم طالب بوضع البلاد تحت انتداب دولة عظمى واحدة لتصبح عاملاً للسلم والنظام.
(الرسالة الأولى)
استانبول 2 تشرين الأول 1919م
السيد الرئيس:
إن الشائعات التي تروج عن تقسيم كوردستان إلى قطاعين (في تركيا العثمانية)، ووضعهما تحت توجيه دولتين كبيرتين. تحدو بي لأن أوجه نظر سيادتكم إلى أن هذه التجزئة لا تخدم السلم في الشرق الأدنى. إن لأكراد هناك على النقيض من حكومة الاتحاديين، رفضوا محاربة قوات الحلفاء، وشملوا الأرمن بحمايتهم في المناطق التي كانت تحت السلطة العثمانية، فالأكراد يتمنون من عدالة المؤتمر الاعتراف ببلدهم موحدا غير مجزأ.
عضو مجلس الشيوخ العثماني
السيد عبد القادر
رئيس اللجنة المركزية للجمعية الكردية.”.[9]
وحاول الوفد التركي في المؤتمر بعد أن تأكد من أن الدول الأوروبية لن تتخلى عن استقلال أرمينيا، التمسك برفض انفصال كوردستان عن الدولة التركية، وسعى جاهداً إثارة الخلافات بين الوفدين الكردي والأرمني.
وبعد تنامي قوة الكماليين العسكرية التي أخمدت انتفاضة الكورد في ملاطيا، وسيطرت على مناطق واسعة في تركيا، حاولت الالتفاف على الاتفاق الكردي- الأرمني من خلال إصدار الميثاق الوطني (ميثاق مللي) بالتأكيد على (الاستقلال والحرية التاميين لجميع الأقاليم الآهلة بأغلبية تركية، على أن يقرر مصير سائر أجزاء الإمبراطورية عن طريق الاستفتاء”.[10] ونتيجة المطالبة التركية وكذلك الإيرانية بالسيطرة على كردستان، سارعت بريطانيا إلى تسوية وضع كوردستان بينها وبين فرنسا، وإعداد اتفاقية الصلح مع تركيا، وتوصلت الدولتان إلى الاتفاق النهائي على ذلك في مؤتمر سان ريمو في 24 نيسان 1920 في إيطاليا، وتمت الموافقة على مشروع المعاهدة التي تقدمت بها بريطانيا والتي تضمنت:
1-سوف تعمل لجنة مؤلفة من ممثلي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في استانبول بعد ستة أشهر من سريان مفعول هذه المعاهدة التركية السلمية، وضع مخططات (للإدارة الذاتية المحلية) للأراضي الواقعة إلى الشرق من نهر الفرات، وإلى الجنوب من حدود أرمينيا الجنوبية التي يسكنها الأكراد، ويجب أن يستدرك المخطط حماية الآشوريين- الكلدان، وغيرهم من الأقليات العرقية والدينية في الأراضي المشار إليها. كما سيتم تشكيل لجنة من ممثلي بريطانيا وفرنسا وإيران والأكراد (للإصلاحات) على الحدود التركية، وخاصة على الحدود الفارسية.
2-تتعهد الحكومة التركية بقبول توصيات اللجنة خلال ثلاثة أشهر بعد عرضها عليها.
3-إذا توجه (الشعب الكردي) في الأراضي المشار إليها بعد عام من سران مفعول المعاهدة التركية السلمية، إلى عصبة الأمم بطلب الاستقلال عن تركيا باسم الأكثرية وإذا قرر المجلس أن هذا الشعب (كفؤ لهذا الاستقلال) ويوصي به، فإن تركيا تتعهد بتنفيذ هذه التوصية بعد أن تتنازل عن جميع حقوقها في هذه الأراضي، ويتم الاتفاق على التفاصيل وبصورة مستقلة بين تركيا ورؤساء الدول الكبرى الموقعين على هذه المعاهدة.
4-وفي مثل هذه الحالة لن تعارض دول الحلفاء الكبرى انضمام الكورد القاطنين في ولاية الموصل إلى الدولة الكوردية المستقلة”. [11]
[1] -فارس عثمان، الكورد والأرمن. ص71.
[2] -هو محمد شريف بن سعيد باشا بن حسين باشا بن أحمد آغا الخندان، ولد في استانبول عام 1865م، لأسرة كردية شهيرة، تسنمت الكثير من الوظائف العليا في الدولة العثمانية، فكان والده وزيرا للخارجية العثمانية، ثم رئيساً لمجلس شورى الدولة. وكان أخوه عزت وزيراً للأوقاف. وقد عين شريف باشا 1898 وزيرا مفوضاً للدولة العثمانية في استوكهولم، وظل في منصبه إلى عام 1909م، وبعد إعلان الدستور العثماني عاد إلى تركيا وانخرط في صفوف الحركة الوطنية الكوردية وشارك في تأسيس جمعية تعالي كردستان مع أمين عالي بدرخان. وبعد انعقاد مؤتمر الصلح انتخب ممثلا للكرد إلى المؤتمر. هامش المصدر السابق….ص71.
[3] المصدر السابق،ص72.
[4] -د. (أبو بكر)، كردستان…ص134.
[5] -ديفيد مكدول، تاريخ الكورد الحديث. ترجمة: راج آل محمد. دا الفارابي. بيروت. ط1. 2004. ص218.
[6] -مالميسانز، البدرخانيون في جزيرة بوطان…ص183
[7] -د. (مظهر) كردستان….ص330.
[8] -فارس عثمان، الكورد والأرمن، ص74. نقلاً عن د.(أبو بكر) أحمد عثمان..كردستان في عهد ..ص58. وكذلك د. (مظهر) كردستان..ص341.
[9] -أبو بكر، د. أحمد عثمان. كردستان في عهد السلام. رابطة كاوا للثقافة الكردية، بيروت ط1، 2002. ص240
[10] – عثمان، فارس، الكورد والأرمن ..ص82، نقلاً عن بروكلمان، كارل، ..تاريخ الشعوب الإسلامية..ص690.ترجمة: نبيه أمين فارس، ونير البعلبكي. دار العلم للملايين. بيروت. ط7.بلا.
[11] -(لازاريف) المسألة الكردية…173. ترجمة:د. عبدي حاجي. دار الرازي، بيروت. ط1. 1991.[1]