خارطة كُردستان من الأرشيف البريطاني قبل اتفاقيّة ”سايكس بيكو” المشؤومة ب 1916 عام .
لقد قام المناضل الكُردي الكبير، شريف باشا بجهود عظيمة لتثبيت حقوق الشعب الكُردي وتأسيس الدولة الكُرديّة المستقلة، مع الغرب وخاصة مع البريطانيين في بداية القرن العشرين، واتصل بالإنجليز عام (1914م)، لكن الحكومة البريطانيّة لم تستجب له، وبحلول عام (1918م) وعند احتلال بريطانيا لمزرا بوتان – ميزوبوتاميا/ جنوب كُردستان و(العراق) طلبت وزارة الخارجيّة البريطانيّة من السفير برسي كوكس أن يلتقي بشريف باشا في مدينة مرسيليا الفرنسيّة للاستماع إلى أقواله فقط. وكان هذا اللقاء بعد اتفاقيّة ”سايكس بيكو” بسنتين، أي في عام (1916م) التي اجتمع فيها وزراء الخارجيّة الروسيّة والبريطانيّة والفرنسيّة، وعملوا مباحثات سريّة حول الترتيبات اللازمة، لرسم خارطة الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانيّة وشيكة، وتضمنت الاتفاقيّة تقسيم تركة الدولة العثمانية المحتلة، وبما أن القسم الأكبر من كُردستان كان تحت السيطرة العثمانيّة، فقد شملها التقسيم أيضاً، وقد ساهم ذلك التقسيم الظالم تعقيد القضيّة الكُرديّة، وأخرجها من الطابع الإقليمي إلى الطابع الدولي، حيث تعد معاهدة سايكس بيكو أول معاهدة دوليّة اشتركت فيها ثلاث دول كبرى، وحطمت الآمال الكُرديّة في تحقيق حقهم المشروع في تقرير المصير.
وبعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، بهزيمة الدولة العثمانيّة وحليفتها ألمانيا، حاول الشعب الكُردي استثمار الظروف لنيل حقوقهم المشروعة والاستفادة من مبادئ ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصيرواصلوا صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919م) على أمل أن ينالوا حقوقهم المشروعة، والشعب الكُردي من خلال العشائر والجمعيات السياسيّة شريف باشا لتمثيلهم. فأصدر الحلفاء قراراً في شهر يناير عام 1919م ينص على إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على انتزاع أرمينيا وبلاد الرافدين وكُردستان وفلسطين والبلاد العربيّة، من الإمبراطوريّة العثمانيّة بالكامل. فقدم ممثل الشعب الكُردي شريف باشا مذكرتين مع خريطتين لكُردستان إلى المؤتمر، إحداهما بتاريخ (21/3/1919م) والأخرى يوم (1/3/1920).
كما طلب من القائمين على شؤون المؤتمر تشكيل لجنة دوليّة تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كُردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبيّة الكُرديّة، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى “إن تجزئة كُردستان لا يخدم السلم في الشرق”. كما جاء في المذكرة الثانية “إن الترك يتظاهرون علناً بأنهم مع المطالب الكُرديّة، وإنهم متسامحون معهم، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقاً” وطالب شريف باشا رسمياً من رئيس المؤتمر جورج كليمنصو أن يمارس نفوذه مع حكومة الأستانة لمنع اضطهاد الشعب الكُردي، وجاء في رسالته إلى رئيس المؤتمر: إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي السلطة فإن جميع الذين يحملون آمال الحريّة القوميّة قد تعرضوا للاضطهاد المستمر.
وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى أن يمنع إراقة الدماء مجدداً، وإن السبيل لضمان السلم في كُردستان هو التخلي عن مشروع تقسيمها. ولذلك صرح جورج كليمنصو في مؤتمر الصلح “إن الحكومة التركيّة ليست قادرة وكفؤة لإدارة الأمم الأخرى، لذلك لا يوثق بها ولا يجوز أن تعاد إلى سيطرة الأتراك قوميّة عانت من مظالم الأتراك واستبدادهم”. وقام شريف باشا بعقد اتفاقيّة مع ممثل الأرمن بوغوص نوبار وبحضور الرئيس المؤقت لوفد جمهوريّة أرمينيا أوهانجيان.
ووقع الجانبان –باسم الشعبين- الاتفاقيّة، مؤكدين فيها على أن للكُرد والأرمن مصالح وأهدافا مشتركة هي: الاستقلال، والتخلص من السيطرة العثمانيّة.. وقدما نص الاتفاقيّة بمذكرة رسميّة إلى المجلس الأعلى للمؤتمر، ووافق المجلس مبدئياً على المذكرة، ووصف المندوب السياسي البريطاني في الأستانة الاتفاقيّة بأنها من أسعد البشائر.
وهكذا نجح المناضل الكُردي شريف باشا في إدخال البنود الثلاثة 62. 63.64 الخاصة بحل القضيّة الكُرديّة، وحق الشعب الكُردي في تقرير مصيره بنفسه في وطنه التاريخي كُردستان، في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في أغسطس عام 1920م.. لكن مع الأسف استطاع المقبور كمال أتاتورك على إلغاء معاهدة سيفر، بمؤامرة دنيئة جداً، وتبديلها بمعاهدة لوزان الظالمة، والتي نصت على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم شعوب ما تسمى (تركيا) الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، دون أن ترد أيّة إشارة للشعب الكُردي فيها، ولا معاهدة سيفر، وكانت هذه المؤامرة الدنيئة في لوزان طعنة غادرة في ظهر الشعب الكُردي، ومازال يدفع ثمنه حتى يومنا هذا. وبذلك تتحمل دول الحلفاء المسؤوليّة الأخلاقيّة الكاملة تجاه الشعب الكُردي ولا سيما الحكومة البريطانيّة التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل الكُرديّة -التي كان الكُرد يشكلون فيها الأغلبية الساحقة، ماعدا المناطق الكُردستانيّة الأخرى التي تم تعريبها في غرب كُردستان (سوريا) وجنوب كوردستان (العراق) على مراحل فيما بعد وخصوصاً في عهد حزب البعث العربي العنصري.
لاحظوا الجغرافيا الكُردستانيّة عام 1900م، قبل تأسيس دول سايكس بيكو اللقيطة عام 1916م.
[1]