#جودت هوشيار#
يتساءل كثير من الأعلاميين والمحللين السياسيين المحسوبين على الدول والقوى الراعية لتنظيم داعش الأرهابي ، عن سبب أنشغال العالم بمدينة كردية صغيرة بحجم حي صغير من أحياء بغداد مثلاً ولا تهتم بمدن اكبر منها حجما مثل الموصل وتكريت والرمادي والرقة .
هؤلاء السادة يتجاهلون حقيقة ساطعة كالشمس وهي ان هذه البلدة الجميلة الباسلة ، تتصدى بنجاح لوحدها - ومن دون أي مساعدة خارجية سواء كانت عسكرية أو أنسانية - منذ 16 أيلول /سبتمبر الماضي وحتى يومنا هذا لكل هجمات جحافل داعش المدججة بالأسلحة الأميركية المتطورة ، التي استولت عليها من الجيشين العراقي والسوري ، في حين أن مدنا عراقية كبيرة وعديدة سقطت بيد داعش، الواحدة تلوالأخرى بسرعة قياسية ودون أي مقاومة تذكر رغم وجود أكثر من ست فرق عسكرية عراقية جرارة فيها .
هؤلاء السادة الذين تفور دمائهم حقداً على الشعب الكردي ، يتجاهلون عن عمد ، الحديث عن المقاومة الأسطورية التي تبديها أبناء وبنات كوباني دفاعاً عن بلدتهم الصغيرة ، رغم الفارق الهائل في السلاح بينهم وبين أرهلبيي داعش .
صمود كوباني أصبح على كل لسان في أنحاء العالم بأسره . وأخبارها تحتل منذ حوالي ستة أسابيع الصفحات الأولى في صحف العالم وتتصدر نشرات الأخبار في الفضائيات العالمية ، ويتحدث عنها زعماء العالم وقادة الجيوش الغربية بأنبهار مقرون بأحترام شديد لأبطال وبطلات كوباني .
تأريخ الحروب لا يعرف مثيلا لكوباني ، رغم وجود مآثر بطولية لعدد من المدن الكبيرة خلال الحرب العالمية الثانية مثل ستالينغراد ووارشو . وقد أطلق بعض الأعلاميين الغربيين والروس على كوباني اسم ستالينغراد الكردية ربما لأن معركة ستالينغراد كانت نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية ، كما هو الحال مع كوباني ، التي ستكون نتائج المعركة الدائرة فيها اليوم ، نقطة تحول خلال الحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد داعش ، رغم ان معركة ستالينغراد كانت بين جيشين متكافئين في العدد والعدة والتسليح في حين ان معركة كوباني هي بين جهتين غير متكافئتين ، ففي الوقت الذي يمتلك فيه داعش كميات هائلة من احدث الأسلحة الأميركية المتطورة ، لا يمتلك المقاتلون والمقاتلات من حماة كوباني سوى الأسلحة الخفيفة وبعض الأسلحة المتوسطة ، ولكن شتان بين المعنويات العالية لحماة كوباني وبين همجية ووحشية وخسة قطعان داعش الأرهابي . حماة البلدة الكردية الباسلة أثبتوا للعالم كفاءتهم القتالية ، ما دفع التحالف الدولي الى أعتبارهم مع اخوتهم البيشمركة البواسل في أقليم كردستان القوة الفعالة الوحيدة على الأرض التي تتصدى لداعش نيابة عن العالم المتحضر بأسره ، وتقف حاجزاً منيعاً امام تمدده وانتقال هذا السرطان الى البلدان الأخرى .
كوباني وحدت الكرد في جميع أنحاء كردستان رغم الحدود المصطنعة القائمة اليوم والتي رسمها الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولى ، فالمعركة مصيرية وأهم بكثير من أية اختلافات في وجهات النظر بين القوى السياسية الكردستانية .
كوباني صفحة مجيدة في النضال التحرري الكردي وجزيرة الحرية والكرامة الأنسانية معمدة بالدم الطاهر لشهداء الوطن المفدى .
حماة كوباني أبرزوا جدارة البسالة الكردية وقبروا للأبد سيكولوجية الرعب الداعشية التي أستخدمها التنظيم الأرهابي .وأصابوا حسابات القوى الأقليمية المساندة لداعش بالأضطراب .فهذه القوى توارت خجلاً وراء التحالف الدولى وتتظاهر اليوم بأنها ضد الأرهاب وهي التي خلقت داعش وأمدته بأسباب البقاء والتمدد .
قوات الدفاع عن كوباني ، كما قوات البيشمركة البطلة في أقليم كردستان دفعت بالقضية الكردية خطوات الى أمام وأنتزعت المزيد من أعتراف العالم بالقضية الكردية العادلة , وبهذا الصدد قالت صحيفة (Slate ) الفرنسية في عددها الصادر في 21-10-2014 كوباني البطلة سمحت لنا بمعرفة الكرد على نحو أفضل
نتائج معركة كوباني ستكون لها بالغ الأثر في حسابات العديد من دول المنطقة وستغيرميزان القوى فيها ، وقد أدركت الولايات المتحدة الأميركية هذه الحقيقة قبل غيرها وأخذت تتراجع عن مواقفها السابقة وتدخل في مفاوضات مباشرة مع القوى السياسية الرئيسية في كردستان سوريا وتعترف بها وتساعدها في حماية كوباني بالضربات الجوية وتلقي لهم شحنات الأسلحة التي أرسلتها حكومة أقليم كردستان. وعلى الدول الأخرى ادراك حقيقة أن الكرد هم العنصر القتالي الفعال على الأرض في محاربة داعش والدفاع عن العالم المتمدن بأسره وقيمه الأنسانية والأخلاقية .[1]