جميل حنا
الذكرى المئوية لمذابح إبادة التطهيرالعرقي الجماعي ضد أبناء الأمة الآشورية بكل تسمياتهم ومذاهبهم الكنسية والأرمن واليونان وبشكل عام المسيحيين على يد العثمانيين الأتراك وحلفائهم من الغالبية الساحقة من العشائر الكردية,حدث تاريخي مأساوي بكل المعايير.المنعطف التاريخي لهذه الذكرى الآليمة فرصة لتذكيرالأجيال التي لم تعش الحدث,عن وقائع تلك المجازرالبربرية التي أقترفها الجزارون بني عثمان وحلفائهم من العشائر الكردية ضد إناس مسالمين لم يرتكبوا أي جرم أوحملوا السلاح ضد مضطهديهم.بل فقط لأنهم ينتمون إلى دين وإثنية عرقية أخرى.وعلى كل إنسان مخلص للقيم الإنسانية أن يتمسك بالحقيقة والوقائع الفعلية على الأرض بعيدا عن روح التعصب الديني والقومي.وعلينا ذكر الحقائق التاريخية كما هي بدون تجميل أو تشويه كما قال الفيلسوف الآشوري أوقيانوس بارسيادوس(125-185) أن مهمة التاريخ قول الحقيقة وليس الاهتمام بالجمال,فمن الخطأ أهمال ذكر الحوادث وقال أيضاً: أن التاريخ لا يحتمل البتة السماح بالكذب مهما كان طفيفاً ولذا من الخطأ مجاملة أي فردا أوأي جهة من أجل مواقف سياسية أو شخصية,ولن أشوه أو أصمت عن الجريمة أو ذكر نصف الحقائق على حساب الحقيقة والحق والعدالة.ولن أتخلى عن ذكر الحقيقة كاملة,والتستر على البعض وسأكون واضحا,كما أنا عليه في كل طروحاتي التي هي في متناول الجميع ويمكن الأطلاع عليها في العديد من المواقع الألكترونية وقبل ذلك في بعض المجلات الدورية.ولأن الحدث المأساوي الفظيع لا يحتمل البتة السكوت عن ذكر الحقائق أو المواربة إرضاء للبعض.وفي كل الأحوال لا يمكن أن ترضي من أرتكب الجريمة مهما قدمت من تنازلات أو للذين يتنكرون أو يصمتون عن الجريمة أو يبررونها بمختلف الذرائع ويتهربون من الاعتراف بالحقائق.وكما قلت مرارا ليس هدفنا هو زرع روح التعصب والفتنة وأنما ألتزامنا بالحقيقة, وأن يكف القتلة عن جرائمهم,ودعوة إلى يقظة الجميع للعمل لوضع حدا للأعمال الأجرامية والعمل سويا من أجل بناء مجتمعات إنسانية خالية من العنف والقتل والدمار والظلم والاستبداد والطغيان,وطن و مجتمع يكون لكافة أبناءه بدون تمييز ديني او قومي, مجتمع العيش المشترك والسلام.لقد مضى مائة عام على تنفيذ أكبر مذبحة بربرية بشعة في التاريخ البشري,مائة عام من العار على من أرتكبوا تلك المجازر,ولأنهم يتنكرون للإبادة , ومائة عام من العار على دول العالم وقادتها الصامتين على هذه المجازرالرهيبة وعدم القيام بواجباتهم وإلتزاماتهم المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية.حيث قتل خلال فترة زمنية قصيرة بتخطيط وتنفيذ السلطات العثمانية التركية بالتعاون مع حلفائها في أعوام الحرب الكونية الأولى 1914-1918 وحتى بعد هذه الفترة الزمنية أكثر من خمسمائة ألف من الآشوريين ومليون ونصف من الأرمن ومئات الآلاف من اليونان.آلام مائة عام من المآسي ما زالت حية في وجدان أبناء هذه الشعوب,ومذابح الإبادة مستمرة حتى يومنا هذا ضد المسيحيين بشكل عام في بلدان الشرق الآوسط.هذه المجازرأرتكبت بدافع الحقد والتعصب الديني والقومي لإنهاء كيان ثلاثة شعوب كانوا يعيشون على أرضهم التاريخية قبل أن تغزوهم قبائل الرعاة الهمج القادمين من السهول المغولية والفارسية في غفلة من الزمن والمتعطشين للدماء وحياة الأبرياء من الناس المسالمين.مجزرة واحدة أستهدفت ثلاثة شعوب وتم القضاء عليها وأقام الغزاة سلطتهم عليها بالحديد والنارعلى تلك البقعة الجغرافية التي كانت لآلاف السنين مركز حضاري وثقافي يشع منه العلم والمعرفة والرقي الإنساني.
إن الهدف الرئيسي من إرتكاب تلك المجازرهو التخلص من غير المسلمين وغير الجنس التركي.وكما ورد على لسان قادة حزب الاتحاد والترقي التركي,الذين قاموا بالتخطيط والتنفيذ الدقيق لتلك الإبادة العرقية الجماعية, وذلك بدافع التعصب الديني والقومي على عكس الشعارات التي طرحها هذا الحزب(الحرية,والعدالة, والمساواة):ولكن سرعان ما أعلن الأتراك الفتيان عن سياسة التتريك الشوفينية,أي توحيد جميع الشعوب التركية تحت قيادة تركيا.وكما كانت قبيل الحرب العالمية الأولى كذلك ابانها كانت القيادة التركية الفتية ترى حل المسألة القومية في تركيا عن طريق الإبادة الجسدية للشعوب المسيحية أو تهجينها بالقوة.وقد أكد على ذلك الكثير من قادتهم ومنهم الدكتور ناظم منظر واحد اقطاب السياسيين الأتراك الشبان بقوله:فقط لو يقف المحرضون من صوفيا وأثينا عن التدخل في شؤوننا عندها سنحقق الحرية الحقيقية وحينها سيرى الجميع كيف سنذوب بسهولة جميع اليونانيين والعرب والالبان ونصنع منهم شعبا واحدا ذو لغة ام واحدة وكررمواقفه الشوفينية هذه حينما أكد في احدى أجتماعات حزب فتاة تركيااريد بان يعيش على هذه الأرض التركية,فقط التركي, ويسيطر دون منازع,فليغيب جميع العناصر الغيرالتركية من أية قومية أودين كانوا,يجب تنظيف بلادنا من العناصرغيرالتركيةوقد كرر ناظم زميله في الحزب شاكرالذي اعتبرانه في ثقافتنا القومية يمكن ان نسمح بالازدهار للبذورالتركية فقط.نحن ملزمون بتنظيف وطننا من جميع الشعوب غير القريبة المتبقية واقتلاعهم من جذورهم كما تقتلع الاعشاب الضارة,هذا هوهدف وشعار ثورتنا وصرح انور احد الحكام الثلاثة القائدين للبلاد بقوله:انا غير ناوي فيما بعد على تحمل المسيحيين في تركيا.وبعد فترة من ذلك(أي في صيف 1915)اعلن وزير الداخلية طلعت عن نوايا الباب العالي:باستغلال الحرب العالمية من أجل التخلص نهائيا من الأعداء الداخليين,الذين هم(المسيحيين المحليين) كون ذلك لا يستدعي حينئذ تدخلا دبلوماسيا من الخارج.وانطلاقا من توجيهات القيادة التركية الفتية بدأت الاوساط الحاكمة في الامبراطورية العثمانية بتطبيق برنامج مدروس بدقة وتخطيط وتنفيذ خاص بإبادة المسيحيين القاطنين في تركيا بما في ذلك الشعب الآشوري).وهذه الأفكار التي طبقت عمليا تدحض كل الطروحات التي تنادي بها الحكومات التركية منذ قيام الجمهورية التركية في عام 1923حتى يومنا هذه بأن الحرب والخيانة أي العمالة والتعاون مع القوى الأجنبية والحصاروالمجاعة والحرب الداخلية هي سبب موت بضع مئات الآلاف من الناس.وهذا الأدعاء أفتراء ولا ينطبق على الحقائق التي جرت حينها,وأن التنكر لها وحرف وتشويه الحقائق لن يدفع الأمورنحو إيجاد الحلول المناسبة وتطبيق العدالة الإنسانية لكي يوضع حدا لإرتكاب المجازر الحالية بحق الشعوب.وليس صحيحا إدعاءات الساسة والدبلوماسية التركية وأستنادا إلى الدراسات والأبحاث بعض الكتاب الأتراك أنفسهم:منهم مولان زاده الذي كان شاهد عيان وذات نفوذ في بلاط السلطنة العثمانية ومطلع على كواليس ومجريات صنع القرارات السياسية صاحب كتاب الوجه الخفي للإنقلاب التركي صدرعن مطبعة الوقت
بحلب 1929. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=211871
كما يوجد العديد من الكتاب والباحثين الأتراك الحاليين المختصين مثل كمال يالجين يؤكدون في أبحاثهم وعشرات الكتب التي أصدروها بأن المجازرأرتكبت على خلفية عقائدية دينية وقومية وسياسية عنصرية أستهدفت وجود المسيحيين من الآشوريين والأرمن واليونان. يقول الكاتب عندما دخلت العشائر التركية إلى أراضي تركيا الحالية قبل ما يقارب حوالي 900 عام كان عددهم أربعمائة ألف.وكان عدد المسيحيين من الآشوريين والأرمن واليونان خمسة ملايين إنسان.وحسب الأحصاء التركي الرسمي لعام 1913كان عدد سكان تركيا الحالية ستة عشر مليون ونصف من بينهم أكثرمن أربع ملايين مسيحي منهم مليون من أبناء الشعب الآشوري بمختلف مذاهبهم الكنسية.واما حاليا فأن عدد سكان تركيا البالغ ثمانون مليون تقريبا فلا يوجد سوى مائة ألف مسيحي بدلا من أن يكون على أقل تقدير حسب نسب الزيادة الطبيعية أكثر من عشرين مليونا مقارنة مع العدد الأجمالي لسكان تركيا حاليا.ولا يوجد في جنوب شرق تركيا المناطق الأساسية لمناطق سكن الشعب الآشوري بدأ من بحيرة وان وهكاري وطور عابدين وآميد (ديار بكر)وأنطاكية سوى بضعة آلاف.لقد تم إبادة أكثرمن ستمائة وخمسون ألف منهم أثناء الحرب الكونية الأولى.ولذا ليس صحيحا الأدعاء بأن البعض مات بسبب المجاعة أو بعض اعمال الشغب التي حصلت أثناء الحرب أو الحصار المفروض آنذاك.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232163
وإذا كان الأمر كذلك لماذ حاولت الدولة التركية الحديثة إخفاء الوثائق والصحف الصادرة في تلك الحقبة، ولكنها لم تفلح بالرغم من رصدها طاقم بشري ومادي كبير لتلك الغاية ومن أجل تحريف الحقائق التاريخية.برغم من كل المحاولات لم يقتنع أحد بالإدعاءات التركية، بأنها لم ترتكب المذبحة.ونحن نأمل أن تأخذ العدالة مجراها بشكل قانوني بحق من أرتكب مجازرالإبادة الجماعية,أي السلطة الوريثة.وأن تعترف بلدان العالم بمجازر الإبادة العرقية التي ارتكبت بحق الآشوريين والأرمن واليونان في السلطنة العثمانية التركية خلال الحرب الكونية الأولى.ووفقاً للمصادر العثمانية التركية نفسها ومن خلال الوثائق الرسمية الصادرة من وزارة الدفاع والداخلية ورسائلها الموجهة إلى ولاة الولايات التركية ورسائل الولاة إلى الحكومة المركزية في القسطنطينية (اسطنبول)والتي تؤكد تنفيذ المذبحة بحق أبناء الأمة الآشورية بكل تسمياتهم.ومرة أخرى الوثائق التركية ذاتها التي كشف عنها البرفسور كانت السويدي تدحض كل المحاولات الفاشلة لتنكر حدوث المجازرأوالمبالغة في الأرقام.وهذه الوثائق الرسمية العثمانية المحررة آنذاك والتي تؤكد وقوع المجازرالوحشية البشعة.ومن خلال عرضه لإحدى الوثائق الرسمية من الأرشيف التركي والتي بينت عدد السكان والقتلى في منطقة آمد (ديار بكر) ومن مختلف الطوائف المسيحية الذين عاشوا على أرضهم التاريخية وهنا أسجل بعض الأرقام وكما وردت في الوثيقة الرسمية العثمانية التركية والتي عرضها البروفسور كانت
(الأرمن الغريغوريون عدد السكان 60 ألف وقتل منهم 58 ألف وتكون نسبة القتلى 97%، الأرمن الكاثوليك العدد 20020 وقتل منهم 11010 بنسبة 55%، الكلدان 11020 قتل منهم 10100 بنسبة 92%،السريان الأرثوذكس العدد 84725 قتل منهم 60725 وبنسبة 72%، البروتستانت العدد 725 وقتل منهم 500 وبنسبة 69%).إن مجموع الأشخاص الذين ورد أعدادهم في الوثيقة من المسيحيين في هذه المنطقة قد بلغ 176490ألف إنسان وقد قتل منهم 140335إنسان أي بمعدل 80%.والسؤال الذي يطرح نفسه هل قتل ثمانون بالمئة من المسلمين من الأتراك والكرد والجركس واللاز..فإذا كان إدعاء الأتراك صحيحا بأن من مات كان بسبب الحصار والمجاعة والشغب والحرب الداخلية فعليه يجب أن يكون عدد قتلى الأتراك وحلفائهم من مختلف العشائر ما يقارب عشرة ملايين إنسان.وبما أن هذا غيروارد على الأطلاق وغير صحيحح مطلقا,لأن مجموع قتلى الحرب الكونية الأولى بلغ أقل من تسعة ملايين إنسان.وأن الغالبية العظمى من المقتولين كان من الجنود في ساحات القتال,وليس من المدنيين العزل كما كان حال المسيحيين بشكل عام.
وثائق من الأرشيف التركي حول مذابح الإبادة الآشورية (سيفو)1915
http://www.azad-hye.org/article.php?op=details&id=85
http://www.furkono.com/modules.php?name=News&file=article&sd
وعندما وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها لم تتوقف عمليات قتل المسيحيين حتى بعد الحرب,واستمرت عمليات القتل و الاضطهاد والملاحقة والسخرة وسحبهم إلى الجيش ومن ثم قتلهم.وحتى بعد قيام جمهورية تركيا الحديثة 1923 لم تتوقف الأعمال الأجرامية ضد كافة الشعوب غير المسلمة,الآشوريين بكل طوائفهم والأرمن واليونان البنطوس.ولكن بكل أسف بقي العالم صامت أمام أفظع المجازرالتي شهدها التاريخ الإنساني.بالرغم من تأكيدات البعثات الدبلوماسية حينها في القسطنطينية( أستنبول) اليوم ومنهم السفيرالأمريكي هنري مورغنطاو والبعثة الدبلوماسية السويدية وغيرهم جميع تقاريرهم المرسلة إلى قيادة بلدانهم تأكد حدوث مجازر إبادة عرقية منذ عام عام 1915.وكذلك تقارير المبشرين المسيحيين ومنهم لبسيوس وأيضا مراسلي الصحافة العالمية من أمريكا وبريطانيا وغيرهم من الدول الكبرى.وبعض الكتاب شهود عيان المجزرة الذين كتبوا بعض الكتب عن مجازر تلك الحقبة الدموية ومنهم الأب إسحق أرملة صاحب كتاب ( القصارى في نكبات النصارى)عام 1919.وعشرات الآلاف من الناجين من المذابح هم شهود عيان على من أرتكب المجازروكيف وفي أي ظروف ومن مختلف المناطق الجغرافية,والجميع أكدوا بأن جميع الإبادات كانت تتم بنفس الأساليب,وكان الجناة معروفون وهم القوات الرسمية العثمانية التركية التي كانت تضم في صفوفها المسلمين ومنهم الجركس والشبه النظامية والغالبية الساحقة من العشائر الكردية.وبالرغم من مرور مائة عام على الإبادة العرقية الجماعية التي أرتكبت ضد هذه الشعوب إلا أن الرأي العام العالمي مازال صامت لايهتم بهذه المسألة الإنسانية ذو الأبعاد الخطيرة على السلم العالمي وحياة الكثير من الشعوب في العالم.والصمت وعدم ممارسة ضغوط حقيقية على مرتكبي الإبادات السابقة هوالذي يشجع على إرتكاب مثل هذه الجرائم في آيامنا هذه ضد المسيحيين في بلدان الشرق الآوسط,لأن أي فرد أو جهات رسمية او شبه نظامية أو مجموعات من الذين أقترفوا الإبادت يتعرضوا للمسائلة القانونية,وتقديمهم إلى العدالة الدولية.أن التنكرلإرتكاب مجازرالإبادة هو استمرار للفعل نفسه. لم يعترف حتى الآن سوى حوالي 23 دولة بمجازرالأرمن,وفقط ثلاث دول بمجازر الآشوريين البرلمان السويدي الأول الذي اعترف بالمجازرفي 11آذار 2011 وكذلك أرمينيا أعترف برلمانها في 24 آذار بمجازرالآشوريين 2015 وهولندا في 9من نيسان 2015وكذلك بعض المنظمات العالمية والمقاطعات أو الولايات أو المحافظات في بعض بلدان العالم.
بهذه الذكرى الأليمة نطالب تركيا بأن تنظربشجاعة كاملة إلى الحقائق التاريخية بخصوص مجازر إبادة الآشوريين والأرمن واليونان.وأن تعترف بهذه المجازر بأعتبارها الوريث الشرعي للحكم العثماني الذي أتخذ قرارالإباده.وأن تعوض هذه الشعوب ما لحق بها من خسائر معنوية ومادية.فليكن مثال ألمانيا حاضرا في الأذهان عندما اعترفت بالهولكوست اليهودي لم تخسرهذه الدولة أو تفقد من مكانتها العالمية.بل أنتقلت من حالة الشعور بالذنب إلى الأعتراف بالخطيئة والتخلص من تأنيب الضمير.هل سيتمتع الأتراك بالشجاعة التي تحلى بها الألمان ويعترفون بالجريمة,أم أن منظومة المعتقدات الفكرية الثقافية و الدينية والقومية العنصرية ستبقى عائقا بأن لا يخطو خطوة إيجابية نحو الأمام والاعتراف بالمجاز التي أرتكبوها ضد الآشوريين والأرمن واليونان.
2015-04-17.[1]