رغم التباين بين الواقع والآمال… من المُحال حجب أشعة الشمس بالغربال!
شوكت شيخو*
لسنا بصدد خلق حالةٍ من الاحباط لدى أبناء جلدتنا في ديريك والقامشلي ولا في كوباني وكرداغ ولا في شمال الباب، لكننا! لا نريد لهم العيش في دوّامة الآمال والأوهام، فلم يَعُد بِخافٍ على أحد، أن حركتنا الوطنية الكردية، كأنما باتت تخطو نهج أشقائنا العرب، فلاستعادة لواء اسكندرون خسروا فلسطين ولتحريرها خسروا سيناء، الضفة والجولان؛ أما بطولات أنظمتهم الشمولية! فقد اختصرت على الإمعان باضطهاد شعوبها وبالمقدمة الأقليات.
لسنا بصدد التهديد ولا الانتقام من الفينيقيين ولا الكنعانيين الذين قَدِموا من شبه الجزيرة العربية في الألفية الأولى قبل الميلاد، فاستوطنوا شرق المتوسط بين سوريا ولبنان؛ ولا من العشائر العربية كطيّ وشَمّر، المَوالي والدليّم والعكيدات، الذين قَدِموا من العراق فانتشروا في البادية السورية من الحسكة إلى الغاب؛ كما لسنا بصدد الانتقام من عشائر البو شعبان التي تعود أصولها للقبائل الزبيدية العربية، والتي استقرَّت على ضفتي نهر الفرات، طلباً للكلأ والماء، عقب تأسيس الكُرد للدولة الدوستكية التي امتدت من آمد/ديار بكر إلى الجهة السفلى لبلاد ما بين النهرين بما يقارب الثمانمائة عام، فباتت أهل الدار والكُرد غرباء، مثلما حصل لمدينة آمد حين غدت دياراً لبكر بن وائل.
ما من شك الكل يُدرك! أن الكُرد لم يكونوا يوماً ذاك الغضب الساطع القادم من الشمال، فلا طباعهم ولا الواقع يسمحان التنكيل بشركائهم في الوطن أو الاعتداء على ممتلكات وأعراض الغير؛ مثل ما تفعله المجموعات الجهادية الارتزاقية في #عفرين# #وسري كانيه# #وشنكال# .
ما من شك الغَلَبة كانت للأكثرية التي ما انفكت! من استغلال القوانين الاستثنائية لأنظمتهم الاستبدادية في الاستقواء على جيرانهم الكُرد، فكل الأدلة والوقائع تؤكد أن لا العرب ولا الترك ولا الفرس المسلمون استطاعوا أن يثبتوا للعالم بأنهم «خير أمةٍ أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن الفحشاء والمنكر» في تعاطيهم مع الكُرد وقضيتهم القومية العادلة، ولا انصاعوا لقوله تعالى «يأيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبيرٌ»، رغم أنّ اختلاف الأعراق والألسن حِكمة الله لعباده، ودافعٌ للتفاعل وللإعمار، لا التخاصم والاقتتال واغتصاب نساء وسبيّ قاصرات.
من نافل القول إن الكُرد يدركون أكثر من غيرهم أنّ ما من دولٍ ولا كيانات ذات أشكال هندسية مُعيّنة، فلا هذه دولة مُربّعة ولا تلك مستطيلة، وما من دولة على شكل مثلث متساوِي الأضلاع، ولا من دولة سكّانها يرجعون بأصولهم لعرقٍ واحد، كما ويدركون جيداً أن كل الأنظمة الغاصبة لكردستان لَم ولن تُوفر جهداً لمنع أي كيان كردي مُحتَمل، لا على أراضيهم التاريخية ولا على أسوار الصين أو بجزر الكناري، ولا حتى في جزر واق الواق.
أما على الطرف الآخر من المسألة لا الإحصاء الاستثنائي الجائر بمحافظة الحسكة ولا التجريد من الجنسية، ولا عمليات التغيير الديمغرافي المستمرة والممنهجة، التي طُبّقت من قِبَل الحكومات المتعاقبة على دفة الحكم منذ نشوء الدولة السورية، مثل الحزام العربي العنصري السيء الصيت بالجزيرة والحزام التركماني المقيت في عفرين مؤخراً، ولا قصف كرميان وبلدة حلبجة بغاز الخردل والسارين، ولا الأنفال ولا المقابر الجماعية… ثنت الكُرد يوماً عن مطاليبهم القومية المشروعة.
يُدرك الكُرد جيداً أن كل المحاولات العبثية من أبواق النظام وشعراء البَلاط ومن قبل الجيوش الالكترونية للأنظمة الغاصبة لكردستان، تأتي بغرض تشويه التاريخ وتحريف الحقائق، لغايةٍ في نفس يعقوب كما يقال؛ وما التمييز بين أبناء الشعب الكردي ودق الأسافين بينهم، عبر وصفهم بالطيّب والأصيل ونعت كافة قادتهم ورموزهم بالعملاء والخونة مع اتهام حركتهم الوطنية زوراً بالارتباط بالخارج منذ بدايات تأسيس أطرافها المختلفة، إلاّ غباءٌ أكثر من كونه استغباءٌ للآخرين؛ وما تقوم بها شبيحة النظام السوري والفصائل الارتزاقية الموالية لحكومة العدالة والتنمية ومنظمة الذئاب الرمادية التابعة للاستخبارات التركية (الميت) ومنظمة سافاك الإيرانية، من انتهاكات وجرائم بحق الكُرد، إلاّ- في جانب منها- لإيهام الكُرد باستحالة تأمين حقوقهم القومية المشروعة؛ ولكن! هكذا خزعبلات لن تنطلي على الكُرد، ولن تقف عائقاً أمام نضالهم المشروع دفاعاً عن قضاياهم العادلة، وفق الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية.
الكُرد في سوريا لم يأتوا من خارج الحدود ولا من المَرّيخ! إنما هُم سكّان أصليون في مناطقهم التاريخية، قبل تأسيس الدولة السورية بمئات السنين، ومن حقهم أسوة بغيرهم، المطالبة بحقوقهم القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد، رغم إدراكهم أنهم جزءٌ من أمةٍ كبيرة بقيت دون وطنٍ مستقل، والظروف الجيوسياسية المرحلية غير مؤاتية بَعد لحلّ قضيتهم؛ إلاّ أنّ إيمانهم الراسخ بعدالتها وما أنتجت البشرية من مؤسسات ونُظُم إنسانية حضارية كفيلة باستدلالهم السبيل الأمثل للتحرر من الظلم والاستعباد، كونهم يبغون التعادل لا الفوز بالكأس ولا الاستحواذ على كامل مقدرات البلاد، كما ويدركون أنّ ثِمة عقبات جمة أمام تحقيق مطاليبهم العادلة، خاصةً بعد احتلال تركيا لثلاث مناطق كردية في الشمال السوري، والتهجير القسري للسكّان نحو المخيمات وغيرها، وأخطر أشكاله هو التشتت الأخير بدول الغرب الإمبريالي؛ فما من كيان ولا حقوق دون مواطنين، مشكلةٌ باتت تشغل بال الكثيرين.
ما يوخز الضمائر ويحز بالنفوس هو توافق الأنظمة الغاصبة في محاربة الكُرد رغم خلافاتهم، في حين تكتنف الحركة الوطنية الكردية النزاعات والتجاذبات رغم نضالها لأجل قضية واحدة.
مصيبتنا! لا شعوب الشرق الأوسط استطاعت انتاج حكومات ديمقراطية، ولا الشعوب حظيت بحكومات انتهجت سياسات جادّة وحكيمة للتحرر من العصبية القبلية والشوفينية القومية وأطلقت الحريات وأسست مجتمعاً يتماشى مع عصر العولمة ويمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، أو تناولت القضية الكردية بعيداً عن منطق الوصاية والاستعلاء؛ ولا الحركة الوطنية الكردية أنجزت مهمة توحيد صفوفها وتكاتف جهودها، لتوفير الظروف الذاتية الضرورية لأية قضية.
مُحالٌ أن ينعم الشرق الأوسط بالسلم والاستقرار، دون إيجاد حلٍ عادل للقضيتين الكردية والفلسطينية؛ فإذا ما استمرت الأنظمة الغاصبة في عنجهيتها، وواصلت تدابيرها السياسية والعسكرية لطمس الهوية القومية للكُرد في المنطقة، البعيدين كل البعد عن التطرف والإرهاب، في وقتٍ يشهد العالم فيه مرحلة الحرب الساخنة من قِبَل القوى المتحضرة على قوى الظلام.
فما من شك أن المنطقة ستعيش دوّامة العنف والعنف المضاد، ومن المحال! إن لم يكن من السذاجة أو الغباء، مجرد التفكير بإمكانية اسكات خمسين مليون كردي يعانون الظلم والاستعباد ومحرومون من أبسط حقوقهم القومية المشروعة بعصر النت والعولمة، مثلما هو مُحالٌ حجب أشعة الشمس بالغربال![1]