سندس حسين علي
دخلت أجهزة الراديو الى منطقة كردستان في بداية ثلاثينيات القرن العشرين, وكان من القلة من الذين يستطيعون شراءه لأرتفاع اثمانه، ولما كان دخول الراديو في بغداد عن طريق المقاهي، حدث ذلك أيضا في السليمانية، فقد وضع أول جهاز في تلك المدينة عام 1932 في مقهى (حمه ره ق) وكانت تلك المحطة تعمل مساءاً فقط وباللغة العربية فقط,
وكان الرجال يتوافدون الى ذلك المقهى بكثرة بعد آذان العشاء ليستمعوا الى ذلك الجهاز العجيب الذي رأوه لأول مرة الذي يتكلم دون وجود شخص، والاستماع الى القرآن الكريم.
حين افتتاح اذاعة بغداد، كانت أمنية الشعب الكردي, افتتاح إذاعة باللغة الكردية وطلب تحقيق تلك الأمنية الكثير من الشخصيات الكردية منهم: محمد أمين زكي بك، وكان وزيرا أنذاك، وتوفيق بك وهبي الضليع والخبير في اللغة الكردية (كان عضوا في مجلس الاعيان) مع كثير من ابناء الشعب الكردي الخيرين بطلب فتح اذاعة كردية لم يكن ذلك الطلب قد جاء من الفراغ، وإنما للشعورالوطني، وخدمة الثقافة واللغة الكرديتين.
لم يكن في العراق خلال تلك المدة سوى اذاعة بغداد الناطقة باللغة العربية ولما كانت حرية الاعلام هي اولى الحقوق الثقافية لأي شعب فاحترام الاعلام باللغة الأم، دلالة ثقافية وسياسية واجتماعية مهمة. تأسست الأذاعة الكردية كقسم تابع لاذاعة بغداد، وبدعم مباشر من قبل الحكومة العراقية انذاك.
شيدت ستديوهات الاذاعة الكردية الى جانب بناية الاذاعة العراقية باللغة العربية.
وخصص لها الموجة القصيرة الثانية وطولها (48،90)، يوم19تشرين الثاني 1939، وفي الساعة(15: 8) دقيقة صباحاً، وقبل إنتهاء نشرة الأخبار أذاع المذيع من اذاعة بغداد ولأول مرة قائلاً: ((والان تستمعون الى ترجمة نشرة الاخبار باللغة الكردية)).
قال حافظ القباني:
((كنا نستمع الى اذاعة بغداد, في الساعة الثالثة بعد الظهر فاذا بالمذيع يعلن عن تقديم فترة الاذاعة باللغة الكردية وبدا صوت عريض جهوري, واضح النبرات يتميز بدقة متناهية في اظهار مخارج الالفاظ الكردية, ورغم عدم فهمنا لمعاني هذه اللغة الشقيقة الا اننا اخذنا نصغي باهتمام وصمت لنشرة الاخبار التي قدمها اول رائد ومذيع كردي... بل اول مدير لشؤونها الثقافية, والسياسية والادبية وهو كامل كاكه امين عبد الكريم(1913 - 1987))).
كان منهاج الاذاعة الكردية يعد ضمن منهاج اذاعة بغداد, وعلى الموجة العاملة نفسها التي كانت لاتتجاوز مدة بثها آنذاك بين (10-15) دقيقة، فضلا عن الناحية الادارية كان ايضاً ضمناً من أذاعة بغداد، وتؤدي المهام نفسها باللغة الكردية ولفترتين صباحي ومسائي.
تبدأ الاذاعة الكردية بثها في الساعة الثامنة مساءا بأفتتاح النشرة الأخبارية بعبارة (نيره به غدايه- هنا بغداد الأذاعة الكردية) بعد إنتهاء نشرات الأخبار باللغة العربية واقتصر في بدايتها على إعادة إذاعة ماتذيعه إذاعة بغداد وبعض الأغاني المسجلة على الاسطوانات لعدد من المطربين الأكراد وبعض الأغنيات التي كان يقدمها المطرب (علي مردان)، الذي يعد من أقدم المطربين الذين عاصروا فترة برامج الاذاعة الكردية. واستمر ذلك المنهاج على تلك الحال لمدة عام.
كان افتتاح الإذاعة الكردية حتماً يتعلق بالظروف السياسية والتغيرات التي حدثت في المنطقة بسبب الحرب العالمية الثانية، لاسيما أن الإذاعة في تلك المدة كانت وسيلة اعلامية حديثة ومهمة جداً.فقد كانت تتوجه الى الشعب الكردي أذاعات بمختلف لغاتهم المحلية الشائعة.
تكللت جهود العاملين في القسم الكردي من اذاعة بغداد، لإيصال صوت الشعب الكردي في العراق ولرفع مستوى الشعب الكردي ثقافياً وأجتماعياً، بالدعم من قبل مدير الاذاعة العراقية آنذاك السيد حسين الرحال الذي كان يرعى تشجيع خطوات تقدم الاذاعة الكردية الوليدة.
على الرغم من الظروف والمصاعب والمشاكل الخدمية لاسيما عدم توفرالكهرباء في كثير من القرى والنواحي الكردستانية، وحتى الاقضية الكبرى، حتى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، لم تصل الكهرباء الى جميع الدور الكردية، كذلك الة الراديو لم تكن متوفرة لدى كل شخص او باستطاعته شراؤها.الا ان الشعب الكردي كان تواقاً للاستماع الى تلك الاذاعة التي بدأت البث بلغتهم الام.
في تشرين الثاني 1939 أدخلت التحسينات على الاذاعة الكردية بعد أفتتاحها فقد خصصت مرسلة خاصة للاذاعة الكردية, وزيد عدد ساعات بثها فاصبحت تفتتح قبل اذاعة بغداد بساعة تقريبا وموادها كانت تضم القرآن الكريم وحديث ديني أو اجتماعي أو حديث تأريخي أو حديث تربوي كذلك الاغاني المسجلة على الاسطوانات أو نقل الحفلات مباشرة على الهواء, فضلا عن الاخبار المحلية والعالمية الداخلية والخارجية.
بسبب توسع مناهج الأذاعة الكردية وتمديد مدة البث الأذاعي للقسم الكردي بداية عام 1941، عين مترجم أخر في الاذاعة عبد القادر قزاز، ويقوم بترجمة الأخبار الخارجية من اللغة الانكليزية الى اللغة الكردية. وخلال الحرب العراقية – البريطانية عام 1941 تم دمج الأذاعتان الكردية والعربية وأقتصرتا على نشرات الأخبار الداخلية والخارجية وأغاني مسجلة فقط. الا أنه بعد فشل الحرب، أصبحت الاذاعة الكردية تبدأ البث قبل الاذاعة العربية بساعة واحدة،فضلاً عن الحفلات الغنائية المباشرة بدلا من المسجلات.
كانت الأخبار باللغة الكردية تذاع في نشرة إجمالية واحدة, في القسم الأول باللغة العربية, والقسم الثاني باللغة الكردية, غير انه ابتداءاً من الخامس عشر من تشرين الاول 1942 تقرر أن تذاع نشرة أخبار مستقلة باللغة العربية وأخرى باللغة الكردية.
اخذت محطة الاذاعة العراقية, تكتب في مناهجها ما نصه:
((اذاعة الأخبار باللغة العربية واللغة الكردية)). وسبب ذلك, ((ان الوصي عبد الاله، حين زار المنطقة الشمالية، رجا منه زعماء الاكراد ان تذاع الاخبار ايضا باللغة الكردية, لان هناك الوفا لايفهمون اللغة العربية)).
أواخر عام 1941 وبداية عام 1942 زيد عدد ساعات البث للإذاعة الكردية إلا أنه بقي ضمن المنهج العربي وضم منهاجها، حفلات المطربين وأحاديث إجتماعية، وتربوية وزراعية, ورياضية, وبرامج الاطفال, وبرامج سياسية فضلا عن الأخبار الداخلية والخارجية، فأخذ الاكراد في المناطق الشمالية بأدارة مؤشر الاذاعة وبسرعة الى الإذاعة الكردية من راديو بغداد.
أصدرت إذاعة بغداد قرارا يوم الثاني والعشرون من تموز 1944 بتخصيص وقت مستقل للاذاعةالكردية، لأن المنهاج الكردي كان يختتم برامجه بالسلام الملكي في الوقت الذي تفتتح فيه الإذاعة العراقية بث برامجها.
أخذت الاذاعة الكردية بالتطور من خلال أتصالها المباشر بالعلماء المثقفين للمساهمة في الاحاديث والبرامج، على سبيل المثال: من الناحية الدينية كانت الاحاديث ثابتة في المناهج من قبل أصحاب الفضيلة محمد القزلجي، وعبدالحميد الاتروشي،وعلاء الدين سجادي، أما من الناحية التربوية والاجتماعية، الاساتذة: ناجي عباس، وصالح سعيد، وصادق بهاء الدين، وجمال عبد القادر بابان، أما من الناحية الزراعية: مهدي محمد، ومحمد محمد سعيد، وهادي محمد، أما الناحية الصحية: الدكتور نوري فتوحي. وكانت تتخلل المناهج أركان وندوات خاصة تتعلق بالتوجيه الفني والفكاهي أسبوعياً.
كما سجلت عدة أناشيد وطنية ومونولوجات عزيز علي، اذ ترجمت الكلمات العربية كمونولوج (الدكتور) الى اللغة الكردية، ونشيد (پيره مه كرون مقدسي).
عن رسالة (توجهات الاذاعة العراقية).[1]