رستم محمد حسن
من هو سترابو: سترابون (باللاتينية : Strabo؛ باليونانية: Στράβων ؛ عاش 64 أو 63 ق.م. حتى 21 م، هو مؤرخ وجغرافي وفيلسوف إغريقي، تنحدر أسرة أسترابون من فرعين مختلفين، يونانى وآسيوى، ولكن كان استرابون يونانيا محضا في لغته وعاداته وسط عائلة غنية، مما مكنه من أن ينال قسطا وافرا من التعليم، وبعد أن أتم أسترابون مراحل التعليم الأول في البيت أرسل إلى نيسا (بالقرب من مدينة تراليس في إقليم كاريا) حيث درس النحو والأدب على يد أريستوديموس. وفى سنة 44 ق. م (وهو في العشرين من عمره) ذهب أسترابون الى روما لمتابعة دراسته العليا، وتتلمذ على أيدى تبرانيون الأميسوسى، وهو العالم النحوى والجغرافى (ولعل هذا العالم هو الذى أجاز لسترابون الاشتغال بالجغرافيا)، وكان من أساتذة استرابون كذلك كسينارخوس السليوكى في إقليم قيليقية، وهو أحد الفلاسفة المشائين، وعرف أسترابون عددا من الرواقيين أمثال بوسيدنوس وبؤيتوس الصيداوى وأثينودوروس الطرسوسى في قيليقية، حتى صار واحدا منهم.
كتاب الجغرافيا:
كتب استرابون بعد مغادرته مصر موسوعته الجغرافية بعنوان «Geographia» وجاءت في 17 كتاباً (مجلد)، خصص الكتابين الأول والثاني منها للتعريف بالأهداف والوسائل الخاصة بهذه الموسوعة، وذلك عن طريق نقد كتابات من سبقه وتصحيح خرائطهم، ولعل أشهر إنجازاته في هذا المجال تصحيحه خريطة للعالم كان قد رسمها إراتوستين 276- 194ق.م Eratosthenes ونقده معلومات الفلكي هيبارخوس Hipparchos القرن الثاني ق.م ولا سيما في مجال عدم نجاحه في وصف كوكب الأرض، ومدحه تاريخ بولوبيوس الذي تضمن في مقدمته وصفاً دقيقاً لجغرافية أوربا، كما مدح المؤرخ بوسيدونيوس الأبامي (135-51 ق.م) لمعرفته بالجغرافية الطبيعية والبشرية، وإن كان رفض نظريته حول المناطق المناخية ولا سيما فرضيته حول إمكانية سكنى البشر مناطق خط الاستواء، وصرح في مقدمة جغرافيته بأنه يكتب الجغرافية كرجال السياسة الذين يجب أن يعرفوا كل شيء عن البلاد التي يتعاملون معها. وخصص استرابون كتبه الأربعة التالية (من الثالث حتى السادس) للحديث عن جغرافية كل من إسبانية وإيطالية وبلاد الغال (فرنسة)، ومهد لهذه الكتب بالاعتراف بأنه اعتمد على مشاهدات بولوبيوس وبوسيدونيوس إضافة إلى كتابات الجغرافي الإغريقي أرتميدوروس Artemidoros (أواخر القرن الثاني ق.م)، الذي ضمن كتابه «رحلة حول العالم المأهول» وصفاً مسهباً لسواحل أقاليم كل من إسبانية وإيطالية وبلاد الغال وحجمها، ومع أن الكتاب السابع استند إلى المصادر السابقة نفسها فإنه أفرده لوصف جغرافية حوض الدانوب وسواحل البحر الأسود الأوربية فقط، في حين خصص الكتاب الثامن والتاسع لوصف جغرافية بلاد اليونان معتمداً على كل من أبولودوروس الأثيني (القرن الثاني ق.م) ودمتريوس السكبسي Demetrios of Scepsis ولد نحو 205 ق.م وأبدى فيها اهتماماً ملحوظاً بجغرافية المدن التي تحدث عنها هوميروس في إلياذته، وعاد مرة أخرى في كتبه، من الحادي عشر إلى الرابع عشر، إلى وصف سواحل البحر الأسود الآسيوية إضافة إلى بلاد القفقاس وشمالي إيران وآسيا الصغرى، ويلاحظ أن استرابون أضاف إلى ملاحظاته الخاصة اقتباسات من أعمال مؤرخين محليين أرّخوا لبعض الحروب التي جرت في تلك المنطقة، أما الكتاب الخامس عشر فقد أجمل فيه استرابون حديثاً سريعاً عن الهند وفارس معتمداً بصورة أساسية على ما خلّفه مؤرخو حملات الاسكندر (356 – 323 ق.م)، وقد أفرد كتابه السادس عشر لوصف بلاد سورية ومابين النهرين وفلسطين والبحر الأحمر، وتذكر المصادر الرومانية أن حملات كل من ماركوس أنطونيوس (83 – 30 ق.م) وأوغسطس (63 ق.م – 14م) في هذه المنطقة اعتمدت اعتماداً كاملاً على ما كتبه استرابون عنها، وميّز جغرافية مصر من غيرها (كما فعل هيرودوت من قبل) بتخصيص كتاب كامل لها ضمّنه حديثاً عن الساحل الإفريقي حتى موريتانية وهو الكتاب الأخير الذي حمل رقم (17).
أهمية كتاب سترابون :على الرغم من الفخر الذي كان يدوي في كتابات استرابون حول قيامه برحلات شملت المناطق من أرمينية في الشرق إلى توسكانة المقابلة لجزيرة سردينية غرباً ومن البحر الأسود في الشمال إلى إثيوبية جنوباً، فإن التدقيق فيما كتبه يثبت أنه زار أجزاء متفرقة محدودة من الأقاليم التي مرّ بها، وأنه اعتمد كثيراً على المرويات التي ذكرت له في أثناء زياراته، ومع هذا فقد أثبتت الدراسات الجغرافية الحديثة أن مؤلَّف استرابون الجغرافي احتوى معلومات دقيقة عن المسافات بين المدن والحدود بين الأقاليم والزراعات الرئيسة والأنشطة الصناعية والأوضاع السياسية والخواص العرقية والعقائد الدينية والحوادث الطبيعية كالزلازل ومنابع النفط وفيضانات الأنهر، إضافة إلى تواريخ المدن والدول ومنها الأساطير والخرافات والحروب ونتائجها، وبوجه عام تمثل كتابات استرابون أصدق رواية جغرافية تاريخية عن منطقة المتوسط والأقاليم المجاورة في التاريخ القديم. وفيما يلي ما كتبه سترابون عن بلاد ميديا والذي خصص لها الفصل الثالث عشر من كتابه الحادي عشر :
الكتاب الحادي عشر
الفصل الثالث عشر 1 -تنقسم ميديا إلى شطرين، دعوا الشطر الأول ميدية الكبرى، ومدينتها الرئيسة إيكباتانا، وهي مدينة كبيرة وعاصمة الدولة الميدية (ولا تزال حتى الآن عاصمة البارثيين)، وفيها يقضي ملكهم فصل الصيف في أقل تقدير، لأن ميديا بلاد باردة، ويقضون الشتاء في سلوقية دجلة الواقعة غير بعيد عن بابل) أما شطرها الثاني، فهو ميديا الأتروباتية: وقد أخذت هذه اسمها من القائد العسكري أتروبات الذي لم يسمح بأن تتحول هذه البلاد بصفتها جزءاً من ميديا الكبرى، إلى بلاد خاضعة لسلطة المقدونبين، وقد جعل أتروبات الذي أعلن ملكاً، من هذه البلاد بلاداً مستقلة فعلاً ولا تزال وراثة العرش في سلالته حتى يومنا هذا، لأن أحفاده تزاوجوا مع ملوك أرمينيا وسوريا، وبعد ذلك مع الملوك البارثيين.
2- تقع هذه البلاد إلى الشرق من أرمينيا وماتيانا، وإلى الغرب من ميديا الكبرى وإلى الشمال من البلدين كليهما، وتتاخم من الجنوب المناطق الواقعة قرب منخفض البحر الهركاني (بحر قزوين) وماتيانا، وتعدّ ميديا الأتروباتية بلاداً يحسب لها حساب من حيث القوة العسكرية، فهي قادرة أن تجند على حد قول أبوللونيدس عشرة آلاف فارس واربعين الف مقاتل من المشاة وتقع في ميديا بحيرة كابافتا (بحيرة أورمية)، حيث يحدث تبلور الأملاح وترسبها، وتثير هذه الأملاح الحكة وإحساساً بالمرض؛ وترياق هذا المرض، هو زيت الزيتون، وينقي الماء العذب الثياب الملوثة بالأملاح إذا ما غسلت فيها عن غير قصد . والحقيقة أن للأتروباتيين جيران أقوياء وجبابرة، هم الأرمن والبارثيون الذين غالباً ما يغزون البلاد وينهبونها.
لكنّ الأتروبانيين يصدون الغزو ويستعيدون الأراضي التي تنتزع منهم؛ فقد انتزعوا سيمباكا من الأرمن مثلاً، عندما بات هؤلاء تحت سيطرة الرومان؛ وعقدوا معاهدات صداقة مع قيصر؛ ولكنهم في الوقت نفسه حاولوا استرضاء البارثيين.
3- عاصمتهم الصيفية، هي مدينة غازاكا الواقعة في منطقة سهلية، وعاصمتهم الشتوية، هي القلعة الحصينة فيرا التي حاصرها أنطونيو عندما شنّ حملته على البارثيين، وتقع فيرا هذه على بعد 2400 مرحلة (المرحلة هي المسافة التي يقطعها المسافر في يوم واحد وتقدر بنحو 35 كيلومتر) عن نهر أراكس الذي يفصل بين أرمينيا واتروباتينا، كما ينقل ديللوس صديق أنطونيو الذي أرخ لحملته البارثية التي شارك هو نفسه فيها بصفته ليغاتوس، وتتميز مناطق هذه البلاد كلها بالخصوبة، ومنطقتها الشمالية جبلية قاسية وباردة وتقطن هنا القبائل الجبلية: الكادوسيون (الكاردوخ) والأمارديون، والنايري والكرتيون (قبائل كوردية معروفة في زمن اسكندر المقدوني) وسواهم من الشعوب المتنقلة التي مارست النهب واللصوصية، فهذه الشعوب مشتتة في مختلف أرجاء زاغروس ونيفات: الكورتيون والمارديون في بيرسيدا (فالمارديون يحملون مثل هذه التسمية أيضا) كما لا تزال حتى الآن تعيش في أرمينيا قبائل تحمل اسمهم نفسه، وهؤلاء كلهم متماثلون بالمظهر الخارجي.
4- يتفوق الأريانيون (قبائل كانت تعيش في ايران على الارجح) على الكادوسيين قليلاً من حيث أعداد المقاتلين المشاة؛ لكن مهارة هؤلاء الآخرين في قذف المزاريق لا يدانيها أحد؛ وفي المناطق الجبلية يقاتل هؤلاء بدلاً من الفرسان، ولكن لا علاقة للشروط الطبيعية للمكان في عرقلة حملة أنطونيو، إنما مرشده الملك الأرميني أرتافاسد الذي جعله أنطونيو مستشاره، وقائد خططه الحربية من غير أي حسابات أخرى (مع أن أرتافاسد كان، يتامر عليه)، هو الذي أفسد كل شيء. والحقيقة أن أنطونيو عاقبه، لكنه تأخر كثيراً في ذلك، إذ تبين أن الملك مسؤول عن كثير من المآسي التي حلت بالرومان، ولم يقتصر الأمر على ارتافاسد وحده، بل انضم إليه أيضاً المرشد الأخر الذي قاد أنطونيو من زيغما (قرب عينتاب) على الفرات حتى حدود تروباتينا في طريق طولها 8000 مرحلة عبر الجبال في طرقات، لا معالم لها، أي في طريق متعرج اي بضعفي الطريق المباشر.
5- بعد أن دمرت ميديا الكبرى قديماً دولة السوريين، بسطت سيطرتها على آسيا كلها، لكن كورش والفرس سلبوها فيما بعد سطوتها في عهد أستياغ، ومع ذلك حافظت إلى حد بعيد على مجد الأسلاف، لقد كانت إيكباتانا العاصمة الشتوية لملوك فارس، وللمقدونيين ايضا الذين سيطروا على سوريا بعد أن أخضعوا فارس، ولا تزال هذه المدينة حتى الآن تؤمن للملوك البارثين وسائل الاستجمام فيها والأمان نفسه.
6- في الشرق تتاخم ميديا الكبرى بارثيا وجبال الكوسيين، وهم قبيلة من قطاع الطرق كانت تجند فيما مضى 13000 من رماة السهام أثناء تحالفها مع العيلامين ضد السوسيين والبابليين، وينقل تيارخس أنه كانت توجد هنا أربع قبائل من قطاع الطرق، وكان المارديون منها يجاورون الفرس، والأوكسيون والعيلاميون، يجاورون المارديين والسوسيين، والكوسيون يجاورون الميديين. لقد أرغم هؤلاء كلهم الملوك على أن يؤدوا لهم الإتاوات، أمّا الكوسيون فقد كانوا يتلقون الهدايا عندما يكون الملك في طريق عودته إلى بابل من إيكباتانا التي قضى فصل الصيف فيها. لكنّ الإسكندر هاجمهم شتاء ووضع حداً لغدرهم وعربدتهم. إذا في الشرق تجاور ميديا الكبرى هذه القبيلة، كما تجاور الباريتاكينيين أيضاً (قبيلة جبلية من قطاع الطرق) الذين يجاورون الفرس، وفي الشمال تجاور الكادوسيين الذين يقطنون إلى الأعلى من البحر الهركاني (بحر قزوين)، إضافة إلى القبائل الأخرى التي تحدثت عنها للتو، وفي الجنوب تجاور ميديا الكبرى أبوللوفيانيديس (التي دعاها القدماء سيتا كينا)، وجبال زاغروس حيث تقع ماساباتيكا التي تتبع ميديا أو عيلام بحسب آخرين).
أخيراً ، في الشرق تجاور ميديا الأتروباتيين والأرمن جزئياً وفي ميديا مدن إغريقية أيضاً، اسسها المقدونيين وأذكر عن هذه المدن لاوديكا، وأفاميا، ومدينة تقع عند راغا، وراغا “نفسها اسسها سلوقس ليكاتوي، وقد دعاها هذا الأخير يوروبوس، أما البارثيون فقد دعوها أرساكيا، وبحسب أبوللودوروس الأرتميتي، إن هذه المدينة تقع على بعد يقارب 500 مرحلة إلى الجنوب من البوابات القزوينية.
7- إن الشطر الأكبر من ميديا جبال شاهقة، وهي بلاد باردة، ومن هذه الجبال تلك التي تعلو فوق إيكباتانا، وتلك الواقعة عند راغا والبوابات القزوينية والمناطق الشمالية على وجه العموم، من هنا حتى ماتيانا وأرمينيا، أما المنطقة الواقعة إلى الأسفل من البوابات القزوينية، المنطقة الواقعة في الوهاد والمنخفضات، فإنها على الضدّ، شديدة الخصوبة وتنتج شتى أنواع الغلال، ما عدا الزيتون. وإذا كان شجر الزيتون ينمو هنا وهناك، فإن ثمره جافة ولا تعطي أي زيت. وهذه البلاد مثلها مثل أرمينيا، غنية بالخيل، غنى لا مثيل له، وثمة مرج هنا يحمل اسم «الوفير الخيل» يعبره المتجهون من بيرسيدا وبابل إلى البوابات القزوينية، ويقولون إنه في الأزمنة الفارسية كانت ترعي في هذا المرج 50000 مهرة. لقد كانت تلك هي القطعان الملكية. وفيما يتعلق بالجياد النيسية التي كان يستخدمه الملوك بصفتها الجياد الأفضل والاكبر، فإن بعضهم يزعم أنها محلية المنشا، ويزعم آخرون أنها من أرمينيا، ومثلها مثل الجياد البارثية تتميّز هذه مميزة فريدة مقارنة بالجياد الهلادية وسواها من جياد بلادنا الأخرى، ونحن نعطي الأعشاب التي تعدّ أفضل علف للجياد، تسمية خاصة هي الأعشابه “الميدية”، لأنها تنمو هناك بكميات كبيرة. كما تنتج الأرض الميدية نبات السلفيوم، ومن هناك يؤتي بما يدعي العصير الميدي، الذي لا يرقى أبداً إلى مستوى القوريني، لكنه يتفوق عليه أحياناً اخرى، اما بفضل الشروط المحلية، أو بسبب تنوع النبات، أو بسبب سعي جامعيه وصانعي عصيره، الذين ينجحون في جعل العصير يحفظ لزمن طويل لكي يستخدم فيما بعد.
8- هذا هو طابع البلاد، أما فيما يخص الحجم فإن طولها وعرضها متساويان تقريباً، وأقصى عرضها تبلغه ميديا في المدى الممتد من معابر زاغروس التي تدعى “البوابات الميدية” حتى البوابات القزوينية عبر سيغريانا تبلغ 4100 مرحلة ، ويتوافق حجم البلاد وجبروتها مع المعطيات عن أحجام الإتاوات التي تجبى منها، لقد كانت قبدوقيا تجمع للفرس سنوياً (ما عدا الضرائب النقدية، (1500 فرس، و 2000 بغل، و 50000 راس غنم)، بينما كان الميدييون يؤدون لهم ضعف هذه الإتاوة تقريبا.
9- أكثر عادات الميدين هي عينها التي عند الأرمن، والسبب في هذا هو تشابه بلديهما، ولكن يقال، إن الميديين هم أباء العادات الأرمينية، وقبل الفرس ساد ملوكهم وأحفادهم في آسيا، فيما الآن يدعونها “الستولا” الفارسية، على سبيل المثال، ومثلها شغفهم برمي السهام، وركوب الخيل، وخدمة الملوك والزي الذي يرتديه ملوكهم، وتبجيل المواطنين لملوكهم تبجيلاً إلهياً، هذا جاءهم من الميديين، ويتضح صحة هذا القول أكثر ما تتضح على مثال ملابسهم: التيارا والكيتارا. وقبعة اللباد، والقفطان ذو الكمين، والسروال، فهذه الملابس تلائم الطقس البارد الذي يسود في البلاد الشمالية، كما في حال البلدان الميدية، لكنها لا تلائم الأقاليم الجنوبية قط وأكتر مستوطنات الفرس كانت تتوضع على البحر الأحمر، إلى الجنوب من بلاد البابليين والسوسيين، وبعد أن وضع الفرس حدا للدولة الميدية، ألحقوا بعض المناطق المجاورة لميديا بأملاكهم، ولكن المنتصرين رأوا أن عادات الشعب الذي هزموه، تستحق كل الاحترام وتلائم الفخامة الملكية، فقرروا أن يرتدوا الملابس النسائية ويتدثروا بالمعاطف، بدل أن يتجولوا شبه عراة أو في ملابس خفيفة.
10- بحسب بعضهم أن ميديا هي التي كرست ارتداء هذه الملابس عندما كانت تحكم هذه البلاد مع ياسون (احد ابطال الاساطير الاغريقية)، ويقال، إن ميديا كانت تغطي وجهها أيضاً حينما كانت تخرج إلى الناس بدلاً من الملك، وشواهد ياسون تستخدم معابد على شرف البطل ياسون، وهي تحظى باحترام كبير لدى البرابرة (وفوق البوابات القزوينية، على الجهة اليمنى، يرتفع جبل كبير يدعى ياسونيوس) وقد تمثلت ذكرى ميديا في الأزياء واسم البلاد، ويزعمون أن ابنها ميدس ورث سلطتها وترك اسمه لتحمله البلاد. ويتوافق مع هذا الخبر، وجود معابر ياسون في أرمينيا، واسم البلاد، وأشياء أخرى كثيرة سأتحدّث عنها في حينه.
11- اختيار الشخص الأكثر شجاعة وبسالة لكي يكون ملكاً، هي عادة ميدية أيضاً، لكنّ هذه العادة ليست ديدناً للميديين كلهم، بل لميديي الجبال فقط، أمّا العادة الأكثر شيوعاً عند الميديين كلهم، فهي عادة تعدد الزوجات لدى ملوكهم. وعند ميديي الجبال تنسحب هذه العادة على الرجال كلهم، إذ لا يسمح لأي رجل هناك أن يكون لديه أقل من خمس زوجات، ويقولون، إن النساء أيضاً يتفاخرن بكثرة عدد الأزواج لديهن، ويرون في المرأة امرأة تاعسة سيّئة الحظ إذا كان لديها أقل من “خمسة أزواج!!”. ومع أن الباقي من ميديا شديد الخصوبة، إلا أن شطرها الشمالي الجبلي فقير مدقع، فسكانها يقتاتون بثمار الشجر، ويخبزون من التفاح المجفف المجروش؛ ويصنعون الخبز من اللوز المشوي؛ ويعتصرون نبيذاً من بعض الجذور، ويستخدمون لحوم الوحوش في غذائهم، لكنهم لا يربون الحيوانات المنزلية. إن هذه هي معلوماتي عن الميديين، أمّا فيما يخص العادات الميدية المشتركة، فإنها متماثلة مع العادات الفارسية نتيجة الاستيلاء الفرس على البلاد، وأنا سأتحدث عنها لدى حديثي عن الفرس .
============
*في الكلمات بين القوسين بحثت عن معناها وكتبتهم بين القوسين: مثل البحر الهركاني يعني بحر قزوين، بحيرة كابافتا تعني بحيرة اورمية، المرحلة تقدر بمسير يوم واحد تقريبا 35 كم واسماء القبائل[1]