أحلام بناوي
=KTML_Bold=الكتاب الكورد كتبوا بالعربية في حين هجرها الجيل الجديد=KTML_End=
اغتنت المكتبة العربية على مر عقود بنتاجات الكتاب الكورد الذين كتبوا باللغة العربية، وسبروا أغوارها، وخبروا الثقافة العربية فحاوروها بلغتها، وأضافوا إليها نتاجا انسانيا ثقافيا يشار إليه بالبنان، من ابن الأثير إلى ابن خلكان وغيرهم الكثير وانتهاء بالكتاب والأدباء المعاصرين.
ولكن نلاحظ اليوم تراجعا قد يصل إلى مرحلة الانقراض في معرفة اللغة العربية عند الجيل الكوردي الجديد، وكأنها ردة فعل قومية على ما كان سائدا زمن صدام حسين
حيث تقتصر الآن الترجمة أو التأليف باللغة العربية على الرعيل الأول الذي عاصر حكم صدام حسين في مرحلة ما.
مع العلم أن هذا الأمر فيه من السلبيات والأضرار الكثير، فإذا أغفلوا جانب التاريخ المشترك للمنطقة ككل والتي يشكل العرب جزءا مؤئرا فيها، وأغفلوا الروابط المشتركة الكثيرة بين الكرد والعرب التي أهمها الرابط الديني والجغرافي والتاريخي والحضاري، فليكن على الأقل على قاعدة (من عرف لغة قوم أمن شرهم).
وبالاطلاع على معرض أربيل الدولي للكتاب نجد أنه كانت هناك دور نشر عربية متواجدة وبكثرة، وربما كان هذا تقليدا قديما مازال الكورد يسيرون عليه، لكنك تجد القارئ العربي يذهب إلى أقسام ودور النشر العربية، بينما يذهب القارئ الكوردي إلى دور النشر الكوردية وهكذا، في حين من المفترض أن وظيفة المعارض الانفتاح الثقافي على الآخر.
ولكن ما جدوى كثرة الكتب العربية إذا كان الجيل الجديد لا يجيد اللغة العربية على الإطلاق، وحتى الإعلام الكوردي يغفل هذا الجانب إلى حد ما.
مع أن وظيفة الإعلام لا تقتصر على توجيه الرأي العام الداخلي أو نقل الحدث إلى أصحابه وانتهى الأمر، بل إن من أبرز وظائفه توجيه الرأي العام الخارجي والتأثير فيه والوصول إليه، وذلك يكون بطرق مختلفة مفتاحها جميعها هو اللغة، بدءا بالأدب والثقافة، وهي العامل المؤثر الأكبر، وانتهاء بالإعلام.
وفي الوقت الذي تحيط الدول العربية بالكورد وبحياتهم اليومية قد لا تجد في المدارس الكوردية كلها شابا يجيد العربية ولو بالحد الأدنى، في حين تعقد ندوات ومؤتمرات حول رأي الشارع العربي بما يطرحه الكورد، فأي رأي هذا الذي سيكون له وهو لا يفهم لغتكم أصلا؟.
إضافة إلى ان حركة الترجمة من الكوردية الى العربية مازالت خجولة قياسا بغيرها من اللغات والعكس صحيح.
ومع ذلك فقد كان هناك جهود متفرقة في هذا المجال أمثال جان دوست الشاعر والقاص الروائي والمترجم الذي ترجم وكتب الكثير بالعربية مثل (نواقيس روما، عشيق المترجم، رماد النجوم..وغيرها)
والشاعر والقاص حسن سليفاني الذي ترجم إلى جانب تأليفاته العديد من القصص والقصائد من اللغة الكوردية إلى العربية بأسلوب سلس رشيق ومتقن، والذي صدر له مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان (بلون البحر ستكون)، ومجموعة أخرى عبارة عن قصائد مترجمة بعنوان (قصائد من كردستان).
والإعلامي الأديب الشاعر أحمد الزاويتي الذي صدر له باللغة العربية وحدها أكثر من ثمانية كتب تناولت موضوعات شتى
وكذلك الشاعر بلند الحيدري والشاعر جميل صدقي الزهاوي، والشاعر نالي، وغيرهم الكثير.
لكن عدم الاهتمام الجاد والمنظم بالترجمة سيحرم الكورد من التأثير والتأثر بالشعوب المحيطة بهم جغرافيا على امتداد مساحة واسعة.
وأنا لا أتفق مع الكاتب دلدار هلمز حين اعتبر الهوية والانتماء إشكالية تعيق تصنيف نتاج الكتاب الكورد الذين كتبوا بالعربية ضمن الأدب الكوردي، وعلق تعقيبا على استشهاده بنتاج الكاتب (سليم بركات) وأمثاله قائلا: ولكن في نهاية المطاف لا ينجو هؤلاء الشعراء من قلق الهوية وتذبذب الانتماء: هم كورد من حيث العرق والهوية القومية لكنهم يكتبون باللغة العربية، وهذه الثنائية كثيرا ما تواجه بحالة من الرفض المجتمعي خاصة من قبل العاملين في الحقل الادبي الكوردي باللغة الكوردية.
هذا الكلام إجحاف بحق الأدب والأديب، فالأدب ملك للإنسانية جمعاء كائنا ما كان موضوعه أو لغته لا ينبغي أن تحجبه هويته عن بقية الآداب، أو أن تحجب اللغة المكتوب بها، صاحبها عن انتمائه الأصلي لمجرد أنه كتب بلغة أخرى أو تأثر بمجتمع آخر، بل إن التأثر والتأثير بالآخر هي الوظيفة الأساسية للأدب والثقافة.
الأدب الكوردي أوسع مما هو معروف عنه بشكل عام، والسبب في ذلك هو ضعف حركة الترجمة والتأليف بلغات أخرى، وخاصة العربية، فكيف لنا أن نتعرف على ملا جزيري، وفقي طيرا، وأحمدي خاني، ومحمود بايزيدي، وأحمد حسن جاوش وشرف خان وغيرهم، ما لم تترجم أعمالهم إلى مختلف اللغات الأخرى.
وبالمقابل فإن هناك تقصيرا عربيا أيضا قد يصل إلى مرحلة انعدام الحضور في موضوع الترجمة من العربية للكوردية، ما جعل كلا الشعبين رغم تاريخهم الطويل مع بعضهم البعض إلا أنهم يجهلون تاريخ وآداب بعضهم البعض، وكأن كل منهما بمعزل عن الآخر.[1]