يتداول التركمان في العراق نوعا من الاشعار الشعبية المدونة – وان جرت اخيرا محاولات لجمعها – لايعرف قائلوها، وقد تناقلوها جيلا عن جيل منذ قرون، وهي على الاغلب بشكل رباعيات جناسية موزونة يسمونها خوريات او قوريات.
وقد اختلف الكتاب في مصدر لفظة #الخوريات# ، ويعتقد بانها ولدت في اسيا الوسطى، مهد التركمان – وحملتها القبائل التركمانية الرحالة في هجراتها المتعاقبة حتى وصلت الينا، وقد انتشرت هذه الاغاني الشعبية في جميع الاقاليم التركية، فنجد لها امثلة بارزة في اداب تركيا واذربايجان والعراق واقاليم وسط اسيا التركمانية.
اما عن منشأ لفظة الخوريات، فيعتقد بانها ماخوذة من كلمة (قور) الاويغورية التركية او (خور) في سائر اللجهات التركمانية. ولا زالت القوافل التركمانية من التتار والبشكيريين والتركمان والقوغيزيين يترنمون بنوع خاص من الاغاني الشعبية على شكل رباعيات يسمونها خور.
اما من ناحية الشكل فانها تنتظم في رباعيات موزونة، وقد تكون بشكل مقاطع شعرية مع تكرار الشطر الرابع من الرباعية والذي يكون بمثابة اللازمة لهذه القطعة الشعرية. ويتألف الشطر الاول للرباعية – غادة من كلمتين مدغمتين تؤديان معنى جناسيا متكاملا، وقد تكونان مضافا ومضافا اليه وهذا الشطر بمثابة القافية للرباعية. ويشتمل ضمون الخوريات على جميع نواحي النشاط الاجتماعي الانساني، ويكاد يكون سجلا حافلا للفروسية والحب والنوادر والالغاز والحكميات والعادات والتقاليد والبكائيات وحتى الفلسفة، والسمة المميزة لهذه الرباعيات انها تعبر عن حب الحياة بروح من المرح والتفاؤل وان خالطها شيء من الكآبة والحزن وما ذلك الا مظهر من مظاهر الحيوية والحرارة الشعورية والثورة على الجمود والموت.. ونزوع للحياة .
والشاعر الشعبي التركمان لا يشير الى مشاكله صراحة وانما بشيء من التلميح دون التصريح فهو يشكو الزمان الذين اعطى الجوز للذي بلا اسنان او الذي جعل النذل اللئيم يعتدى على الفاضل المستقيم وهذا التلميح ما هو الا نقد موجه للاوضاع غير السليمة – السائدة في تلك العصور – التي يشكو منها الشاعر ، لذلك فقد احتمى وراء اساليب الجناس للتخلص من بطش ذوي السلطان والتأثير على السامع لكي يعطف على المبتلين والجرحى – مجازا – والبائسين.
وان الجراح والدواء والعادل والرقيب والحبيب والنذل لها مدلولات خاصة في الخوريات التركمانية. فالجراح كناية عن المصائب والمصاعب والالام. والدواء هو الانتصار على هذه المصائب والسيادة على الزمان اما العادل والنذل والرقيب فهي القوة التي تقف بالمرصاد دون حصول الشاعر على بغيته، اما الحبيب فهي الامور التي يتمنى الان تتحقق له وبالتخلص من الالام والراحة والاطمئنان.
ورغم ان جميع هذه الرباعيات لها طابعها الفردي، الا انها تعبر عن روح الجماعة الذين يشاركون الشاعر في البلوى. وتشتمل فكرة الالم في الخوريات على عنصرين: عنصر القوة التي تتمرد على الزمان وتكابر الالم نفسه، وعنصر الضعف الذي يتمثل في الامل الغامض في ان تحل المشاكل نفسها بنفسها، وانتظار العون والانقاذ من خارج كيانه..
ويدخل قسم كبير من الخوريات في صلب الاغاني الشعبية التركمانية، ولا يزال الشعراء ينسجون على نفس المنوال في نظم رباعيات بديعة ذات مضامين متطورة جديدة.
وتغنى هذه الرباعيات بنوع خاص من المقامات التي لها انغامها المنتظمة، ويمكننا القول بان هذه الالحان تختص بالخوريات التركمانية في العراق فقط، ومما هو جدير بالملاحظة انها موسيقى تركمانية قد ولدت في كركوك نتيجة لحاجة المغنين اليها، بحيث اصبح لها مقاماتها التي تميزها عن موسيقى تركيا واذربايجان، وما زالت كركوك تحتفظ بالمقامات الخاصة بها والتي لا يعرف مثيلها في مكان آخر ويوجد ما يقارب العشرين مقاما للخوريات منها: مخالف بشيري، كسوك، يتيمي، موجيلا، كوردو وغيرها. ومعظم هذه المقامات مستخرجة من المقامات العراقية الشهيرة، فقد استخرج مقام المخالف من السيكاة وبشيري من الرست ومال الله من الحجاز واحمد دايي من الجاركاه كما ان ثمة مقامات للخوريات قد استخرجت من المقامات التركمانية الاخرى. فمثلا ان مقام مطري مستخرج من مقام عمر كله وثمة مقامات تنسب الى قرراء الخوريات الشهيرين امثال موجيلا ومجاو وغيرها.
وقد بدأ اهتمام المعنيين بالادب بجمع هذا التراث الشعبي، وتدوينه، خلال القرن التاسع عشر، وكانت اولى المحاولات تلك التي قام بها الشاعر التركماني سيد عرفي حين جمع مجموع كبيرة من الخوريات وذلك في ربيع الآخر سنة 1268 ﮪ اما عن طبع ونشر هذه الاغاني، فقد بدأ في منتصف القرن العشرين في سنة (1950) بالذات. عندما طبع محمد حبيب قسما منها باسم الخوريات والاغاني الشعبية الكركوكية وتلى ذلك محاولات تلك التي قام بجمعها وطبعها الكاتب التركماني المرحوم ملا صابر في ثلاثة اجزاء باسم منتخبات من خوريات كركوك. وتعتبر مجموعة الاستاذ عطا ترزي باشي اول دراسة موضوعية قيمة للخوريات، جمع فيها ما يربو على الفي رباعية نشرها في ثلاثة اجزاء باسم الخوريات والاغاني الشعبية في كركوك اشتمل الجزء الاول منها – سنة 1955 م – على المقدمة بينما تضمن الجزآن الاخران الرباعيات المذكورة.
واليكم قسما من الخوريات التركمانية المترجمة.
بغداد
اني احب بغداد
انى للبلبل ان ينسى
لذة الروض وهيام الورد؟
*** انه يعدل مئة بدر
نعم.. ان جمالك يعدل مئة بدر
رب شهر لا يعدل يوما واحدا
ورب يوم يعدل مئة بدر
***
ايها البائس.. لم الشكاه
انها الايام .. سوف تمضي
فان الذي سد الابواب
سوف يفتحها يوما.. ما
***
ثمة عين
نعم .. هناك الكحل وهناك العين
فثمة عيون تزار
وهناك اخرى .. لا تستحق غير العمى
انا جريح .. فلا تقسو علي
لا تقسو علي
لقط طعنني النذل اللئيم
فان كنت كريما.. فلا تقسو علي
مجلة العراق الجديد 1961.[1]