=KTML_Bold=في محبّة الكرد=KTML_End=
رشا عمران
كان اسمه حي الأكراد في الوعي الدمشقي، وإداريا يسمّى حي ركن الدين، وهو الذي عاش فيه معظم أكراد دمشق والأكراد القادمين من الجزيرة السورية، أو روج آفا كما يحب الأكراد تسميتها! منطقة ركن الدين كبيرة، نسبيا، وضمّت، إلى الأكراد، سوريين آخرين من كل المحافظات. قسم من الحي كان منطقة راقية ومحافظة، على الطريقة الدمشقية، حتى بأكراده، فالأكراد الدمشقيون ستكتشف، بعد مدة، أنهم، في أغلبهم، يختلفون عن الأكراد القادمين من خارج دمشق. هم دمشقيون بالمولد والثقافة والهوية، ويتصرّفون على هذا الأساس، في عاداتهم وسلوكهم اليومي، يتحدّثون العربية بطلاقة، ولهم حصصهم في التوزيع الإداري والسياسي والديني، إذ كانت المحاصصة السياسية قائمةً منذ زمن الأسد الأب، من دون أن تبدو علنية. جزء من هؤلاء كان يمكن القول إنه جزء من البورجوازية التجارية الدمشقية، حتى في علاقتهم مع النظام الحاكم، لم يكونوا يختلفون عن علاقة كثيرين من تجار دمشق به.
ثمّة مناطق أخرى في حي ركن الدين، صعودا باتجاه الجبل، كانت مناطق كردية بالكامل تقريبا (طلعة كيكية وحارة الوانلي)، يمكن تسميتها المناطق الشعبية للأكراد، البيوت صغيرة ومتلاصقة، ككل الأحياء الشعبية في دمشق (سيما طلعة كيكية). والجيران يبدو كأنهم يسكنون معا، لفرط تلاصق البيوت، وهو ما ينتج بيئةً أكثر انفتاحا اجتماعيا من الأحياء المدينية الراقية التي غالبا ما تسكنها عائلات الطبقات الوسطى، ذات الدخل المرتفع، بقيمها المحافظة والتقليدية نسبيا، بينما تحتفظ الأحياء الشعبية بمساحةٍ من التسامح في العلاقات الاجتماعية، حيث الشارع ملعبٌ للأولاد والبنات معا، فيكبُرون من دون عقد جندرية، أو خوفٍ من الجنس الآخر. كان القسم الجبلي من حي الأكراد يملك تلك المساحة من الانفتاح، ولهذا أيضا ظهرت فيه تنوعاتٌ سياسيةٌ لدى شباب الحي، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وقد تجلّى ذلك كله مع الثورة السورية في عام 2011، حيث كان حي الأكراد، مثل ريف دمشق، من الأحياء الأولى الثائرة. نظّم شبابه مظاهراتٍ عديدة، استقطبت ناشطين من كل مكان، وتمّت محاصرته واستهدافه بالقنّاصات، وقدّم خيرة من شبابه شهداء الحرية، واعتُقل آخرون (سيما من اليسار الثوري)، واختفوا في معتقلات الأسد، وتم تبليغ عوائلهم عن استشهادهم تحت التعذيب.
شكلت الثورة بالنسبة للأكراد امتدادا لانتفاضتهم عام 2004، ولعموم نضالهم ضد النظام الذي حرمهم حقوقهم المدنية. لهذا كانت مناطق الأكراد، في كل سورية، من المناطق السباقة لمؤزارة درعا التي أطلقت شرارة الثورة. وكان شباب الكرد في مقدّمة طلاب الجامعات السورية التي خرجت مؤيدة للثورة، سيما في دمشق وحلب. وعلى الرغم من محاولات النظام السوري التقرّب من الأكراد في 2011 و2012، لكن ذلك لم يطفئ جذوة الحرية المشتعلة والتواقة للانطلاق لدى الكرد الذين حوصروا بين عدة عنصرياتٍ، أطبقت على مناطقهم في الشمال السوري، قومية عربية، وأخرى قومية تركية كولونيالية، وثالثة فاشية دينية، تمثلت في تنظيم داعش وكتائب إسلامية راديكالية أخرى تعتبر انفتاح الكرد من أنواع الكفر الذي يجب القضاء عليه، ما جعل حلم استقلال روج آفا يصبح أكثر إلحاحا وتوهجا، مترافقا مع تصاعد عنصريةٍ كرديةٍ وفاشيةٍ مقابلةٍ لدى الكتائب الكردية المسلحة، على اختلاف تسمياتها، في أثناء محاولة السير على خطى كردستان العراق الذي شكل تجربةً، يقال إنها ناجحة، في الحكم الذاتي. والواضح أن أمرا كهذا لن يتم السماح به دوليا، وسيتحالف أعداء السنوات السابقة للقضاء على حلم الاستقلال الذاتي للكرد.
وبغض النظر عن الآراء الرافضة مناطق حكم ذاتي في سورية للأكراد أو لغيرهم، من الجميل أن يحلم أحدُنا بمنطقة سورية ترتدي بناتها الثياب الملوّنة، وحقوقهن مصانة ومقدّرة من الجميع، وتسمع فيها الموسيقى الجميلة التي يرقص على أنغامها الرجال والنساء معا، بينما تفتح نوافذ بيوت المنطقة وأبوابها لاستقبال ضحكات الآخرين وغنائهم وسماعهما، أما السلاح فيدفن مع ملابس القتال في مقابر بعيدة.. سوف يكون الكرد، لو انتهت الحروب وشعاراتها الكبيرة الصارخة، الأجمل بين شعوب المنطقة وأقاليمها، فهم الأكثر انفتاحا والأكثر حبّا للفنون، عدد التشكيليين والشعراء والكتاب والموسيقيين والراقصين بينهم كبيرٌ. ألا يكفي هذا لينحاز أحدُنا لهم ولأحلامهم، من دون حساباتٍ عقائديةٍ أخرى؟[1]