الدكتور عادل عامر
تأتي هذه التحليلات والتي تسري في السنوات الأخير على نطاق واسع بين الكتاب والمهتمين العرب بالشأن التركي إلى جانب شريحة أقل من الشارع التركي تقول إن الاتفاقية تنتهي بعد 100عام على توقيعها ما يعني انتهائها في الرابع والعشرين من يوليو عام 2023.
ويحاول الكثير من أصحاب هذه النظرية التأكيد على صحة رؤيتهم كون هذا التاريخ هو نفسه الذي أعلنه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتحقيق نقلة تاريخية في مكانة تركيا بكافة المجلات وجعل الاقتصاد التركي من بين أقوى 10اقتصادات في العالم، وهو ما بات يطلق عليه رؤية تركيا 2023.
نظرية انتهاء #اتفاقية لوزان# عقب 100عام على توقيعها والمتداولة بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يوجد لها أي أساس علمي أو قانوني أو حتى تصريحات رسمية تدعمها، ولم يسبق أن تحدث أي مسؤول تركي رسمي عن أن الاتفاقية سوف تنتهي عام 2023. وفي نص الاتفاقية المنشور على شبكة الإنترنت،
لا يوجد أي بند يتحدث عن وجود تاريخ لانتهاء الاتفاقية ولا إمكانية حصول تغيير عليها بعد 100عام أو فترة زمنية أخرى، كما لا يتضمن نص اتفاقيتي «لوزان» و«مونتيرو» أي بند ينص على منع تركيا من استخراج النفط، وعلى الرغم من حديث بعض الجهات عن وجود ملاحق سرية بالاتفاقية تتضمن هذه البنود إلا أن خبراء قانونيون استبعدوا ذلك.
وعملياً، وضع اردوغان2023 تاريخاً رمزياً له لتحقيق إنجازات للدولة التركية استناداً إلى أن هذا التاريخ يصادف حلول الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك والذي تم في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 2023 أي بعد 4 أشهر فقط من توقيع اتفاقية لوزان التي رسمت حدود الجمهورية على أنقاض الدولة العثمانية.
وإلى جانب أهداف عام 2023المرتبطة بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية، وضع اردوغان أيضاً أهدافاً لعام 2053الذي يصادف الذكرى ال 600لفتح مدينة إسطنبول، وأهداف لعام 2071الذي يصادف الألفية الأولى لانتصار المسلمين في معركة «ملاذكرد».
وفيما يتعلق بأن الاتفاقية تمنع تركيا من استخراج النفط والموارد الطبيعية حتى عام 2023، لم يسبق أن دعم أي مسؤول تركي هذا الطرح، ويقول خبراء أتراك إن ما يمنع الحكومة التركية من العمل على محاولة استخراج النفط هو سببان أساسيان أن البلاد ليست غنية كثيراً بالنفط، وأن الاقتصاد التركي لا يتحمل في الوقت الحالي تكاليف البحث ومحاولة استخراج النفط الباهظة جداً. وما ينسف هذا الطرح أيضاَ، أن تركيا كثفت مساعيها في السنوات الماضية من أجل العمل على التنقيب عن النفط في الأراضي التركية وعن الغاز الطبيعي في سواحلها، دون أن تصل إلى اكتشافات كبيرة حتى الآن.
في السياق نفسه يقول أصحاب النظرية السابقة، إن انتهاء الاتفاقية في عام 2023سوف يشمل انتهاء العمل بالنظام الحالي بالمضائق في تركيا، لا سيما مضيف البوسفور الاستراتيجي الذي يربط البحر المتوسط بالبحر الأسود ويعتبر أبرز الممرات المائية في العالم، وبالتالي سوف تتمكن تركيا من فرض رسوم مالية عالية على مرور السفن من المضيق كون الاتفاقية تمنع تركيا من التحكم فيها أو تحصيل رسوم مرور وتكتفي بتحصيل رسوم تنظيم عملية المرور وهي مبالغ مالية رمزية لا تشكل أي إضافة لخزينة الدولة.
ويمكن الرد على هذا الطرح من جانبين أساسين، وهما أولا، أن الممرات المائية تحكمها بشكل مباشر «اتفاقية مونتيرو» التي وقعت عام 1937عقب مفاوضات استمرت ل 13عاماً بعد توقيع اتفاقية «لوزان»، ولا يوجد بها أي تاريخ انتهاء.
ثانياً، يتعارض ذلك مع مساعي الرئيس التركي لوضع حجر الأساس هذا العام لمشروع شق «قناة إسطنبول» وهي قناة مائية على غرار مضيق البوسفور تهدف إلى تقليل الضغط عن المضيق وجني عائدات مالية عالية، ويقول مراقبون إنه لو كان هناك تاريخ لانتهاء العمل باتفاقية لوزان أو مونتيرو لما توجه اردوغان لهذا المشروع الذي سوف يكلف الدولة عشرات المليارات.
وفي حديث خاص غير موجه للإعلام قال مسؤولون أتراك إنه لا يوجد أي تاريخ لانتهاء الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقيتي «روزان» ومونتيرو» وإن رؤية اردوغان تقوم على تعزيز مكانة تركيا وقوتها واستقلاليتها من حيث القوة الدفاعية والاقتصادية والسياسية، معتبراً أن هي الخطوة الأولى على طريق التحرر من الاتفاقيات الدولية، قائلاً: «الدولة القوية يمكن أن تلغي الاتفاقيات من جانب واحد، وعندما تصل تركيا إلى هذه المرحلة ربنا تلجأ إلى القيام بذلك». وانتقد اردوغان في الكثير من المناسبات اتفاقية لوزان التي اعتبر أنها ظالمة ومجحفة بحق تركيا لا سيما فيما يتعلق بالجزر اليونانية، وهو ما أثار مخاوف يونانية وغربية بشكل عام من توجهات الرئيس التركي المستقبلية.
الملاحظ من خلال تتبع الشأن التركي مؤخرا قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وبعدها كثرة ترديد الرئيس رجب طيب أردوغان لعبارة عام 2023 وهو ما يعني أن الرئيس أردوغان مستبشر كثيرا بهذا التاريخ فماذا يعني عام 2023 بالنسبة لتركيا؟
للإجابة على هذا السؤال يقتضي منا الأمر الرجوع إلى الوراء قليلا والتنقيب في التاريخ، فقبل قرن من الزمن تقريبا شهدت الأمة الإسلامية حدثا مأساويا فظيعا لا ينسى وهو سقوط الإمبراطورية العثمانية التي دام حكمها لما يقرب 600 سنة. حيث أنه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى تم توقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 بين كل من تركيا من جهة ودول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من جهة ثانية
والتي بموجبها -معاهدة لوزان-لم يعد هناك شيء اسمه الإمبراطورية العثمانية وبالمقابل حلت مكانها الجمهورية التركية القومية العلمانية وهذا كله تم من قبل مؤسس دولة تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
– تنازل تركيا عن حقوقها في كل من السودان ومصر وتخليها عن سيادتها على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام بعدما كانت هذه الدول تحت سيادة الإمبراطورية العثمانية.
– ترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية.
– اعتبار مضيق البوسفور ممرا مائيا دوليا ولا يحق لتركيا تحصيل أية رسوم.
تركيا أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى ولها أعداء كثر، وهذا طبيعي بالنظر إلى التقدم الهائل الذي تحرزه عاما بعد عام وفي شتى المجالات
والناظر في هذه النتائج المترتبة عن توقيع معاهدة لوزان يستنتج أن مصطفى كمال أتاتورك قد هدم جهود سلاطين الدولة العثمانية طوال قرون قيام هذه الإمبراطورية العظيمة التي خضع لها الشرق والغرب بجرة قلم، ولكن مع كل ما قام به أتاتورك إلا أن هيبته لم تسقط داخل تركيا إلى يومنا ولعل ذلك كله راجع لما كان يتمتع به هذا الأخير من كاريزمية داخل تركيا وخارجها وخير دليل هو تسميته بأبي الأتراك.
ومن خلال ما أسلفنا الكلام بشأنه من النتائج الوخيمة والمجحفة التي رتبتها معاهدة لوزان التي لا تزال تركيا مقيدة بها حتى انتهاء 100 سنة على توقيع هذه المعاهدة نفهم ما الداعي إلى ترديد أردوغان لعبارة عام 2023 بكثرة، لأن حلول هذا التاريخ هو أكثر من يوم عيد بالنسبة لدولة تركيا ففي هذا التاريخ ستتخلص من قيود هذه معاهدة، وكما توعد الرئيس رجب طيب أردوغان دول أوروبا والعالم بأنه بحلول 2023 ستولد دولة تركيا من جديد، لكن هل ستكون هذه الولادة عادية وخالية من أية مشاكل؟
لا نعتقد ذلك، لأن لكل ولادة مخاض ولا بد لولادة دولة تركيا الجديدة التي ستخلف الإمبراطورية العثمانية المنهارة ولو نسبيا من مخاض وصعوبات ومشاكل، ويشهد التاريخ أنه لم تتأسس دولة قوية ومهيمنة بين ليلة وضحاها وبدون مشاكل وصعوبات، وهذه سنة الله في الأرض فقبل تأسيس دولة الإسلام وبنائها ضحى الصحابة بكل غال ونفيس واستشهد منهم من استشهد والكثير منهم ماتوا ولم يشهدوا ميلاد الدولة.
والرئيس رجب طيب أردوغان يعلم جيدا أن الطريق إلى بناء دولة مسلمة وقوية في شتى الميادين كتركيا لن يكون مفروشا بالورود، لكنه متأكد من تحقيق أهدافه ولذلك يقول: (من صبر ظفر)، لأنه بدون صبر لن يتحقق أي شيء، وكيف لا والله سبحانه يحث على الصبر في عدد من الآيات في كتابه ويتوعد عباده الصابرين بالبشرى والنصر والتمكين.
ولقد كانت تركيا ولا تزال تواجه المتاعب والتحديات في طريقها نحو النهوض من جديد، ومن هذه التحديات الانقلابات الفاشلة التي واجهتها والتي كان آخرها هو انقلاب 15 يوليو 2016 الفاشل والذي كاد أن يودي بنظام الرئيس أردوغان لولا فطنة الرجل وذكاؤه في آخر لحظة حيث دعا شعبه للنزول للشوارع عن طريق الفيس تايم.
وبالإضافة إلى التهديدات الخارجية والداخلية التي من بينها تهديد الإرهاب باعتبار الموقع الجغرافي الحساس لتركيا بتواجدها بين كل من العراق وسوريا وإيران والتي تعتبر من بؤر التوتر، ونذكر على سبيل المثال تنظيم (بي كا كا) المتطرف الذي يهدد الأمن القومي لتركيا. ولا ننسى أيضا ما واجه تركيا من تآمر من بعض دول الخليج في محاولة للإضرار بالاقتصاد التركي عبر استهداف الليرة التركية عن طريق منع السياحة في تركيا عن مواطني هذه الدول، لكن أردوغان كعادته تجاوز هذه المكيدة بتحويل العملات الأجنبية لليرة وقد ارتفع مؤشر العملة التركية بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالانتخابات مؤخرا.
وخلاصة القول هذا الموضوع أن تركيا أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى ولها أعداء كثر، وهذا طبيعي بالنظر إلى التقدم الهائل الذي تحرزه عاما بعد عام وفي شتى المجالات، فتركيا منذ اعتلاء حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002 بقيادة الزعيم رجب طيب أردوغان حققت إنجازات عظيمة حيرت العالم وبذلك أصبحت تشكل تهديدا لكبريات القوى العالمية، حيث أن أردوغان قفز ببلاده من المرتبة 111 إلى المرتبة 16 اقتصاديا وبذلك أصبحت تركيا ضمن مجموعة العشرين وهي مجموعة تضم أكبر الاقتصادات في العالم على الإطلاق، ووصل الناتج القومي لتركيا عام 2013 إلى حوالي تريليون و100 مليار دولار وهو ما يساوي الناتج المحلي لأقوى ثلاث اقتصادات في الشرق الأوسط وهي السعودية والإمارات وإيران، ومن الإنجازات التي حققها أردوغان كذلك زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي والتجارة الحرة وذلك بتوفير جو ملائم للمستثمرين وزيادة عدد الشركات وغزو تركيا للسوق العالمية بمنتوجاتها.
وفي المجال الصناعي فتركيا صنعت في ظل حكومة مدنية أول دبابة مصفحة وأول ناقلة جوية وأول طائرة بدون تيار وأول قمر صناعي حديث واستطاعت تركيا أن تصنع غواصتين نوويتين بمبلغ 60 مليون دولار فقط علما أن ثمنهما يساوي 300 مليون دولار، وفي عشر سنوات تم بناء 125 جامعة و198 مدرسة و510 مستشفى. ولا ننسى مطار إسطنبول الجديد الذي يعتبر من أكبر المطارات في العالم والذي سيفتتح في شهر أكتوبر القادم وعدد المساجد التي بنيت في عهد الطيب أردوغان وغيرها من الإنجازات العظيمة. هذا وتطمح تركيا لأن تصبح في عام 2023 من بين أقوى 10 دول في العالم.
الآن نفهم ماذا يعني عام 2023 بالنسبة لتركيا، ولماذا يكثر الرئيس أردوغان ذكر هذا التاريخ على لسانه، ولماذا يقول: (سنكون خلفا لخير سلف)، لأنه تاريخ الخلاص من قرن من القيود المجحفة ولأنه تاريخ تحقيق أكبر الإنجازات على الإطلاق. هذا ونتمنى لدولة تركيا مزيدا من التطور والنصر والأمن رئيسا وحكومة وشعبا وأن يرد كيد أعدائها في نحورهم، ونتمنى للشعوب العربية الإسلامية النصر والخلاص من الظلم والله المستعان.
تستعد الحكومة التركية لنشر البنود السرية لمعاهدة لوزان لأول مرة، والتي أبرمتها مع دول الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، إيرلندا، الإمبراطورية الروسية) بعد الحرب العالمية الأولى.
وبحسب ما ترجمت عنب بلدي عن صحيفة “يني شفق” اليوم، الأحد 6 من أيار، بدأت وزارة الشؤون الخارجية العمل على نشر البنود، بعد صدور قرار من الرئيس، رجب طيب أردوغان، بفتح المجال أمام المواد السرية لمعاهدة لوزان. وطلب أردوغان، بحسب الصحيفة، نقل الوثائق المخزنة في الأرشيف الفرنسي إلى وسائل الإعلام الرقمية، ليس فقط لوزان، بل جميع الفواتير والرسائل المرفقة ومعاهدات مضيق مونترو.
ونشرت تأويلات عدة طوال السنوات الماضية عن الاتفاقية، لكنها كانت بمعظمها خاطئة، خاصة التي تحدثت عن منع تركيا من الحصول على ضرائب السفن المارة من مضيق البوسفور حتى عام 2023.
ووقعت معاهدة لوزان للسلام في 24 تموز 1923، في مدينة لوزان السويسرية بين تركيا من جهة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا والبرتغال وبلغاريا وبلجيكا ويوغسلافيا من جهة أخرى.
وجاء توقيعها حينها من قبل حكومة أنقرة التي كانت منافسة لحكومة إسطنبول بقيادة الصدر الأعظم المسؤول أمام السلطان العثماني.
وقبل لوزان، وقعت الدولة العثمانية في 10 آب 1920، معاهدة “سيفر” التي فسرتها حكومة أنقرة على أنها معاهدة “مذلة” لا يمكن القبول بها، والتي حظيت بالاعتراف الدولي الذي أهلها لتمثيل تركيا في مؤتمر توقيع معاهدة لوزان للسلام.
وبحسب “يني شفق” سيتم الكشف عن العناصر المخفية التي تم تغييبها عن المعاهدة خلال 96 عامًا. وتعثّر المؤتمر الأول ل “لوزان” في 1922، والذي جاء بعد 20 يومًا على إعلان إلغاء السلطنة العثمانية، لفرض شروط بريطانية تقضي بإعلان العلمانية وحرية الملاحة المائية في المضائق وطرد السلطان العثماني وعائلته، وإعلان أنقرة تخليها عن الموصل (الغنية بالنفط). إلا أن المؤتمر الثاني في “لوزان”، 1923، شهد مرونة من أنقرة وقبولها بالتوقيع على الاتفاقية التي تنازلت من خلالها عن سوريا والعراق ومصر والسودان وامتيازاتها في ليبيا، ما أعطاها شكلها الحالي بحدودها البرية والبحرية بشكل تقريبي، فيما لو استثنينا لواء اسكندرون، الذي دخل ضمن أراضيها.
وتعتبر المضائق أكثر المواضيع التي اتسمت بالتعقيد في المعاهدة، إذ تم إقرار عبور السفن غير العسكرية وقت السلم، ويمنع وجود سلاح على ضفتي المضائق التركية، ويتم تأسيس لجنة دولية تقوم بحمايتها. كما يتم متابعة عمل اللجنة المذكورة من قبل عصبة الأمم، وبذلك لم تحظ تركيا بسيادتها الكاملة. وفي عام 1936 عدلت تركيا المواد السابقة الخاصة بالمضائق بواسطة اتفاقية “مونترو”، واستعادت سيادتها الكاملة على المضائق البحرية.
بعد الحرب العالمية الاولى ابرمت معاهدة لوزان عام 1923 بين تركيا ودول الحلفاء المنتصرة في الحرب، وقسمت بموجبها رسميا السلطنة العثمانية، واسست الجمهورية التركية برئاسة مصطفى كمال اتاتورك.
لقد كانت السلطنة العثمانية آخر ممثل كبير للهيمنة والنفوذ الإسلامي. وقد انهارت بعد ستة قرون حافلة بالحروب الضارية ضد الهيمنة البيزنطية أولا، ثم ضد الهيمنة الأوروبية الصليبية التي تزعمتها أسرة هابسبورغ النمساوية، إضافة إلى محاربتها توسع روسيا القيصرية من الشمال نحو الجنوب، وأخيراً تصديها للهيمنة الإنكليزية. وكانت السلطنة العثمانية ستتبعثر حتى في حال انتصر الألمان حليفهم في الحرب.
تركيا الحديثة او الوريثة للتركة العثمانية لعبت دورا محوريا ومهما في منطقة الشرق الاوسط بالنسبة للنظام العالمي المهيمن، وقد اوكلت لها مهمة “الشرطي” الذي يضبط ويراقب المنطقة. فأحد الركائز المهمة لتأسيس الجمهورية التركية هو استنادها إلى تحالف القومية اليهودية – الصهيونية مع البورجوازية التركية، والعمل كذراع ضاربة ضد الشيوعيين، والإسلاميين القوميين والكرد.
ويمكن من خلال النظر الى الاتفاقات الدولية رؤية المهمة الموكلة لتركيا في منطقة الشرق الاوسط وكذلك القيود المفروضة عليها ايضا للحد من النزعة التوسعية؛ وامكانية الخروج عن الدور المنوط بها والمحدد لها. ورغم ذلك لم تستطع تركيا بجغرافيتها الحالية ان تتحول الى نموذجا متقدما في المنطقة رغم تحقيقها لتقدم نسبي مقارنة بدول الشرق الاوسط، الا انها لا زالت تعيش مخاضات الانتقال من النظام السياسي المفروض عليها والغير منسجم مع واقعها الاجتماعي كما الانظمة الاخرى في دول المنطقة. ف داء “الدولة القومية” واحد، ولم تستطع الانظمة الحاكم تجاوزه لا بل تتشبث به.[1]