الفلكلور الشعبي .. مدرسة الأجيال
عبد الحميد دشو
لا شك أن لكلّ أمة تاريخها وتراثها الخاص بها، والذي يجسد ثقافة هذه الأمة أو تلك، وعندما نتحدث عن الفلكلور الشعبي لابدّ لنا أن نتطرق إلى جذوره ودوره في ترسيخ مفاهيم المجتمع.
إن أول من أطلق هذا المصطلح هو العالم الإنكليزي وليام جون توماس عام 1846م، فكلمة “فولك” تعني بالسكسونية “الشعب”، و”لور” تعني الدراسة أو العلم، ويراد بهذا المصطلح “الأدب غير المكتوب” وهو “الأدب الشّعبي” كالأساطير والأفكار والحكم المعبّرة عن أحوال الشعوب، والبعض أضاف له الفنون والحرف الشعبية والطقوس الدينية والاحتفالات والأحاجي وأخلاقيات الطعام، والتعامل مع المرأة والطفل والحشمة وغيرها.
وهذا الفلكلور ليس حالة اعتباطية طرأت على حياة شعوبنا، بل هو ثقافة نابعة من قيمها وتاريخها، تجسدت فيها معاني الرجولة والشجاعة والنضال والفنون والأفراح والأحزان وشتى المناسبات، حتى غدت مع الأيام جزءاً من حياتنا.
ويحفل تراثنا الفلكلوري بالكثير من الملاحم الشعرية والغنائية والأقاصيص الشعبية والأمثال والحكم دون معرفة مؤلفها أو قائلها، لكنها نابعة من حادثة أو معاناة أو مناسبة ما، فغدا رافداً من روافد ثقافتنا الشعبية بدلالاتها ومعانيها، وأصبح بمجالاته الواسعة هوية أخلاقية واجتماعية لمجتمعنا.
وقد لعب هذا التراث دوراً محورياً في ترسيخ قيم شعبنا المجيدة، حيث توراثته الأجيال منذ القديم، وتربت عليه أجيال بعدها، فالطفل يولد صفحة بيضاء، وحينما يستمع إلى والده و أقاربه عن حكايات الماضي وما فيه من قصص تمجّد الصفات الحميدة كالبطولة والشجاعة والكرم والأمانة وصون حق الجار والتضحية، فإنه يكتسب في ضميره وقلبه هذه القيم والصفات الفاضلة، فتكبر معه لتصبح جزءاً من حياته وسلوكه، وماثلة أمام عينيه في كلّ موقف يتعرّضه له.
إذاً فالفلكلور مدرسة اجتماعية – فكرية لها خصوصية ووقع مميز في أذهان شعبنا، وهو نشاط إنساني في بيئته وارتباطه بثقافته الشعبية، لأنه يمثل الأفكار والآراء والصور والظواهر التي يحدث عليها إجماع غير رسمي من المجتمع، ويتنوع بتنوع أشكاله، فهناك التراث اليدوي والتراث الشفهي والتراث الثقافي، إضافة إلى الطقوس الدينية والاجتماعية، فهو سجل حافل بعكس لنا الحياة الاجتماعية الحقيقية لشعبنا وسلوكه المتزن باعتباره مصدر كلّ هذا التراث العريق.
وكم نحن اليوم بأشد الحاجة إلى التمسك بتراثنا العريق وما يمثله من قيم متأصلة في ظل عالم ملبّد الأجواء، تتم فيه محاولات مسح هويتنا وطمس تاريخنا بهدف السيطرة على مقدراتنا وجعلنا أتباع للغير، فالفلكلور ينمي الحس الوطني والاجتماعي من خلال نقل الموروث والتغني به وتقليده، وقد سعت كثير من المنظمات إلى إقامة الندوات والفعاليات والمهرجانات لتشجيع التمسك بالتراث وإنعاشه بعدما أدركت دوره في الحفاظ على هوية المجتمع، كما أن هذا التراث هو سفيرنا إلى العالم لتسويق حضارتنا وثقافتنا، وجذب الانتباه إلى تاريخنا وقضايانا لدى الشعوب الأخرى.[1]