#صباح كنجي#
المقدمة..
أنْ تقدمَ مَدخلا ً، لكتاب ٍجديد ٍ، يتناولُ الأيزيدية، كدين وبشر، يَجْمعُ بينَ السياسةِ والميثولوجيا والتاريخ، هو أمرٌ شائكٌ وصعبٌ، نابع من صعوبةِ المواد التي تناولها الباحث والمؤرخ الدكتور خليل جندي في مسعاه لمعرفة المزيد من الحقائق عن الأيزيدية كدين وتراث وعادات وطقوس هذا المشوار الصعب والمعقد، الذي بدأه منذ أكثر من ثلاثةِ عقود ٍمضت، (الفصل الأول مدخل لمعرفة تاريخ الديانة الأيزيدية، الكوردولوجيا والأيزيدية مفاتيح لفهم أوسع حول الديانة الايزيدية )*.
حينما كانَ طالبا ًفي كلية الآداب/ جامعة بغداد، في أول عمل مشترك مع البير خدر بعنوان كوندياتي - تقاليد القرية إلى اليوم، حيث صَدُرَ لهُ، نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية عام1998، وصفحات من الأدب الشفاهي للديانة الأيزيدية بجزأين تجاوزت صفحاته الألف.. عام 2004، وعمل مشترك مع البروفيسور كراينبورك باللغة الإنكليزية، بالإضافة إلى العديد من المقالات والحوارات في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية.. متبعا ًمنهجا ً علميا ًًفي التدوين والتحليل والنقد من خلال رؤيا مثقف ماركسي مهتم ُبشؤون الدين والتراث والتاريخ والسياسة.
تلك المواد التي قرر تجميعها وتصنفيها في فصول ٍ وأبوابٍ، لتشكلَ محتوى كتابه الجديد الذي يتناول فيه الكثير من شؤون وشجون الأيزيدية، التاريخية والميثولوجية وواقعهم الراهن المليء بالتناقضات والتحديات.
يختارُ فيها الكاتب لنفسه دورا ً، بدأه ُ بالعمل ِ في صفوف حزب علماني يساري أممي شارك في صفوف الثورة الكردية بتكوينه لفصائل الأنصار، كان من بين أول الملتحقين بصفوفهم، لحين تعرضه لحادثِ تسبب له بجروح ٍبليغةٍ فخرج إلى أوربا للعلاج و استكمال الدراسات العليا في جامعة براغ، توجه بعدها إلى ألمانيا ليواصل عمله مع نخبة من المثقفين لتأسيس مركز الأيزيدية خارج الوطن. تبؤ لسنوات طويلة موقعا ًفي رئاسته وأشرف على إصدار مجلته المرموقة (روز) مع كوكبة من المتطوعين في هيئة تحريرها من العراق وسوريا وأرمينيا وأذربيجان.
بالإضافة إلى جهده المتميز ودوره الفعّال في عقد المؤتمر العلمي العالمي الأول حول الأيزيدية في ألمانيا عام 2001، أثناء عمله في جامعة كوتنكن التي دعمت المؤتمر ورعته.
هذه الفعالية التي اعتبرت من أهم الإنجازات الاجتماعية للأيزيديين خلال السنوات الأخيرة، رغم محاولة البعض لعرقلة عمل المؤتمر وإفشالهِ، بحكم طبيعة الصراعات التي تحيط بالإيزيديين وتتغلغلُ إلى صفوفهم نتيجة ً لقصور ٍفي الرؤيا، أو عدم الوضوح وتشابك المؤثرات التي تحيط بهم والتاريخ الذي لم يُنصفهم.
حينما صنفهم البعض، بالمرتدين عن الإسلام وحملوهم وزرَ أحداثٍ لا علاقة لهم بها تستوجبُ معاقبتهم، وآخرين جعلوهم عربا ً كان لهم برنامجا ًوغاية ً في عودة الحكم الأموي، وغيرها من المفاهيم العنصرية، التي كانت تغلفُ بها النوايا بغية تبرير القمع والقسوةِ التي حلت بهم على يد المجرمين من عتاة السلاطين والتزمت.
الذين سخروا الدين لخدمة إمبراطورياتهم، وجعلوه وسيلتهم الرئيسية في مسعاهم لفرض ِ اللون الواحد من الدين ِ والطقوس على المجموعات والأجناس البشرية في بلدان الاستبداد الشرقي الذي يستمدُ أصوله ومبرراته الفكرية من الدين والميثولوجيا على امتداد التاريخ الفاحش لبلدان الشرق وساكنيه ..
من هنا جاءت محتويات، الكتاب الجديد للدكتور خليل جندي التي تجمع بين الدين والسياسة.. (إنّ المحور الرئيسي الذي يدور حوله الكتاب والهدف الذي يرمي إليه من خلال المقالات الجامعة هو انتشال الأيزيدية من عبودية الفكر القديم الذي يخدم ثلة من الأشخاص المتنفذين)*..
حيث أفرد فيه نصوصا ًومعالجات لنقد الفكر الديني، برؤية علمية تجعله من أبرز المساهمين في التأسيس لمنهج علمي حقيقي عن الأيزيدية ثبَّتَ نجاحه في التعامل مع النسق الديني المغلق بذهن ٍ مفتوح ينظر للظاهرة الاجتماعية برؤية غير مطلقة تخضع لشروط الزمان والمكان والتحليل العقلي المقارن في ذات السياق مع المعطيات المحلية والعالمية، وعدم مصادرة حق النقد أو التشكيك في استنتاجاته، في مسعاهُ لتحليل المشاكل العالقة والموروثة عن الماضي من خلال تثبيت موقف يساعد على توضيح وإضاءة معطيات التاريخ البعيد والمعقد الذي ما زال مجهولا ً وغير واضح للعيان.
رافضا ً اختزال الحالة التي يتصدى لها، مفضلا ً المواجهة مع أصحاب العقول المغلقة، مدركا ً إنّ قوة الإنسان الأساسية ومصدر الإبداع عنده هو المعرفة والإدراك العميقين، الذي يتخطى حدود الشكل، موقنا ً بأهمية تدقيق الماضي برؤية تختلف عن العودة إلى الوراء لاستجداء الجهل.
هي عنده عودة متفحصة من أجل تصويب النظر واستشراف آفاق المستقبل، عبر فهم ٍ أفضل للحالة الراهنة يكون أساسها تغيير وعي المجتمع واستبدال مفاهيمه حول العلاقة بين الإنسان والآخر وما يحيط بها من تراكم مقدسات ناجمة عن تقاليد وعادات قديمة، تواصلت ممارستها لم تعد ملائمة للعصر، من خلال إيجاد الطرق والوسائل لتقويم النواقص وتصحيح الزلات بإخضاع طرق ووسائل معرفتنا لقوانين ومقاييس منطق العلم الهادئ بدلا ًمن اللجوء للأسلوب الانفعالي العاطفي، لنبذ اللا معقول من التراث والثقافة الدينية البالية، وأساطيرها التي تتحكم بالبشر، تستلب إرادتهم، تشل حركتهم، تشكل نمطا ًمن التفكير والسلوك المكون لذاكرة الشعوب المتداخلة في بنية المجتمع بصيغ ٍ لا يمكن التخلص منها بسهولة، تقاوم وتعارض الذهنية العلمية، وحرية الناس، تعيق التقدم والسير للأمام ..
(عليه كفرد ضمن المجتمع الكوردي الأيزيدي، وكباحث عن الحقائق لا ينحصر في النقل وفي جمع النصوص والتراث، إنما المطلوب مني هو التعامل مع أدوات الاستفهام لماذا وكيف...وحينما أطرح أفكارا ً للحوار، فهذا يعبر ببساطة عن رغبتي في تبادل الرأي مع الآخرين وعن قناعتي بها، وفي الوقت نفسه عن الرغبة في التيقن من صحة ما أطرحه أو طلب التعاون للمساهمة في تحسين ما يحتاج منها إلى تحسين وتطوير أو حتى تغيير. وهذا يعني باختصار شديد بأني لا أدعي لنفسي الصواب كله أو أن ما أطرحه يمثل الحقيقة المطلقة، كما يعني عدم رغبتي في فرض ما أفكر به على الآخرين)*.
طارحا ًمشروعه للإصلاح، الذي يلامس مصالح البعض من المتنفذين، في المجلس الروحاني، ويعتبرهُ جسدا ً بلا روح، وكذلك ما يعرف بمؤسسة المير التي يوصفها بالميتة، وهي دعوة لا تحمل في مضمونها الإلغاء والهدم كما يسعى البعض لتفسيرها بسوء فهم بل محاولة لإعادة البناء على أسس جديدة، صلبة وصحيحة تعود لتؤدي منفعة وفائدة للبشر عبر تفعيل دورها وإعادة نفخ الروح فيها من جديد..
القسم الثاني والأهم من الكتاب، يبحثُ عن هذه الإصلاحات من خلال توجيه نقد لما يمكن إدراجه (بالأزمة في المعرفة الدينية.. إن أزمة المعرفة الدينية تتجلى في أحد وجوهها في تقديم النص على الواقع ومن ثم تقديم الحقائق الدينية المطلقة على المعارف العلمية النسبية والمتغيرة، وفي إجبار الأخيرة على الاستجابة لتلك وتطويعها للتبشير بها والبرهان عليها. فالمعرفة الدينية تمنح الأولوية للنص، للحقائق المطلقة والغيبية على حساب الواقع المتغير وحقائقه العيانية النسبية.)**..
إذ يؤكد:
(كما أشرت إليها في أكثر من مكان فأن الإمارة فقدت أسباب وجودها منذ زمن بعيد ودبّ التفسخ والانحلال في جسمها بشكل فعلي منذ الحرب العالمية الأولى. يضاف إلى ذلك عدم أهلية كيان المجلس الروحاني الأعلى للايزيدية منذ تأسيسه عام 1928 ولحد اليوم، أنه كيان ديني هامد في حالة موت سريري، أنه مجلس أمي لا يفقه بأمور المجتمع لا من الناحية الدينية ولا من الناحية الدنيوية. وأن ما يسمى ب المجلس الاستشاري للمجلس الأعلى الأيزيدي الذي تأسس قبل سنة ونيف من بعض المحسوبين على الجبهة الثقافية، أكثر أمية من المجلس الأعلى نفسه كونهم من المثقفين الذين يغطون على أخطاء وتجاوزات المجلس الروحاني وقيادته ويبررون له فشله في جل ما حلّ بالإيزيدية من تراجعاتٍ وانتكاساتٍ)*.
ومرورا ً بموضوعة الطبقات والمراتب الدينية واستغلال الدين لتحقيق المنافع الذاتية من قبل البعض، ممن لديهم استعداد لتغيير معطيات التاريخ ويدعونَ بعروبة الإيزيديين، أو يسعون للحصول على منافع آنية، على حساب أبناء جلدتهم، الذين عانوا ومازالوا يعانون من آثار القمع والاضطهاد من قبل السلطات المتعاقبة.
التي مازالت تنظر لهذه المجموعة الدينية كفئة من الدرجة الثانية، لا تساويها في حقوق المواطنة، وهو إذ يقف ضد هذه الممارسات ويعريها، من خلال غوصه في التاريخ الذي فيه الكثير من المعطيات الدامية، لا يفوته أنْ يشخص طبيعة المشكلة ويصفها:
( أن المشكلة الأيزيدية مركبة، هي دينية واجتماعية وسياسية)*.
ومعوقاتها الداخلية التي تجعل الدين وأتباعه هدفا ًسهلا ً لتلك الحملات المتواصلة و تواطىء بعض القائمين على شؤون الأيزيدية معَ مَنْ نفذ َ تلك الحملات، بمن فيهم الكرد المسلمون، الذين ساهموا في ممارسات قمعية ضد الأيزيديين، فترك ذلك شيئا ً من التوجس والخوف في الذاكرة الأيزيدية، وهو أمر يتطلبُ فيه من الكرد وحكومتهم الفيدرالية تقديم الاعتذار من الأيزيديين وتعويضهم عمّا لحق بهم من دمار وخراب وما أصابهم من قهر وجور.
تكون بدايته الاعتذار الرسمي، ليشكل للجميع بداية عهد جديد.. هذا ما يوصي ويطالب به الباحث، القائمين على الحكومة الكردية والمهتمين بشؤون الأيزيدية..
منطلقا ًمن مفهوم، أنّ الدين هو علاقة بين البشر، واختلاف رؤيتهم للإله، قبل أن يكون مفهوما ًيحدد العلاقة بين الناس والآلهة، وهو جملة مسائل مادية، لها علاقة بالسلوك والوعي الاجتماعي، للمجموعات البشرية، تتضمن في محتواها وعمقها مضمونا ً احتجاجيا ً، يُعبرُ عن أنينَ المضطهدين، إنْ لم تكن هي بذاتها هذا الأنين، كما يقول المؤرخ الروسي الشهير سيرغي أ. توكاريف *** في مقدمة كتابه الأديان في تاريخ شعوب العالم..
صباح كنجي
بداية /2008
* النصوص المقتبسة هي مما ورد في كتاب الدكتور خليل جندي.. الأيزيدية والامتحان الصعب.. دار ئاراس للطباعة والنشر أربيل .. ويمكن قراءة النسخة الإلكترونية في موقع بحزاني..
** سربست نبي .. أزمة المعرفة الدينية http://ssarnabi.maktoobblog.com/
*** سيركي أ. توكاريف / الأديان في تاريخ شعوب العالم/ دار الأهالي/1998/ دمشق ترجمة د احمد م. فاضل.[1]