في أجواء الاحتفال بعيد الصحافة الكردية، وفي ظل تعدد القنوات الإعلامية الكردية وتنامي صناعة الإعلام ضمن الحيز الجغرافي الذي نعيش ضمنه، هل تعتقدين أن الإعلام الكردي الخاص بالكرد في سوريا بات أداة فعالة للتغيير والتنمية وترسيخ التعايش، أم أنه ما زال أسير النزعات الحزبية والأيدولوجية؟
بعد مرور 611 سنة على صدور أول جريدة كردية، لا يخفى عن أحد، أن ولادة الإعلام الكردي، بدءاً بجريدة «كردستان» ومروراً بمجلتي «هاوار» و «روناهي» لم يكن بقرار حزبي، بل كان نتيجة إحساس وطني وقومي لدى الرعيل الأول من النخبة الكردية المثقفة. ومنذ ولادة أول حزب كردي في سورية سنة 7591 وحتى الآن، فإن انطلاقة الغالبية العظمى من المؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة، كان بقرار سياسي حزبي. كما ظهر في السنوات الأخيرة ما يمكن تسميته بالإعلام الموازي للإعلام الرسمي الحزبي، بحيث تجد مؤسسة تعلن عن نفسها على أنها مستقلة ومحايدة، إلا أنها تخدم وتسوّق لأجندة سياسية حزبية معينة.
من المؤسف القول بأن الإعلام الكردي لم يسعى ليكون بمثابة «سلطة رابعة» تعبّر عن وعي وإرادة وسلطة المجتمع، وتمارس دورها الرقابي والتنويري والنهضوي السياسي والاجتماعي والثقافي، خارج السياقات الحزبية التقليدية. الإعلام الكردي في غالبيته، رهين وعي وتقاليد حزبية، ولا يمكن الحديث عن إنجازات لافتة ونوعية خارج هذا السياق.
الكرد يعيشون فوضى إعلام، وتهافت إعلاميين، وخطاب إعلامي شديد التحزّب، حتى يمكن القول أن الكثير من المواقع الالكترونية الكردية التي يديرها أشخاص، باتت هي الأخرى تحت السيطرة والاستثمار، ولا تشذ عن القاعدة. صحيح أن هنالك طفرة على الصعيد التقني، لكن الذهنية الحزبوية هي ذاتها، لم يتغيّر فيها شيء.
وقياساً على واقع الإعلام الكردي ودوره في الشحن والتأليب والتطاحن الحزبوي المقيت، ليس أمامنا إلا التحسّر على أيام جريدة كردستان ومجلتي «هاوار» و «روناهي»، حين كان الإعلام ينطلق ويُدار بجهود فردية، قومية ووطنية صادقة، هاجسها خدمة الكرد وقضيتهم والنهوض بهم قومياً.
أغلب الداخلين على خط الإعلام والصحافة ليسوا من خلفيات أكاديمية إعلامية (وأنت منهم)، هل تعتقدين أن هذا يولد إشكالاً، أم أن آفاق الإبداع والتميز غير قابلة للاحتكار؟
اعتقد أن مهنة الإعلام تعتمد على الموهبة والخلفية الثقافية بالدرجة الاولى، ومن المهم والضروري أن يكون الإعلامي غير الأكاديمي على دراية بمبادئ وأسس ومعايير العمل الإعلامي، للابتعاد عن الاعتباطية والعشوائية. فالتحصيل العلمي والإجازة الجامعية في حقل الإعلام، مع انعدام الموهبة والتراكم الثقافي، لا يمكن أن ينتج إعلاميين ناجحين. وهنالك عشرات الأمثلة في الإعلام الكردي والعربي والعالمي، لصحافيين وإعلاميين ناجحين وبارزين، وصنّاع للرأي العام، لا يحملون إجازات جامعية في حقل الإعلام، بل هم إعلاميو خبرة وموهبة، وأصحاب تجارب يعتدّ بها. وهنا، يمكن الإشارة إلى وجود مسألة مهمة وهي افتقار الإعلام الكردي للتخصص، بحيث تجد صحفياً يكتب في السياسة والأدب والرياضة وشؤون المرأة … إلخ، فيتشتت جهده، ونادراً ما نجد صحفياً أو إعلامياً يمتلك من الخبرة والحرفية التي تخوله الكتابة في كل مجالات العمل الإعلامي.
هنالك من يشير إلى أن ظهور المرأة الكردية أو العربية أو السريانية كمذيعة أو مقدمة برامج أو محاورة، ليس إلا نوعاً من المتمات الجاذبة للجمهور أو «الديكور»، كيف يؤثر هذا على نمو دور المرأة بشكل عام، ومشاركتها في الشأن العام، أم أن الصلة مفقودة في هذا الصدد؟
إذا اعتمدنا فرضية «الديكور»، هذا يعني أن وجود المرأة في الحقل السياسي والعسكري والثقافي الكردي، هو أيضاً مجرّد ديكور. واعتقد أنه في ذلك اجحاف بحق المرأة الكردية ونضالها من أجل نيل حقوقها. في الوقت عينه، وجود المرأة في حقل الإعلام، لا يعني أن المجتمع قد أنجز قفزة نوعية على صعيد تحرر المرأة ونيلها لحقوقها. فرغم وجود المرأة اللافت في المؤسسات الإعلامية الكردية العراقية، لا زالت معدلات ممارسة العنف مرتفعة جداً في كردستان العراق. حتى أن المرأة التي تعمل في حقل الإعلام، أحياناً تتعرّض للمضايقات والاستفزازات والابتزازات ذات الطابع الذكوري الفجّ والوقح. لكن لا يمكننا التعميم، فمجرّد وجود هذه الظاهرة، مؤشر على مدى الزيف والخداع والادعاء الموجود في التكوين النفسي والمعرفي لدى البعض ممن يعملون في الحقل الإعلامي.
في الحقيقة هذه القضية مرتبطة بكامل المجتمع، ولا شك أن حضور المرأة بهذه الكثافة في مجال الإعلام هي نقطة إيجابية حتى لو كانت – في بعض الأحيان – من قبيل الإكسسوار أو أداة جذب. دون أن ننسى بأنه يجب على الإعلامية أن تكون ممتلكة لحضور لائق ولبق، إلى جانب قوة الشخصية التي تدعم الموهبة. فهناك الكثيرات ممن اثبتنّ جدارتهنّ في هذا المجال، رغم الصعوبات والمضايقات من جميع النواحي، حيث استطعنّ شقَّ طريقهنّ، وأن تكنّ مشاركات ومؤثرات في الشأن العام.
ماهي أبرز القضايا الملحة التي يجب أن يتبناها الإعلام حسب رأيك؟ بالأخص بالنسبة للكرد السوريين وباقي السوريين المقيمين في إقليم كردستان العراق؟
ضمن هذه الظروف، وفي ظلّ وطن غير حر، دوماً يجب المطالبة بصحافة حرّة، وعمل أكاديمي على أعلى المستويات. التحجج بالظروف وضعف الإمكانات للتغطية على رداءة الأداء الإعلامي؛ أرفضه شخصياً. وفي هذه المرحلة الحساسة والفارقة في تاريخ السوريين، والكرد على وجه الخصوص، مطلوب من الإعلام الكردي أن يكون موضوعياً، قدر الإمكان، ويسعى إلى التهدئة بدلاً من التوتير، وتنقية الأجواء بدلاً من تسميمها، وتوحيد الصف الكردي وليس تشتيته أكثر مما هو عليه، وأن يعمل على تكوين صورة جيدة عن الكرد في الإعلام العربي، ويكون منحازاً لقضايا الإنسان والمجتمع، وعدم الانغلاق في إطار الأيديولوجيات والنزعات القومية والحزبية المتشددة.
كيف تقيم منال محمد تجربتها في الإعلام؟ ما حجم طموحك كشابة تطمح للارتقاء بعملها وإمكانياتها وأدائها؟ وهل أثرت الظروف الحالية سلباً أم إيجاباً على تجربتك الإعلامية؟
بما أن تجربتي الإعلامية لا تتجاوز السنة، اعتبر نفسي في فترة اختبار لقدراتي. وكفتاة كردية، كانت للأوضاع والظروف الحالية تأثيرها السلبي عليّ، وهي التي أجبرتني على خوض هذا المجال لكي أطوّر ميولي واهتماماتي في حقل الإعلام، وكوني خرجت من واقع مليء بالصراعات، على كافة الأصعدة، وفي ظل مستقبل غير واضع المعالم، وواقع كردي مشتت، أسعى لتقديم رسالة تحترم أخلاقيات المهنة، وتكون في خدمة الإنسان، ولا تبرر الوسائل للوصول إلى الغايات. في حال حققت ذلك، حينها فقط أكون جديرة بصفة (الإعلامية).[1]