=KTML_Bold=إدريس سالم : أُسُود على كوردستان، فئران أمام إسرائيل=KTML_End=
إدريس سالم
جولدا مائير (Golda Meir):
«عندما أحرقنا المسجد الأقصى لم أنمْ الليل كلّه، وتوقّعت أن العرب سيأتون أفواجاً من كل حدبٍ وصوب، لاقتحام إسرائيل، وعند بزوغ شمس الصباح، علمتُ أننا أمام أمّة نائمة!!».
لو اجتمع حكّام وملوك العرب على إسرائيل، مثلما اجتمعوا ويجتمعون على كوردستان لتحرّرت القدس والجولان ولواء اسكندرون وسيناء، وكل الأمة العربية والإسلامية من الهيمنة الخارجية، إلا أنهم أثبتوا يومياً أنهم أُسُود على الشعب الكوردي، وفئران أمام إسرائيل وأمريكا وأوروبا، وتأكيداً على ذلك، يقول رجل الدين العراقي ”مقداد الجنابي“ أنه لا يمكن التعويل على القادة العرب والمسلمين بشأن نُصرة القدس، لأن أغلبهم لديهم علاقات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل وأمريكا «حتى تتحرّر فلسطين من إسرائيل، عليها أن تتحرّر من قبضة حكّام العرب، الذين يفتكون بشعوبهم، للحفاظ على عروشهم وقروشهم».
عندما أجرى إقليم كوردستان استفتاء الاستقلال في الخامس والعشرين من أيلول الماضي رفضت الدول العربية هذه الخطوة الشرعية والأكثر ديمقراطية، معتبرة أنها تهديد للأمن القومي للوطن العربي والأمة الإسلامية، وأنها مؤامرة إسرائيلية – أمريكية «أمريكا نفسها مَن وقفت في وجه الكورد في كركوك»، بينما اليوم الدول العربية نفسها لم ترفض (سرّاً) قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف بهذه المدينة عاصمة لإسرائيل «اتهام أطراف عربيه لنوعية العلاقة بين السعودية وأمريكا، دليل على التواطؤ العربي»، هذا القرار الذي كان يَعِد به كل مرشّح رئاسي أمريكي، إلا أن الوحيد الذي التزم به ونفّذه هو دونالد ترامب «كيف مهّد العرب لهذا القرار؟ ولِمَ الفلسطيني يرفع صور زعماء تسبّبوا في ضياع بلاده، ويحرق صور زعماء آخرين وقفوا يدعمونه ليلاً ونهاراً؟».
عندما أجرى إقليم كوردستان استفتاء الاستقلال فإن أول دولة عربية وقفت ضد إرادة الشعب الكوردي وحاربه سياسياً ودبلوماسياً كانت فلسطين، التي أعلنت عن رفضها للاستفتاء، على لسان سفيرها في العراق ”أحمد عقل“، الذي أكد أن الاستفتاء مؤامرة إسرائيلية لتقسيم العراق والمنطقة، متناسياً أن قادة وساسة بلده يقفون ضدّ إرادة شعبه، ومتواطئون عبر المال والنفوذ والسلطة مع أعدائه، ويتركون الفلسطينيين بين براثن الجنود الإسرائيليين، ويأتون إلى سوريا للدفاع عن النظام السوري الحاكم ومحاربة الشعب السوري، ومن أبرز فصائل بلاده المسلحة في سوريا جيش التحرير الفلسطيني، وفتح الانتفاضة، والجبهة الشعبية، وقوات الصاعقة، وجبهة النضال الشعبي، إذ تداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي معلومات تشير بمقتل أكثر من 2250 عنصراً من لواء القدس الفلسطيني في سوريا دفاعاً عن دمشق، وأيضاً أكثر من 3000 قتيل، وإصابة أكثر من 4000 عنصراً من جيش التحرير الفلسطيني، قتلوا على يد ثوار سوريا.
أما الفصائل العراقية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري باتت رقماً صعباً، وتلعب دوراً متعاظماً في الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة، وتصبّ مشاركة تلك الفصائل في القتال بسوريا زيتاً على نار التوتر الطائفي، المتفاقم أصلاً في العراق بين السنّة والشيعة، هذه الفصائل التي عليها أن تقاتل أولاً تنظيم داعش الذي فتك بالعراق شعباً وحكومة، وثانياً الجيش الأمريكي المتواجد في العراق عقب حرب 2003، والمسيطر مع إيران وميليشياتها الشيعية على ثروات وخيرات البلاد، إذاً كل الفصائل العراقية ليست إلا فأراً للتجارب، وهي نفسها مَن حاربت الكورد المدنيين الآمنين في كركوك وطوزخورماتو، وبضوء أخضر من أمريكا.
هذا وينتسب أغلب المقاتلين العراقيين إلى منظمتين شيعيتين انتفاعيتين هما، عصائب أهل الحق المدعومة إيرانياً «ماذا يفعل زعيم عصائب أهل الحق في العراق قيس الخزعلي على الحدود اللبنانية السورية؟ ولماذا هدّد إسرائيل؟ ومَن يقف وراء تهديده؟» وحزب الله العراقي، حيث يشرف هذان التنظيمان – وفقاً لسياسيين شيعة ورجال دين ومسلّحين – على تنظيم وإرسال المقاتلين لسوريا، وأخذ رواتب خيالية من الأجهزة الأمنية السورية، ولا زالت متواجدة في أماكنها، ومهمتها هناك لم تنتهِ بعد.
لعلّ العاطفة والنية الطيبة لا تصلحان في ممارسة السياسة، لأن الجميع لا يزال يراهن على أن أمريكا وإسرائيل ستقلّمان أظافر إيران في المنطقة، دون أن يدركوا حقيقة أن إيران أيضاً لها خباثتها وحماقتها وقمعها ومكانتها بين الدول الكبرى، فهي تحارب في الأراضي السورية بفيلق القدس، والعراقية بفصائل الحشد الشعبي، واللبنانية بحزب الله، واليمنية من خلال الحوثيين، فمَن يقلّل من شأن خطر إيران بحجة التفرغ لقتال إسرائيل وأمريكا، أو العكس، فهو واهم ومخطئ، لأن مؤسّستا السلطة في تل أبيب وطهران تتقوّى إحداهما بالأخرى، وعدوّهما المشترك هو العرب السنّة، ومصلحتهما المشتركة هو تفكيك المنظومة السنّية «إيران تحتل أربع عواصم عربية، وإسرائيل عاصمة واحدة. ما الخلاص لتحريرها؟».
الاتحاد الأوروبي هو اتحاد يخدم كل الشعب الأوروبي، سواء في الحرب أو السلام، أما جامعة الدول العربية هي جامعة تفرّق كل الدول العربية، وتُجمعها على كوردستان والدولة الكوردية، والتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني، ففي قرار دونالد ترامب الخاصّ بالقدس «هل شجّعت الأنظمة العربية ترامب لجعل القدس عاصمة لإسرائيل؟» كان يجب أن يخرج بيان رسمي وموقف صريح وواضح، يليه ردود أفعال دبلوماسية واستعدادات عسكرية من هذه الجامعة، ليمثل كل العرب، الصغير والكبير، الإناث والذكور، المسؤول والموظف، السياسي والعسكري، المتعلّم والجاهل، إلا أن كل دولة وكل مسؤول عربي خرج عبر منبره الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، ومكتبه الإعلامي، وندّد بقرار ترامب وعاداه، لدرجة أنهم باتوا يتخذون تويتر وسيلة لقتال أوروبا «ماذا لو تمّ إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف سيدافع العرب عن فلسطين؟»، أما في أي قضية صغيرة تخصّ كوردستان أو أي جزء منها تراهم يحشدون الجيوش ضدّها، ويحاصرونها براً وجواً، ويشكلون جيشاً عرمرماً من كتبة مأجورين، ليكتبوا ضدّ إرادة الشعب الكوردي في الحرية والاستقلال.
الأنظمة العربية تدرك جيداً أن إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يأتي من فراغ، إنما يأتي بعد سنوات الجهد المتواصل من إعداد مسرح العمليات، واستغلال كل التناقضات والانقسامات العربية، للدفع بالمنطقة نحو صراع طائفي، وإثارته بين المسلمين والمسيحيين، ولدعم كل جهد لهدم الدولة والمجتمع العربيين، فالغرب يدعم الإرهاب في سيناء المصرية، ويطلق داعش وأخواتها في سوريا والعراق «داعش ستبقى منظمة حيّة، بشكلها الحالي أو ببديل آخر، لأن أمريكا وإيران صانعتا الإرهاب، وداعمتاه»، وأخذ اليمن وليبيا إلى الفوضى وحكم المليشيات، ويفتح الأبواب أمام تمدّد النفوذ الإيراني لنشر الإرهاب والفتنة في المنطقة «الغرب هو مَن أسّس الإرهاب، وهو مَن أطلق من خلاله شعار (أمريكا عدوّتنا، والموت لإسرائيل)».
لأولئك الطغاة الذين يتحوّلون إلى أسود ووحوش على كوردستان، وفئران وجُرْذَان أمام إسرائيل وأمريكا، كركوك ستبقى قلب كوردستان النابض، مثلما كوباني عينها وعفرين وقامشلو وآمد ومهاباد وغيرها من مدن كوردستان شرايين لها، وعلى الكورد أن يعيدوا قراءة الواقع، وأن يدركوا حجم المخاطر والأهوال، وأن يمتلكوا الاستراتيجية المطلوبة لمواجهة المرحلة الراهنة والمقبلة، والإرادة اللازمة لإدارة صراع قد يكون صعباً وطويلاً، حتى ينتصروا رغم كل التحدّيات والصعوبات.
أخيراً أسئلة تطرح نفسها:
– لمَ العرب يتجاهلون حالة الانقسام التي تشهدها الدول العربية، وتآمر بعض منها، واستقوائها بإيران وميليشياتها على بعضها الآخر؟
– لمَ يحاربون إسرائيل علناً، ويعملون إلى تطبيع العلاقات معها سرّاً؟ لمَ يُحدِثون الفوضى والتشرذم داخل الساحة الفلسطينية وفصائلها المسلّحة؟
– لمَ يصبّون جام غضبهم على الشعب الكوردي، وتوجيه قوّتهم وقوّاتهم نحو كوردستان؟
– لمَ نار الحقد والكره والعنصرية بعيدة عن كتابات المثقف العربي عندما يتحدّث عن الصهيونية في فلسطين، أو الهيمنة الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط، أو التغلغل الإيراني داخل العواصم العربية، أو الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة؟
– لمَ يصيب هذا المثقف شيء من الصم والبُكم والعمي عندما يجد نفسه أمام القضية الكوردية وأبعادها، أو لا يريد عمداً أن يعترف بها كقضية مشروعة بحاجة إلى الدعم والمساندة والإنصاف؟
– لمَ يتعامل الكثير من المثقفين العرب مع القضية الكوردية حتى اليوم بنظرية المؤامرة، أو الكلام بنفس الأسطوانة المشروخة القديمة التي تنظر إلى كوردستان على أنها إسرائيل ثانية في المنطقة؟
خلاصة القول، فإن رئيسة وزراء إسرائيل السابقة ”جولدا مائير“ كانت على حقّ في كلامها، عندما اكتشفت أن العرب أمّة نائمة، إلا بخلاف واحد، هو أن هذه الأمة تستفيق من سُباتها العميق، ويجنّ جنونها عندما يتعلق الأمر بكوردستان، وكأن الأمة الكوردية هي المسؤولة الأولى والأخير عن مصائب وكوارث العرب، نعم هم أُسُود على كوردستان، وفئران أمام إسرائيل.
كاتب وصحفي كوردي[1]