الحرب المفتوحة ضد الكرد – خالد عيسى
خالد عيسى
تؤكد الوثائق التاريخية بشكل قطعي بأنه لولا نفوذ وقوة عشيرة المللين الكردية في سورية، لما دخلت منطقة حوض الفرات(الرقه- دير الزور- الميادين – البوكمال) ضمن الحدود السورية، بينما كانت بعض العشائر العربية تحاول ضمّ هذه المنطقة إلى العراق، في حين كان قسم آخر منها تحاول ضم هذه المنطقة إلى تركية الكمالية.
و تؤكد تلك الوثائق بأنه لولا تواجد العشائر الكردية و قوتها لما دخلت الجزيرة العليا (من الخابور إلى دجلة) بكل خيراتها في حدود هذه الدولة السورية. و تؤكد تلك الوثائق نفسها بأن أكراد كرداغ اختاروا الجنسية السورية، و رفضوا اختيار الجنسية التركية بينما كان قسم كبير من سكان المناطق العربية، و خاصة في حلب، يختار الجنسية التركية في بداية تشكل الدولة السورية. و لدينا إحصائيات تثبت ذلك بالأرقام والتواريخ.
واليوم، الأكراد من أبناء تلك العشائر الكردية التي ساهمت في توسيع الحدود السورية يتم تجويعهم وتهجيرهم و اعتقالهم وحتى قتلهم من قبل أبناء من كانوا يعادون سورية ويحاولون ضمّ قسم منها إلى تركية و العراق!!!!!!.
اليوم، يتم تجريد الأكراد من حق التملك والاستثمار والتصرف في الأراضي التي ضمها آباؤهم إلى سورية. و عندما يطالب الكرد بحقوقهم، بشكل سلمي، يتم زجهم في السجون بتهم كاذبة.
السلطات السورية تستنجد بالكوادر الأجنبية، وحتى بالماليزيين، في حين يتم إقصاء واعتقال كوادر كردية وطنية عالية الكفاءة في الإدارة والاقتصاد. هذه السلطات تستجدي الاتحاد الأوربي المساعدات لتطوير المؤسسات الديمقراطية( 165 مليون مثلاً)، وعندما تتلقى الأموال، تشدد إجراءات القمع والاضطهاد بحق الوطنيين وخاصة الكرد منهم. هذه السلطات تجوع الأكراد و تستجدي الأمم المتحدة المساعدات لمكافحة الجوع (20 مليون مثلاً)، وعندما تتلقى المساعدات، تنفقها في مناطق أصحاب النفوذ.
تشن سلطات الدول التي تحتل كردستان حرباً مفتوحة ضد الشعب الكردي لمحاولة كسر إرادته في الوجود والحقوق المشروعة. ففي شرق وشمال كردستان، تستخدم السلطات التركية والإيرانية القوات العسكرية في ممارسة إرهاب الدولة بشكل منهجي، و بالتوازي تستخدم النفاق الديني بهدف خدع الجماهير الكردية. وتستخدم العصابات المتنفذة في هاتين الدولتين نفوذها على عملائها في العراق من أجل استهداف وحدة وسيادة إقليم جنوب كردستان والمساس بحقوق الأكراد المشروعة. وتستخدم العصابات المتنفذة في هاتين الدولتين نفوذها الطاغي في سورية لممارسة المزيد من الممارسات العنصرية بحق الشعب الكردي.
لقد ترافقت حملة القمع و الاعتقالات بحق أبناء الشعب الكردي في سورية مع تشديد العمليات العسكرية التركية و الإيرانية ضد الشعب الكردي، ويتزامن ذلك مع مؤامرات الشوفينيين في بغداد ضد الشعب الكردي في جنوب كردستان.
تقول السلطات التركية بأنها أنفقت أكثر من 300 مليار دولار في محاربة القيادة الكردية المتمثلة بحزب العمال الكردستاني، وأنه بلغ عدد ضحايا الحرب على الأكراد حوالي 40 ألفاً. فإذا علمنا بأن مجموع اعتمادات الموازنة السورية تدور حالياً حول 10 مليارات، أدركنا مدى جسامة الهدر في الأموال و الأرواح. وكان يمكن تجنب ذلك فيما لو قبلت السلطات التركية محاورة القيادة الكردية من أجل حلّ سلمي و عادل للقضية الكردية. وتستنجد السلطات السورية بالسلطات التركية والإيرانية في حلّ مشاكلها، فترضخ لسلطات هاتين الدولتين، و تسلمها مفاتيح أسواقها و معسكراتها و سجونها.
وتقوم السلطات الإيرانية بحملة من الاعتقالات و الإعدامات ضد الوطنيين الكرد في شرق كردستان، وتقوم بالتنسيق مع السلطات التركية في قصف المواقع الكردية في جنوب كردستان، و تدفع بيادقها للتحرك ضد القيادة الكردية من أجل قضم مناطق كردية و من أجل محاولة بقاء كركوك وسنجار ومناطق كردية أخرى خارج السيادة الكردية.
ففي الوقت الذي تطالب القيادات الكردية بإيجاد حل عادل وسلمي للقضية الكردية ضمن إطار حدود الدول التي تقتسم كردستان، تصرّ السلطات المركزية في محاولة مسخ الوجود القومي الكردي، وتنكر على الشعب الكردي المشاركة المتكافئة في ثروات ومقدرات البلاد.
تصرّ هذه السلطات في زرع الكراهية بين الشعب الكردي و الشعوب الكردية والعربية و الفارسية، و تهدر طاقات البلاد في حروب داخلية لا يستفيد منها سوى العصابات المتسلطة على مقدرات البلاد و مصير العباد. و كما لم يتردد الشعب الكردي في المقاومة من أجل الحفاظ على وجوده، فانه لن يتردد في النضال في سبيل نيل حقوقه المشروعة، والسجون والأسلحة لن تثنيه عن المقاومة.
و الواجب الوطني يفرض على النخب المتنورة للشعوب المجاورة التضامن مع الكرد في نضالهم من أجل إعادة صياغة أنظمة سياسية ديمقراطية تلائم واقع التعددية القومية في دول المنطقة ، تعتمد على أسس المساواة و الاعتراف المتبادل، لتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة من أبناء جميع القوميات.[1]