المخرج الكُردي يلماز كُونَاي
بين رحيله المبكر وإبداعاته الفذَّة في مجال الرواية والسينما العالمية
إعداد: حسين حبش / كتابة قديمة جداً
نبذة وتمهيد:
للدخول إلى عالم يلماز كوناي لا بدَّ من معرفة طفولته، مكان ولادته، وحياته الأولى والوقوف على الأعمال التي قام بها طفلاً، شاباً ومخرجاً فذاً فيما بعد.
ولد يلماز بوتون، كوناي في قرية ينيجة التابعة لمحافظة أضنة في كردستان الشمالية لأم وأب كرديين هما كلو وحميد وذلك في عام 1937. أمضى طفولته والمراحل الأولى من شبابه في شتى الأعمال والمهن منها عاملاً زراعياً، أجيراً، قصاباً، وميكانيكياً ووو….إلخ.
لدى إنتهائه من الدراسة الثانوية تفتح حبه وولعه على الأدب وأصدر مع بعض زملائه مجلتين هما (دوران) و (بوران) سرعان ما توقفتا بسبب الإفتقار إلى المال، وذلك بعد إلتحاقه بجامعة إستانبول.
كتب قصصاً تعكس وقائع حياته اليومية تعرضت إحداها للملاحقة وقضى بسببها 18 شهراً في السجن وذلك في عام 1960 و 6 أشهر قضاها منفياً في قونيه. ويعتبر كوناي فترة مكوثه في قونيه من المراحل الهامة والخصبة في حياته، نظراً لما كتبه هناك من إبدعات هامة. بدأ كوناي نشاطه السينمائي في عام 1958 كمساعد مخرج وكاتب سيناريو وممثلاً في فيلم (أبناء هذا الوطن) مع المخرج عاطف يلماز. أولى تجاربه الإخراجية كانت في عام 1968 في فيلم (سيد خان) الذي لاقى نجاحاً منقطع النظير حاصداً سبعة عشر جائزة في التمثيل والإخراج والسيناريو … وشاهده ثمانية مليون إنسان وقتذاك.
إعتبر المسؤولون عن متحف السينما الدولي يلماز كوناي ذا قيمة عالمية وبالتالي قاموا بتعليق صورته على جدار ذلك المتحف. شارك في 120 عملاً سواء إخراجاً أو تمثيلاً أو كاتب سيناريو.
وسنأتي على ذكر بعضها لاحقاً.
أهم مؤلفاته، كتبه ورواياته:
منها:
الموت يناديني
ثلاث حقائق للظلم الإجتماعي
ماتوا ورؤوسهم محنية حازت هذه الرواية على جائزة أورهان كمال عام 1970 وهي أرفع جائزة أدبية في تركيا، وهي روايته الأولى، والتي تشابكت خيوطها الأولى في رأسه في منفاه الأول إلى قونية
وتجدر الملاحظة بأن هذه الرواية مترجمة إلى اللغة العربية.
المتهم
غرفة سجني أو (حجرتي)
صالبا وهي من أهم روايات غوناي والروايات العالمية الخالدة (مترجمة أيضاً إلى العربية) نشرها في عام 1975 وقيل أنه رشح بسببها إلى جائزة نوبل
وله الكثير من الكتابات الأخرى منها الأدبية ومنها السياسية، وكتب عشرات السيناريوهات..
ساهم في تأسيس المعهد الكردي في باريس والموجود إلى الوقت الحالي، وكان من أعضاء الهيئة الإستشارية لمجلة “دراسات كردستانية” التي كانت تصدر من نفس المعهد بأربع لغات وتضم في هيئتها الإستشارية مجموعة من كبار المثقفين في العالم.
أهم أفلامه:
سيد خان وهو فيلمه الأول والذي لاقى نجاحاً منقطع النظير كما ذكرنا
نوري البرغوث الذئاب الجائعة اليأس المر القلق المرثية الهدف الثابت النهر الأحمر أنا أعيش كلما إزددت موتاً الصديق الطريق (جائزة السعفة الذهبية) قانون الحدود القطيع القاتل الضحية الجدار (أخرجه في فرنسا وهو فيلمه الأخير) القبيح الأمل … إلخ
أهم الجوائز التي حصل عليها:
في عام 1967 : جائزة أفضل ممثل لدور الرجال في فيلم (قانون الحدود) في مهرجان أنطاكية.
في عام 1969 : الجائزة الثالثة عن فيلم (سيد خان) في مهرجان أضنة وجائزة أفضل ممثل لدور الرجال في فيلم (سيد خان).
في عام 1970 : جائزة أحسن فيلم عن فيلمه (الأمل) وجائزة أفضل ممثل لدور الرجال في نفس الفيلم وجائزة أفضل كاتب سيناريو للسنة. كذلك جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثل لدور الرجال عن فيلمه (القبيح) في مهرجان أنطاكية.
في عام 1971 : الجائزة الأولى لمهرجان أضنة عن فيلمه (المرثية). الجائزة الثانية عن فيلمه (الأمل). الجائزة الثالثة عن فيلم (اليأس) جائزة أفضل كاتب سيناريو للسنة، وجائزة أفضل مخرج للسنة أيضاً وجائزة أفضل ممثل عن دور الرجال.
في عام 1972 : الجائزة الأولى عن فيلم (الأب) في مهرجان أضنة، وكذلك جائزة النقاد في نفس السنة عن نفس الفيلم، كذلك جائزة أفضل ممثل لدور الرجال عن نفس الفيلم أيضاً.
جائزة الحكام الخاصة عن فيلم (الأمل) في مهرجان غرينول العالمي.
جائزة النقد العالمي عن فيلم (المرثية) في مهرجان فينيسيا الدولي.
جائزة أورهان كمال عن روايته (ماتوا ورؤوسهم محنية) وهي أرفع جائزة أدبية في تركيا كما سبق وقلنا.
أعتبر كوناي في نفس السنة أفضل شخصية فنية في تركيا لإبداعه الفني نتيجة الإستفتاء الذي أجرته مجلة (ملييت) من بين 25 شخصية أدبية وفنية وعلمية.
في عام 1975 الجائزة الأولى عن فيلم (القلق) في مهرجان أنطاكية والجائزة الثانية عن فيلمه (الصديق) والجائزة الثالثة للمهرجان عن فيلمه (المشردون) وجائزة أفضل كاتب سيناريو للسنة.
في عام 1977 : الجائزة التقديرية عن مجمل أعماله في مهرجان برلين العالمي.
في عام 1979 : جائزة الفيلم الكاثوليكي العالمي،
جائزة مهرجان الفيلم العالمي. جائزة الحكام الكبرى. جائزة الفهد الذهبي. جائزة التفاحة الذهبية
جائزة الوثائق السينمائية البلجيكية عن فيلمه (القطيع).
في عام 1980 : جائزة أكبر الأفلام طرافة وتخيلاً عن فيلم (القطيع) في لندن.
جائزة فيمينا عن فيلم (القطيع) في بلجيكا.
الجائزة الكبرى عن فيلم (القطيع) في مهرجان فالنسيا.
في مهرجان برلين العالمي نوه الحكام بقيمة كوناي الفنية خصوصاً عن فيلمه (العدو).
في عام 1981 : جائزة أفضل كاتب سيناريو عن فيلم (العدو) في مهرجان أضنة.
جائزة (كران بير) عن فيلم (القطيع) في مهرجان لوكارنو الدولي الثالث والثلاثون.
عام 1982 : توَّج كوناي مسيرته الفنية بجائزة (السعفة الذهبية) في مهرجان (كان) الدولي الخامس والثلاثون عن فيلمه العظيم (الطريق) مناصفة مع المخرج اليوناني الكبير كوستا غافراس، والأخير عن فيلمه (المفقود).
هكذا حصل يلماز كوناي على أرفع الجوائز على الرغم من حياته القصيرة (47 عاماً) والمليئة بالعذاب والألم والمطاردة والسجن والإعتقال والنفي فأوصله عناده وإرادته الفولاذية وثقته بنفسه إلى شخصية عالمية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
كوناي في رسالة إلى زوجته من السجن:
” حبيبتي، لم تكتب لنا الحياة بأن نعيش عيشاً كريماً في أمن واستقرار، وذلك لسبب بسيط هو أننا نشعر بأحزان الآخرين ونعتبرها آلامنا وأحزاننا، وإننا نتألم لمآسي أناس لم نراهم قط ، إن دموعهم تمزق أكبادنا لقد ذرفنا الدموع حتى على القطط وحمينا الطبيعة وأعشاش العصافير، فكم هو جميلٌ يا حبيبتي أن نشارك آلام ومآسي الآخرين وكم هو عظيمٌ أن تساعد أناساً للتخلص من المشقات، لقد تألمت كثيراً في حياتي وذقت العذاب بما فيه الكفاية، ولكن كم هي حلوة وجميلة هذه الحياة. حبي الآخرين وساعديهم واجعليهم يحبونك أيضاً، لا تيأسي من الحياة بل لا تجعلي الفرح يفارقك. جابهي آلامك ومآسيك في هذه الحياة بالفرح والسرور”.
تأثير السجن على حياة يلماز كوناي:
كانت حياة كوناي مليئة بالمعاناة والصعاب، كان فقيراً، شقياً، تنقل في الكثير من الأعمال والمهن المتعبة كما ذكرنا حتى شبَّ عوده وتفتحت عيونه على مآسي الحياة وقساوتها. من حصيلة عمره القصير (47) عاماً قضاها متنقلاً من سجن إلى سجن ومن منفى إلى منفى، منها (14) عاماً سجناً.
ففي الثامن والعشرون من كانون الثاني عام 1958 حكمت عليه المحكمة الجنائية بالسجن مدة سبعة أعوام ونيف بتهمة الدعاية للشيوعية، حيث إدَّعت المحكمة أن الدعاية للشيوعية تحتويها قصته “ثلاث حقائق للظلم الإجتماعي”، ثم أخلي سبيله.
أما في كانون الأول من عام 1960 أصدرت محكمة الإستئناف بحقه حكماً مدته ثمانية عشر شهراً يقضيها في السجن وستة أشهر في المنفى حيث مدينة قونية وذلك تحت المراقبة الأمنية، كتب فيها روايته الكبيرة “ماتوا ورؤوسهم منحنية” كما سبق وذكرنا.
في السابع عشر من آذار عام 1971 زج بكوناي مرة أخرى في السجن وحكمت عليه المحكمة بالسجن عشرة أعوام وذلك بتهمة مساعدة الطلاب الفوضويين.
أما في عام 1974 رموا بكوناي إلى السجن للمرة الثالثة وفي هذه المرة لفقوا ضده تهمة قتل قاض في أضنة، وكان ذلك القاضي من المجموعات الفاشية والمتطرفة، حيث أهان كوناي. وكان تسع وثلاثون من أصل أربعين شاهداً أدلوا بشهادتهم بعدم إرتكاب كوناي جريمة قتل القاضي، واحد فقط شهد ضده.
في لقاء بينه وبين عرفان رشيد يسأله الأخير :
سؤال أخير هل قتلتَ أحداً في حياتك؟
يرد كوناي “أبداً”.
كانت مجموع الأحكام الغيابية الصادرة بحق كوناي قد تجاوزت مئة سنة.
هكذا إنتقل كوناي من سجن إلى آخر، سجن أوبتاشي، سجن سليمية، سجن إمرالي، سجن إسبارطة…
لكن كل هذه السجون وكل هذا العذاب لم تستطع أن تثني من إرادته وعزيمته، بل بالعكس تماماً فقد خلقت منه رجلاً عنيداً، صلباً، صبوراً، واثقاً من نفسه لم ينكسر ولم ينهزم أبداً وظل يتابع نشاطاته الكتابية والسينمائية خلف القضبان، وأكبر مثال على ذلك أنه كتب سيناريو أشهر أفلامه (الطريق) الحاصل على السعفة الذهبية في مهرجان “كان” السينمائي في فرنسا وهو قابع خلف القضبان وذلك بإرسال قصاصات صغيرة إلى صديقه شريف كورين مع الإرشادات والنصائح اللازمة بكيفية إخراج وصنع الفيلم وكان كورين صادقاً في التعبير عن إرادة كوناي.
والجدير بالملاحظة أيضاً أن كوناي هو الفنان الوحيد الذي أخرج وكتب وأنتج هذا الكم الهائل من الأعمال العميقة بنظرة فنان مبدع تجاوزت رؤيته العصور وهو قابع خلف قضبان السجن.
قصيدة (الطريق) للشاعر الكردي الكبير شيركو بيكس عن كوناي:
من ديوان (مرايا صغيرة) المترجم إلى اللغة العربية.
الطريق
ذات يوم
ولدت الأرض بركاناً
ومن البركان ولدت كردستان
وكردستان خلفت إبنها “آرارات”
ومن “آرارات” ولد الكرد
ومن الكرد ولد توأمان:
القهر والتحدي
ومنهما
ولد طريق يلماز كوناي.
بعض ما قاله كوناي:
” لقد كان والدي بإستمرار يقول بأن حلمي الوحيد أن أغادر هذه البلاد وأتخلص من هذه المعيشة الدنيئة. في البداية لم أفهم مغزى كلامه، ولكن فيما بعد أصبح كل شيء واضحاً لدي. فأصله الكردي كان في كثير من الأحيان مصدر لشقائه وكبريائه، مما كان يفرض عليه الرحيل من تلك الأماكن الغريبة. وفي حالات الغضب والإنفعال كان يغني الأغاني الكردية، هذا السر أيضاً فهمته فيما بعد، فالأغاني الكردية كانت تهدئ أعصابه، حيث كان يفرغ كل ما في داخله من شجون وعذاب عبر تلك الأغاني”.
” الغربة بالنسبة لي هي ذكرى وعشق، أحجار، أشجار، طيور وتراب وطني”.
” أن مشتاق إلى وطني، وهذا يؤلمني… محروم من الكفاح الحار الذي يجري هناك… أريد المشاركة فيه… وأن أكون جزء منه”.
” .. السينما يجب أن تستمر بالنضال كالفنون الأخرى.. وأنا أعتبر أن أفلامي مناضلة”.
بعض ما قيل عنه وعن أفلامه:
” إعتبرتُ فيلم (الأمل) نادرالوجود، حقيقياً، شاعرياً وليس نسخة من أفلام أوربا وهوليوود”.
إيليا كازان
” أبطال كوناي لا يمكن نسيانهم، الفيلم يظهر فيما إذا كان الأمل قد أصبح بالنسبة لهم مشاعر غريبة أو مضحكة”.
إيليا كازان
” يعتبر يلماز كوناي من مخرجي العالم العظام”
فالنتينا كالدياجينا
” يلماز، يلماز الشرق لا يلتوي / الغرب يلماز، الشمال يلماز / يلماز، يلماز كوناي / شبابنا لا يخاف، شبابنا لا يهاب”.
أغنية عن كوناي
” نجاح كوناي هو عيشه داخل الشعب وليس إلى جانبه. فكل ما صوره يعتبر وثيقة وشاهد حي على فقر وتخلف واستعباد الشعب الكردي، مصدر قوة أفلامه هو تصوير الواقع المعاشي بحقيقته المرة، ما كان يصوره كوناي ويعرضه يبدو للمشاهد الغربي أحلاماً مخيفة، ولكن وللأسف الشديد كان ذلك واقعاً وليس خيالاً، الصفة الملازمة لأعمال كوناي والتي تدل بدون جدال على عبقرية خالصة هي توافقه الممتاز بين الجانب الوثائقي والروائي في الفيلم “.
ديميتري زانياكيس
وللحقيقة هناك آلاف الكتابات والأراء القيمة حول كوناي وسينماه وكتاباته، أردتُ أن أذكر بعضها فقط حسب المصادر والمعلومات القليلة المتواجدة عندي.
هروب كوناي ونهاية أسطورته:
في أثناء صعود الفاشية إلى الحكم في تركيا بإنقلاب كنعان إيفرين العسكري عام 1980 وبعد فقدان الأمل بالخلاص وبعد أن تأكدت لديه المعلومات بأنهم يودون التخلص منه، وكان وقتها يقضي حكماً مدته 19 عاماً، يقرر كوناي الهرب من السجن مستغلاً إجازة عيد الأضحى في عام 1981 ويصعد متن قارب صغير متوجهاً إلى اليونان فاستقبلته وزيرة الثقافة اليونانية آنذاك (ميلينا ميركوري) بحفاوة كبيرة. ومن اليونان يتوجه إلى سويسرا التي رفضته ومنها إلى باريس مختفياً عن أعين المخابرات التركية التي لاحقته وطالبت الحكومات الأوربية بتسليمه بعد أن جرد من الجنسية التركية حتى وافته المنية في باريس في التاسع من أيلول عام 1984 بمرض السرطان ودفن في مقبرة العظماء جنباً إلى جنب مع ألفريد دوموسيه وبودلير والمبدعين الفرنسيين العظام. خاتماً بذلك أسطورته الفذة.
قفلة صغيرة:
في مقهى صغير قريب من نهر الراين في مدينة بون سألته.. وكان صديقاً قديماً لكوناي، ماذا لو لم يمت كوناي باكراً؟
أجاب بحماس: لتحررت كردستان!
هل كان مبالغاً حقاً؟[1]