=KTML_Bold=خالد خليفة «العربيُّ الكرديُّ» وهَجّاء الكراهية والموت=KTML_End=
جريدة الوحدة*
عن عمر ناهز /59/ عاماً توقف قلب الروائي السوري المعروف خالد خليفة في مدينة دمشق يوم 30-09-2023م. وبرحيله فقدت الساحة الأدبية السورية أحد أبرز كتّابها المعاصرين، وفقدنا صديقاً نبيلاً وسوريّاً أصيلاً.
خالد من مواليد قرية مَريَمِين شمال حلب عام 1964م، بدأ بكتابة الشعر مطلع حياته الجامعية في حلب، إلّا أنه سرعان ما تحول لسيناريست في مطلع التسعينيات، ومن أشهر أعماله في هذا المجال مسلسل سيرة آل الجلالي، الذي يتناول البيئة الاجتماعية في مدينته حلب. وظلّ مسكوناً بأجواء مدينة حلب التي كانت موضوعاً لأعمال أدبية عديدة له، فروايته الأشهر «مديح الكراهية» التي نال عليها جوائز أدبية عديدة، وترجمت لعدد من اللغات الأجنبية، تصف أجواء الكراهية والعنف التي تفجّرت في حلب في الثمانينات جرّاء الصراع العنيف بين السلطة والإخوان المسلمين؛ أجواء الرواية تمتد ما بين أعوام 1963 و2005م. وبالنسبة لخالد «هذه السنوات هي ما صنعت سوريا التي عشناها، أو التي عاشها أبناء جيلنا وهي التي تغيرت فيها أحلام السوريين كثيراً من الرغبة في بناء بلد ديمقراطي معاصر ومنفتح على كل الثقافات المحلية والعالمية إلى بلد مغلق، مقموع ومحكوم بثقافة الحزب الواحد وأيديولوجيته المنافقة».
بعد انطلاق الاحتجاجات في سوريا عام 2011م تعرض لاعتداء من جانب الأجهزة الأمنية في دمشق التي كان قد انتقل إليها منذ أواخر التسعينات، وكُسرت يده أثناء مشاركته في تشييع إحدى الجنازات.
في الأعوام الأخيرة عاش متنقلاً بين دمشق واللاذقية مع سفر متقطع إلى الخارج، مع إصرارٍ على البقاء داخل سوريا «إذا اضطرتُ للهجرة سأموت… أريدُ أن آخذ حصّتي من العار، حصّتي من هذا الألم، أريد أن أراها، أن آخذها، لا أريد لأحد أن يحدّثني عن ألم شعبي…» كان يقول خالد.
في العام 2016 نشرَ روايته «الموت عمل شاق» التي تحكي مجريات نقل جثّةَ رجل توفي في دمشق وتنفيذاً لوصيته يقوم أبناؤه بنقله من دمشق إلى مسقط رأسه في قرية العنّابية شمال حلب. ومع تقطّع أوصال البلد وانتشار الحواجز العسكرية يعاني الأبناء من صعوبة إيصال جثة والدهم، حتى أن أول حاجز للجيش السوري اعتقل الجثة لبعض الوقت على خلفية موقف المتوفي المعارض للنظام، ومع مسيرة عدة أيام تتفسخ الجثة وتتعرض الحافلة لهجوم الكلاب. وفي إحدى الحواجز قرب حلب تعتقل جماعة إسلامية متطرّفة أحد الأبناء لإخضاعه ل»دورة تأهيل ديني»، إلى أن تتمكن العائلة من إيصال الجثة إلى العنّابية بمشقّة بالغة تختصر أحوال البلد الذي تمزّقه الحرب والعنف والكراهية.
كان خالد مدركاً لواقع التعدد الإثني والديني والطائفي في سوريا والمنطقة، ومستوعباً لها في أدبه وفي حياته. عايش الكُرد عن قرب، من مسقط رأسه في قرية مريمين في ريف عفرين وقراها التي أحبّها ومدرجها الروماني وقرية براد التي كانت حاضرة في روايته «لم يُصلّ عليهم أحد»، ثم في مدينة حلب ومشاركته في نشاطات ثقافية كردية داخل وخارج سوريا. وقد انضم أحد أخوته لصفوف الحركة التحررية الكردية في تركيا واستشهد هناك؛ « أشعر بأنني كردي مثلما أشعر بأنني عربي وبإمكاني أن أجمع بين الثقافتين فأكون سوريّاً، وهذا هو جوهر سورية وحقيقتها وقدرها كما أراه» يقول خالد في ملتقى مع أدباء ونقاد في زيوريخ السويسرية، ولطالما أبدى لأصدقائه تحسّره على ما حلّ بعفرين جرّاء الاحتلال التركي.
رحل خالد بصمت في دمشق ودُفن فيها يوم الاثنين 20-10-2023م محاطاً بالعشرات من أصدقائه وأحبابه، وبحشد من الجماهير التي ودعته بالدموع والتصفيق، دون حضورٍ رسمي.
هل أدرك خالد مشقّة نقل جثته من العاصمة دمشق إلى قريته مريمين الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي وميليشياته، الذي فتك بملاعب طفولة خالد من مريمين إلى قيبار إلى عفرين وآثارها وزيتونها وغاباتها، فلم يوصي بدفنه بجوار أمّه كما كان يتمنّى، وكما فعل بطل روايته «الموت عمل شاق»، سيما وأن الحافز لكتابة هذه الرواية كان تعرّض خالد خليفة لنوبة قلبية في دمشق وتساؤله عن مصير جثته إذا ما مات في هذه الظروف؟ حقاً إن الموت عمل شاق في سوريا!
* جريدة الوحدة – العدد /344/- 18-12-2023م – الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).
[1]