العفلقية المتجدّدة.. ردّ على د . خالد المسالمة “القسم الثالث”
الكاتب والباحث السياسي الكوردي وليد حاج عبدالقادر
في متوالية الأزمة السورية وبتماسٍ مباشر مع هيمنة الحلول الإلغائية بمفهوميها العسكري والسياسي بين النظام من جهةٍ، والمعارضات المتعدّدة والمختلفة جميعها – النظام وبينيات المعارضات المختلفة – والتي تتّفق في وعلى أمرٍ واحد ؟ وهو موقفها من القضية الكوردية ، أمرٌ يثير الدهشة والاستغراب بالفعل ؟ والأهمّ هنا بشكلٍ خاص حينما تصل الأمور بالمعارضات بدل أن تسعى لإيجاد حلولٍ جذرية لهذه القضية ؟ فإذا بها تبحث عن أصول الكورد ؟ و هل هم عربٌ واستكردوا ؟ ووهم كما خيالية كوردستان ؟ و .. الكورد هم عبارة عن مجموعات هجروا قسرياً الى سوريا بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران ؟ حدود سوريا الطبيعية تمتدّ إلى أعالي طوروس ؟ جملة أسئلةٍ متداخلة تتراكم في ذهنية أولئك الذين لا يزالون يعيشون في شرنقة التطويب القومي ، وفي تجاهلٍ عملي – للتناقض – الذي يمارسونه ؟ ومن أكبر السخريات ! ما يصرّ عليه بعضهم حول نسبة الكورد في سوريا والتي لا تتجاوز في قامشلو 23 ٪ وفي عموم سوريا أقلّ من 08٪ وللأسف فإنّ بعضهم يحسبون أنفسهم على – المعارضة ! – ولهؤلاء أقول بعد إحالتهم إلى البرامج التدريسية السورية حتى أواسط الستينيات من القرن الماضي وكمثالٍ في كتب الجغرافيا حينما كان عدد سكان سوريا 6 ملايين كان عدد الكورد 250 ألف – عدا المجرّدين من الجنسية أي أنّ نسبة الكورد كانت تقارب 24٪ .. إنّ معضلتنا مع هكذا عقولٍ هي مهمة صعبة ولكنها تتقدّم ببطئٍ شديد ، وانْ كانت لا تزال تُمزج بخلطة مواطنات لاتزال مبهمة تحت بند – مثلنا مثلكم – و .. علينا ألا نتجاهل مأزقنا – كوردياً أيضاً – وذلك في نقطتين الأولى : عقدة الدونية كنتاجٍ لرهاب صناعة أكثريةٍ تحكّمت عبر أجهزتها القمعية ، والثانية : تشتت القرار السياسي الكوردي وعدم وضوح الرؤية المشتركة كورقةٍ يؤسّس عليها أي مشروع حلٍّ ، والأدهى استرخاص الأطراف الكوردية لبعضها البعض ، وبناءاً على تلك الإقرارات تمّ بناء تصوّراتٍ ارتقت إلى فرماناتٍ وبات مطالبة الكوردي للمواطنة وحقّ الانتماء جريمة ، وهنا وكمثالٍ :
في عام 1992 وفي اليوم الأول لاعتقالي وأثناء جلسة تحقيقٍ قادها ضابط الأمن السياسي العقيد علي مخلوف سيء الصيت واللسان ومعه المساعد أبو يوسف في شعبة الأمن السياسي بالقامشلي ومع سيل الشتائم وأساليب التعذيب والتهم لمجمل الحركة الكوردية منها السعي لاقتطاع جزء من أراضي سوريا وتركيا والعراق وإيران وتشكيل دولة كوردستان الكبرى .. أجبته بأنه لا أساس لهذا الكلام وأنّ النداء الذي وزِّع وانا موجود بسببه هنا يطالب بإعادة الجنسية السورية لمَنْ جُرِّد منها ولو كان الأمر مثلما تقوله لكنا فعلنا مثل أهلنا في الجولان الذين يتظاهرون رفضاً للهوية الإسرائيلية ( كانت هناك اعتصامات ومظاهرات في الجولان حينها ) وليقاطعني بشدةٍ وهو يقول : ( ولاااا حقير عمتشبهنا بإسرائيل ؟ خذوا الحقير وأدّبوه ) ، وهذه وصلتنا إلى الشام والفيحاء ومنها عدرا ومتواليات جلسات محكمة أمن الدولة .. هي ذات العقلية برغم المخاض الدامي لعموم خارطة سوريا سايكس بيكو .. وفي عودةٍ إلى الموضوع وللتسلسل الزمني بمعطياته التاريخية وكمدخلٍ رئيسٍ لنتاجات سايكس بيكو من التطرّق ولو بعجالةٍ الى المسألة الشرقية ، والتي وجٍدت بالأصل كنتاجٍ لصراع الدول الأوروبية فيما بينها على أملاك الدولة العثمانية والتي انهكتها الصراعات في أواخر عهدها ، فكان لابدّ لها من الحوار منذ القرن ال 18 وال 19 ومطلع القرن ال 20 حول مصير ومستقبل تلك المناطق ، وبدا الملمح الجغرافي يتحدّد بدءاً من اليونان وثورتها ضدّ العثمانيين ولتغطّي شبه جزيرة القرم ( المتأزّمة بقوة حتى اليوم بين أوكرانيا وروسيا ) وكانت صربيا العنوان الأضخم للصراع في المسألة الشرقية ، والتي عدّت – ربما – أيضاً حروب وتفكيك دولة يوغسلافيا ، بداية التنشيط لتفكيكٍ تجريبي أنموذجي ، والتي – حتى زمنياً – كانت اقتربت من مئوية سايكس بيكو .. ورافق ذلك ملاحظة النشاط الواسع في التمدْد الجغرافي لتنشيط الأزمة ، ولتغطّي مساحاتٍ من آسيا وشمال أفريقيا والسودان مروراً بالصومال حتى جنوبي جيبوتي ومضيق باب المندب ، ومعها بالتأكيد كامل ساحلي بحر الأحمر والمتوسط ومحيطي الهندي والأطلسي في بعضٍ من أجزائه …. 1
وبإيجازٍ في هذا الجانب ، فقد انجزت المسألة الشرقية وتفاعلاتها قبل ومابعد الحرب العالمية الأولى مهمة تفكيك السلطنة العثمانية وأظهرت خرائط جغرافية جديدة حملت بجينات تشظٍّ عديدةٍ ، ..
ومن جديد .. ( .. وأصبحت بروفا التجربة اليوغسلافية العنيفة والتفكيك الذي حصل على انقاض مجازر وفظائع كبيرة ، واحدة من النماذج الهامة ، هذا الملمح الذي لربّما اصبح – الحافز – الرئيس في محاولة استنساخ تجربة وإنْ اختلفت عن النسخة الأصلية ، والتي يمكن تطويقها في بند وبعنوانٍ صريح لها ب – الاستدراج الممنهَج – وأيضاً كحالةٍ مطابقةٍ لما تمّ عليه في استدراج محمد علي باشا وحملته المشهورة على بلاد الشام في استهداف سكتت عليه أوروبا حتى باتت اسطنبول مهدّدة بالسقوط فعلاً ، وكذلك مناوشات واستقطاعات روسيا المتتالية في الشمال وأوروبا .. ) 1 ، كلّ هذه المقدّمات التاريخية ، تذكّرنا ووفق خصوصية كلّ مرحلةٍ تاريخية ، بما يجري على خارطة المنطقة منذ عقودٍ ، من ثوراتٍ لقومياتٍ ظلمتها الاتفاقات والتقسيمات الخرائطية ، أو دول لاتزال تعيش أوهامها التوسعية الامبراطورية والتي لاتزال خرائطها القديمة منهجاً رئيسياً في تربيتها القومية لأجيالها ، وكأنموذجٍ لذلك ايران وتركيا .
يقول بعض من سدنة الفكر العفلقي إنّ الكورد نزحوا من تركيا بعد إخفاق ثورة الشيخ سعيد سنة 1925 ومن ناحيةٍ أخرى يقولون في معرفاتهم الجغرافية بأنه حتى جبال طوروس هي من سوريا الطبيعية ؟ إذن لماذا تحسبونهم مثل الشركس والأرمن والآشوريين ؟ في حين أنهم يتكاسلون حتى في العودة إلى توزع وامتدادات الولايات العثمانية وتداخلاتها وعلى سبيل المثال :
ناحية آليان – وهي في الواقع منطقة شاسعة في الجزيرة السورية – كانت تابعة للواء ماردين في العهد العثماني، ثم أصبحت تابعة لقضاء دجلة في العهد الفرنسي، وبعد الاستقلال، نقلت إلى تل كوجر لأسبابٍ سياسية، وبسبب بُعدها عن منطقة آليان طلب إسماعيل مرعي آغا بنقلها إلى جل آغا كنقطة وسطٍ في المنطقة . 2
وفي العودة إلى هذه الدول المصطنَعة والتي لم يكن لها وجود فى الأمبراطورية العثمانية ، حتى على شكل ولايات أو وحدات إدارية – جغرافية منفصلة . فعلى سبيل المثال ، كانت المساحة التى تشغلها سوريا حالياً مقسّمة .إلى أربع وحداتٍ إدارية منفصِلة تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الواضحة بين مكوناتها . وبعد الاحتلال الفرنسى في العام 1920 ، تمّ توحيدها كمحميةٍ فرنسية واستقلّت فى عام 1946 ، رغم وجود تناقضاتٍ كثيرة فيها ..
أما لبنان فإنه ، خليط صاخب من المسلمين الشيعة والسنة والمسيحيين المارونيين و الدروز والأرمن والكورد وغيرهم ، ويعيشون فى جيبٍ لا تتجاوز مساحته 10 آلاف كيلومتر مربع ، و يحاولون حلّ ما لا يمكن حلّه وهو تقاسم السلطة في ما بينهم 3 .
ويعتقد عدد كبير من المؤرِّخين و الباحثين و المفكّرين من جنسياتٍ مختلفة ، أنّ خارطة الشرق الأوسط الحالية بحاجةٍ الى تصحيح ، وأنّ الأحداث العاصفة التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة وتداعياتها المتسارعة ، قد تؤدي الى إعادة رسمها من جديد ، بما يرفع الظلم الذى وقع على الشعب الكوردي .
بالرغم من خياراتهم المرنة في التعاطي مع الجغرافيات القديمة ولكن بخيارات إقرار وتساوٍ جمعي ، وفي العودة إلى وقائع مرحلة انحدار السلطنة نحو الانحدار وأسبابها ، سنلاحظ وبوضوحٍ ما لعبته البعثات التبشيرية من دورٍ في تأليب غالبية الشعوب التي كانت منضوية في السلطنة العثمانية ، وعن طريق بعض القنصليات وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأمريكية، وصولاً إلى الانفجار السياسي بعقد اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916 والتي حطّمت آمالاً عديدة في المنطقة من بينها الكوردية أيضاً . وفي العودة إلى معظم الدول التي تشكّلت ومنها العربية فى المنطقة ، سنرى أنها كيانات سياسية ، ظهرت إلى الوجود فى خارطة العالم ، ليس كنتيجةٍ لعمليات ديموغرافية طبيعية ، ولم تكن تعبيراً جغرافياً لما هو موجود على أرض الواقع ، بل فُرضت بالقوة ، بعد انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى وانهيار الأمبراطورية العثمانية ، حيث قام اللاعبان الرئيسيان فى المنطقة وهما بريطانيا وفرنسا برسم خارطة الشرق الأوسط وتشكيل دول جديدة ورسم حدودها ، بما يضمن مصالحهما فى المقام الأول ، دون الأخذ بالاعتبار التمايز الأثني و الديني والتأريخي والثقافي لشعوب المنطقة ، حيث تؤكّد المعطيات بأنه بعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب، وقّع العثمانيون معاهدة مودروس مع الحلفاء يوم 18-10-1918 م.
و نصّ القرار السادس عشر من المعاهدة استسلام الجيش العثماني في دول المشرق واليمن والحجاز لكنّ المعاهدة لم تحدّد الحدود الجنوبية للدولة العثمانية و التي شهدت تحولاتٍ ومتغيّراتٍ متسارعة جداً ، كانت مقدمات
مهّدت للتشكّلات الدولانية الجديدة على طول الحدود الجنوبية للسلطنة العثمانية والتي أقرّت حينها باستقلال كلّ المجموعات غير التركية . ويُلاحظ ذلك من خلال مقدّمات الثورة العربية وتفاهمات الشريف حسين وبريطانيا من خلال الرسائل المتبادلة مع مكماهون ،وكذلك لقاءات فيصل وكليمنصو . وما يهمّ من تلك المراسلات و الاتفاقات في جانبها الكوردي ، حيث ورد في رسالةٍ من الشريف حسين إلى مكماهون في 14 يوليو سنة 1915 الحدود : بالتوافق مع برتوكول دمشق فالمطلوب “اعتراف إنجلترا باستقلال الدول العربية والتي يحدّها من الشمال مرسين وأضنة إلى خط عرض 37 والذي تقع عليه بيره جيك وأورفة وماردين ومديات وجزيرة ابن عمر [قرب دياربكر التركية حالياً] والعمادية وصولاً إلى حدود فارس [أي كامل قيليقية (راجع الأقاليم السورية الشمالية)]، ومن الشرق حدود فارس حتى خليج البصرة [الخليج العربي]، ومن الجنوب المحيط الهندي باستثناء موقع عدن للإبقاء عليه كما هو، ومن الغرب البحر الأحمر والبحر المتوسط حتى مرسين.”.
الرسالة الاولى من الشريف حسين
ردّ مكماهون في 24-10-1915الحدود : تمّ الاعتراف بأهمية الاتفاق على الحدود، حيث أنّ “مقاطعتي مرسين وأضنة وأجزاء من سوريا التي تقع غرب مقاطعات دمشق وحمص وحماة وحلب لايمكن القول إنها عربية تماماً ويجب أن تُستثنى من الحدود المطلوبة. أما عن المناطق الواقعة داخل هذه الحدود فيحق لبريطانيا العظمى التصرف [أي المفاوضة] فيها دونما ضررٍ بمصالح حليفتها فرنسا. إن بريطانيا العظمى جاهزة للاعتراف ولتأييد استقلال العرب في جميع المناطق داخل الحدود التي طلبها شريف مكة.” وكان رد حسين إلى مكماهون، في 5 نوفمبر 1915″ : ولايتا مرسين وأضنة” تسهيلاً للوفاق نترك الإلحاح في إدخالهما
وحاء رد مكماهون إلى حسين في 14-12-1915″ولايتا مرسين وأضنة”: اتفاق معترف به . ( أي خارج الدولة العربية ) . 4
يتبع
……
هوامش :
1 – إعادة انتاج المسألة الشرقية .. مقال لي منشور بمواقع عديدة
2 – نقل موثق عن الكاتب فرحان مرعي من ملاكي – ديرونا آغي – مقر الناحية
3 – موقع نون بوست .. احمد التلاوي .. سايكس بيكو .. 16-05-2016
4 – مراسلات حسين مكماهون – ويكيبيديا – حكومة المملكة المتحدة ..
[1]