(تركيا) ..... الى أين؟ (4)
د. مهدي كاكه يي
في البداية أحب أن أنوه، بأنه في المقالة الأولى من هذه السلسة من المقالات، في القسم الذي تحدثت فيه عن جنكيز خان قد وقعت فقرة عن طريق الخطأ، تتحدث عن إحتلال جنكيز خان لمدينة بغداد، بينما كان القصد هو هولاكو الذي إحتل بغداد و ليس جنكيز خان، حيث في نفس المقالة المذكورة تكلمت بإسهاب عن إحتلال هولاكو لبغداد. نبّهني الى هذا الخطأ القارئ العزيز الأستاذ Bawer Karman باور كارمان و ربما الإسم الثاني هو قارمان، حيث أقدم له شكري الجزيل لملاحظته القيمة. كما أعتذر لقُرائي الأعزاء عن وقوع هذا الخطأ. الأمانة العلمية و المصداقية تفرضان عليّ أن أدع القُراء المحترمين أن يكونوا على علم و بيّنة عند حدوث مثل هذه الهفوات.
الشعب الأرمني هو واحد من أقدم الشعوب التي عاشت في منطقة الشرق الأوسط. تقع أرمينيا الى الشمال من منابع الفرات عند بحيرة وان، حيث أنها تجاور كوردستان. إنتشر الدين المسيحي بين الأرمن منذ القرن الرابع الميلادي. اللغة الأرمنية تنتمي الى اللغات الهندو-أوروبية. الوثائق التأريخية تروي أن الأرمن، كانوا يشكلون إحدى المكونات الرئيسة للإمبراطورية العثمانية. في نهاية القرن التاسع عشر، كانت نفوس الأرمن تبلغ مليونين و مائة ألف نسمة من مجموع سكان الإمبراطورية العثمانية الذي كان يصل الى ستة و ثلاثين مليون نسمة و الذي يعني أن الأرمن، في ذلك الوقت كانوا يشكلون أكثر من 5.5% من نفوس الإمبرطورية العثمانية. كان الأرمن من المكونات الأكثر نشاطاً على الصعيدين الإقتصادي والثقافي في البلاد. بعد أن كان تعداد الأرمن عند نشوب الحرب العالمية الأولى أكثر من مليونين نسمة، بقي منهم اليوم في (تركيا) حوالي أربعة و ثمانين ألفاً، يعيش ثمانين ألف منهم في إستانبول والباقون يعيشون في الأقاليم الشرقية في الأناضول وكيليكيا. إن المسيحيين اليوم في تركيا يشكلون أقل من 1% من سكان (تركيا) الحالية، بينما كانت نسبتهم قبل الحرب العالمية الأولى في الكيان التركي الحالي أكثر من 30%.
من الأسباب التي أدت الى إبادة الأرمن أثناء حكم جمعية الإتحاد و الترقي التركية، هي الفكر العنصري و الطائفي الطوراني ضد الأرمن و تعاون الأرمن مع روسيا، حيث يجمعهم دين مشترك، و مساعي روسيا لضم أرمينيا الغربية (العثمانية) إليها و نشوء الحركة التحررية الأرمنية و تبني الدول الكبرى المسألة الأرمنية و إتصالات الأرمن مع تلك الدول و التي مهدت لبروز (مخاطر) إستقلال أرمينيا الغربية عن الدولة العثملنية.
المذبحة الأولى
حدثت ثلاث مذابح رئيسة بحق الأرمن من قِبل الأتراك، أو يمكن القول بأن المذابح الأرمنية تم تنفيذها بثلاث مراحل. المذبحتان الأولى و الثانية تمت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، بينما المذبحة الثالثة، التي تُسمى بالمذبحة الكبرى، نفذتها جمعية الإتحاد و الترقي.
أولى مراحل الإبادة كانت بين أعوام 1894 إلى 1896، حيث كان قد إشتد الفكر القومي العنصري المنادي بقيام أمة تركية في تلك الفترة. شنت قوات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني حملة إبادة على الأرمن بذريعة مطالبتهم الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية. تذكر المصادر الموثوقة أن المذبحة التي سبقتها عمليات تقتيل ضد الأرمن، حدثت في شهري آب وأيلول من عام 1894 في منطقة ساسون عندما أخذ الجنود والجندرمة وبعض الشقاة الذين إستأجرهم السلطان التركي يفتكون بالناس القاطنين في تلك المنطقة. بدأت المذبحة الأولى للأرمن في منطقة ساسون تحت شعار ساسون من دون ساسون أي أنهم يريدون أن تصبح منطقة ساسون خالية من الأرمن، حيث صرح الصدر الأعظم العثماني، كوتشوك سعيد حليم باشا بأن المسألة الأرمنية لا تُحل إلا بإزالة الأرمن من الوجود نهائياً. في تلك المنطقة، قام الأتراك بعمليات إبادة وحشية للأرمن، حيث أحرقوا أربعين قرية أرمنية. في قرية كليلوزان مثلاً، قام الأتراك بربط ما تبقى من الأرمن في القرية بعضهم ببعض، ثم قاموا برشهم بالنفط و أشعلوا النار فيهم. كانت حصيلة هذه المذبحة أكثر من عشرة آلاف أرمني في منطقة ساسون وحدها. في هذه الفترة هرب الكثير من الأرمن و تركوا المنطقة و قسم آخر منهم إعتنقوا الإسلام عنوة أو خوفاً للحفاظ على حياتهم. كما قام الجيش التركي بتدمير و إحراق ما يقارب ثلاثمائة و خمسين قرية أرمنية، وتحول الكثير من الكنائس إلى مساجد، كما يذكر الكاتب الأمريكي جورج هيبورث، خلال مشاهداته للمنطقة بعد عامين من حدوث هذه المجزرة.
المذبحة الثانية
المذبحة الثانية جرت أحداثها بعد سنة من المذبحة الأولى، ففي أيلول من عام 1895 بدأ رجال السلطان العثماني في العاصمة، إستانبول، يفتكون بالأرمن، حيث أُبيد خلال يومين خمسة آلاف و خمسمائة أرمني فيها. إنتقلت المذبحة بعد ذلك إلى مدن أرمينيا الغربية والمدن الأخرى التي كان يقطنها الأرمن، مثل مرعش و ديار بكر ومدن كثيرة أخرى غيرهما. في آمد ديار بكر، إستمرت المذبحة لثلاث أيام متتالية، حيث تم خلالها قتل حوالي ثلاثة آلاف أرمني، كما تم تدمير مائة و عشرين قرية و تم إغتصاب العشرات من النساء الأرمنيات في المدينة. كان القتلة واللصوص قد خصصوا يوماً واحداً من تلك الأيام الثلاث لنهب المتاجر والحوانيت العائدة للأرمن. في مدينة سيواس، تم ذبح أكثر من ألف أرمني بالساطور وقضبان الحديد والعصي الغليظة والخناجر. شملت عمليات الإبادة وجرائم النهب والسلب والتخريب الوحشية مناطق أخرى يسكنها الأرمن، وتكررت في السنة التالية (1896) أيضاً. كما أنه تم قتل 150 أرمنياً في بتليس و بلغ عدد الضحايا ثمانية آلاف شخص في مناطق بامرة و دُمرت حوالى 2500 قرية في المنطقة. في عهد جمال باشا السفاح، في سنة ،1909 الميلادية، قام الأتراك بمذبحة في أضنة، راح ضحيتها ثلاثون ألف أرمني. المذبحة الثانية راح ضحيتها ما بين خمسين ألف إلى ستين ألف أرمني. مجموع ضحايا الأرمن من جراء المذبحتين الأولى و الثانية، التي تم تنفيذها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، بلغ حوالي ثلاثمائة ألف ضحية.
المذبحة الكبرى
جمعية الإتحاد والترقي هي أول حزب سياسي يقوم في الدولة العثمانية. تأسست في عام 1894 وإستلمت رئاسة الحكومة والسلطة الحقيقية قبيل سقوط الدولة العثمانية وقيام (تركيا) الحديثة. شاركت في الثورة المسلحة في تركيا عام 1908 ووقفت الحكومة العثمانية بقيادة هذا الحزب إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.
تفيد معلومات من مصادر تأريخية موثوقة بأن مجزرة عام 1915 (جرت هذه المذبحة في عامي 1915 و 1916) قد أُقرت في إجتماعين سريين عقداهما زعماء حزب الإتحاد والترقي في مدينة سالونيك (حالياً تابعة لليونان) في شهر آب من سنة 1910 وتشرين الأول من سنة 1911. تؤكد المعلومات أن حزب الإتحاد والترقي قد أقر، خلال إجتماع عام 1910 مبدأ سيادة العنصر التركي على الشعوب الأخرى غير التركية و وجوب تتريك جميع العناصر غير التركية عاجلاً أو آجلاً و عدم إمكانية تحقيق ذلك بالوسائل السلمية، بل يجب اللجوء الى إستخدام القوة للوصول الى هذا الهدف، بالإضافة إلى إقرار كافة الوسائل لتحقيق الهدف. في الإجتماع الذي عقده الحزب في عام 1911، قرر هذا الحزب البدء بإبادة الشعب الأرمني من بين الشعوب غير التركية.
السفاحان التركيان طلعت باشا وأنور باشا قاما بالإشراف على مجازر عام 1915 الدموية. في عام 1929، نشر رجل تركي يُدعى مولان زاده رفعت، الذي كان أحد زعماء حزب الإتحاد والترقي، كتاباً باللغة التركية عنوانه خفايا الإنقلاب العثماني، يتحدث فيه عن جانب من الإجتماعات السرية التي عقدها حزب الإتحاد والترقي في حينه. مولان زاده رفعت يكشف في كتابه هذا معلومات مهمة تتعلق بإبادة الأرمن، إذ يذكر في كتابه المذكور (نُشرت ترجمته العربية في بيروت في عام 1938)، أنه بناء على أمر من طلعت باشا وزير الداخلية التركي آنذاك، قرر زعماء الحزب المذكور بالإجماع إبادة الأرمن بشرط عدم الإبقاء على أرمني واحد في (تركيا). هذا الإعتراف يُثبت أن المذابح الأرمنية الرهيبة تم تنفيذها من خلال تخطيط مسبق و مدروس من قِبل جمعية الإتحاد و الترقي الحاكمة، المذبحة التي تنكرها الحكومات التركية المتعاقبة لحد الآن.
لكي يغطي هذا الحزب على ما سيرتكبه من مجازر، حاول زعماؤه تضليل الشعوب غير التركية (الأرمن والكورد والعرب واليونانيين وغيرهم) بشعارات الحرية و العدالة و المساواة و الإخاء. في هذا الوقت بالذات أقر زعماء الحزب مبادئهم التالية التي إتفقوا عليها بالإجماع:
1. حسب قوانين الطبيعة، يجب أن تكون الشعوب الأقل شأناً طُعماً للشعوب السيدة.
2. إن المذابح هي تعبير عن نُبل الغضبة ضد الشعوب التافهة بإعتبارها عناصر معادية.
3. لما كان قد تم إتخاذ قرار بشأنها، فإن خطة المذابح يجب أن تُنفّذ بالكامل من دون التأثر بأي أحد أو أية مشاعر أو أحاسيس، و أن هذه المذابح لا تُشكّل أية قسوة، وإنما هي تعبير عن جسارة روح العنصر السيد.
4. إن ذبح الشعوب هو ضرورة عسكرية دون أخذ الإعتبار للعمر أو الجنس.
5. إن ذبح أطفال شعب عدو هو وسيلة وقائية من أجل الحماية القومية.
6. إن هؤلاء الأطفال لا يستحقون العيش حتى في أرحام أمهاتهم، وهم عناصر عدوة لله.
7. إن إستمرار وجود الإمبراطورية يعتمد على قوة حزب الإتحاد والترقي و القضاء على جميع المبادئ المعادية.
ظل زعماء الحزب يتحينون الفرصة لتنفيذ مشروعهم العنصري و الطائفي، ولم تكن حروب البلقان التي وقعت بين عامي 1912 و 1913 مناسبة لبدء الإبادة الجماعية التي تم التخطيط لها، بسبب هزيمة الأتراك أمام دول اليونان وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود. هذه الهزيمة عمقت الرغبة في نفوس زعماء حزب الإتحاد والترقي في تطوير الحركة الطورانية الداعية إلى إقامة إمبراطورية واسعة الأطراف، تمتد من إستانبول حتى حدود تركمنستان وبلاد طوران في آسيا الوسطى و أن يتم التطهير العرقي للشعوب غير التركية و تتريكهم.
جاء في الفتوى الشرعي للدكتور حسن فهمي، الذي كان أحد الرجال البارزين في مجال الشريعة الإسلامية و أحد أعضاء اللجنة المركزية لجمعية الإتحاد و الترقي بحمد الله و عونه و على قاعدة كل مضر يَقتل و قياساً على ما ورد في حكم الشيخ السعدي عليه رحمة ربي المستعان أقول: ما دام قد تحقق ضرر الأرمن و ما داموا قد خرجوا عن سلطة جمعية الإتحاد و الترقي المقدسة و أرغموا صهر بطل الحرية سيادة أنور باشا على الفرار، لذلك يقضي الواجب بإفنائهم عن بكرة أبيهم، ما دام الضرر عاماً و حسب ما تقول القاعدة الفقهية: إنه يمكن إرتكاب الضرر الخاص كعقوبة للضرر العام فيكون بذلك من المستطاع قتل الشيوخ و الأطفال و النساء و الرجال جميعاً و إفنائهم.
يقول الدكتور ناظم، أحد قياديي جمعية الإتحاد و الترقي في إحدى جلساتها السرية، موجهاً سؤاله الى المجتمعين ما نصه: علينا أن نفكر جيداً لماذا قمنا بهذا الإنقلاب؟ ماذا كان هدفنا، هل من أجل الحصول على الكرسي و الرئاسة؟ لا أظن ذلك، كان من أجل إحياء الوجود التركي فقط. أيها الرفاق: أنا لا أريد إلا أن يعيش التركي فقط وحده فوق هذه البلاد، و أن يكون الحاكم المستقل، و ليمُت الجميع فيما عدانا، و المجد للعناصر التركية مهما يكن دينها و مذهبها، و لا توجد للدين أهمية عندي لأن ديني هو الطورانية و كفى.
بدأ تنفيذ المذبحة الجماعية الرهيبة بإعتقال زعماء الأرمن الدينيين في مختلف الأقاليم في بداية عام 1915. في نفس السنة، إعتقلت السلطات التركية في العاصمة إستانبول وفي الأقاليم الأخرى، ستمائة مفكر ومثقف أرمني من كُتّاب وشعراء ومحررين وأساتذة وأطباء وصيادلة ومحامين وشخصيات سياسية ودينية وأعضاء البرلمان العثماني وشخصيات قدمت خدمات كبيرة للإمبراطورية العثمانية، ثم تم نفيهم إلى مناطق مجهولة، ولم يُعرف عن مصيرهم شيئاً منذ ذلك الوقت.
الحكومة التركية، حسب تخطيطها المسبق لإبادة الأرمن وبشكل متزامن مع إعتقال المفكرين والشخصيات الأرمنية البارزة، قامت بعزل الجنود الأرمن وتجريدهم من السلاح وتشغيلهم بأعمال السخرة، حتى وصل الأمر إلى إجبارهم على حفر قبورهم الجماعية بأيديهم قبل قتلهم. هذه العمليات الوحشية إنتهت بمصرع مائة و خمسين ألف جندي وضابط أرمني في الجيش العثماني بوسائل بشعة، والقلة التي نجت من المذبحة أو الذين إختفوا منها بين أكوام الجثث، رجعوا إلى مدنهم وقراهم وشاركوا بأعمال التصدي للجيوش التركية التي إقتحمت مساكنهم و قراهم و مدنهم.
أعقبت ذلك عملية تهجير واسعة من الأقاليم الأرمنية إلى الصحارى العربية، تخللتها أعمال نهب وسلب و إختطاف وقتل وحشية قل نظيرها في التأريخ. قامت جمعية الإتحاد والترقي بإنشاء لجنة ثلاثية تتولى الإشراف على عمليات الإبادة اللاحقة. يذكر مولان زاده رفعت في كتابه المذكور عن هذه اللجنة بأنها أوكلت مهمة تنفيذ جرائم تهجير الأرمن و سلبهم و قتلهم أو تركهم يقضون نحبهم من الجوع والعطش و المرض، إلى القتلة المسجونين في المعتقلات التركية الذين تم إطلاق سراحهم بأمر اللجنة المذكورة و شُكّل منهم جيشاً قوامه يتراوح بين عشرة آلاف و إثناعشر ألف مجرم، مُقسّمين إلى مجاميع، كل مجموعة كانت تتألف من أربعين الى خمسين شخصاً، حيث إتخذوا مواقع لهم على جميع الطرق التي كانت سوف تمر منها قوافل المُهجّرين الأرمن ليقوموا بإبادتهم عند مرورهم بتلك الطرقات.
عندما كان الأرمن يهاجرون و يتركون مدنهم بأمر من الحكومة التركية، كانت العوائل التي تملك ستة أو سبعة أطفال، لا تستطيع أخذ جميع أطفالها فتضطر الى أخذ طفل أو طفلين فقط، تاركة الأطفال الباقين على الطرق الرئيسة وتحت الجسور مع قليل من الطعام وبين دموع الأطفال وصراخهم وبكاء الأمهات، يتم مشهد فراق مروّع و أليم.
في مدينة سيواس، إشترط الأتراك على الذين يريدون الدخول في الدين الإسلامي أن يعطوا أطفالهم الذكور الذين يبلغون من العمر لحد الثانية عشر سنة، الى الحكومة لوضعهم في دور للأيتام و أن يوافقوا على تهجيرهم من مناطق سكناهم الى الأماكن التي تحددها لهم الحكومة التركية. في خربوط، لم يقبل الأتراك أسلمة المسيحيين و إشترطوا على النساء، في حالة إسلامهن، إيجاد رجال مسلمين مستعدين للزواج منهن. حوالي ربع مليون أرمني أُجبروا على إعتناق الإسلام أو إضطروا ليقومون بذلك للمحافظة على حياتهم.
النساء والأطفال الأرمن كانوا يُساقون كالنعاج تحت وطأة السياط وكعوب البنادق، و يهجم عليهم قطاع الطرق والجنود الذين كانوا يتخذون من الدين ستاراً للنهب وإنتهاك الحرمات والتلذذ بالقتل، حيث كانوا يعملون فيهم ما يشتهون و ما يشاؤون. كانت النساء والأطفال يتساقطون على جانبي الطريق من شدة الجوع أو الإرهاق أو المرض و أصبح إغتصاب النساء الجميلات مألوفاً إذ لم ينجُ منه حتى البنات الصغيرات. ضحت الكثيرات من الأرمنيات بأرواحهن في سبيل الذياد عن أعراضهن. كان أفراد الدرك الأتراك يسوقون النساء الأرمنيات حافيات حاسرات وإذا تخلفت إحداهن، كان الدركي يضربها بكعب بندقيته فيُسقطها على وجهها أرضاً. أما مَن كانت تتخلف منهن لمرض يصيبها، فكانت تُترك في البر وحيدة لتواجه الموت لوحدها.
تذكر المصادر بأن أعضاء الجندرمة (الشرطة التركية) كانوا يقومون بتسليم هذه القوافل إلى أولئك المجرمين المُكلفين بمهمة قتلهم و كانت الأوامر الصادرة لهم تقضي بقتل هؤلاء الأرمن المارين بتلك الطرقات بغض النظر عن أعمارهم أو جنسهم. كان وزير الداخلية التركي، طلعت باشا يتابع بنفسه بشكل مباشر جميع مراحل إبادة الأرمن و بشكل يومي و يقوم بإطلاع السلطان العثماني بشكل متواصل على تفاصيل تلك الإبادة الجماعية الرهيبة و إعلامه عن نتائجها. كان طلعت باشا السفاح يرسل برقيات متواصلة الى كافة الولاة والمتصرفين في البلاد و التي كانت تتضمن الأوامر الداعية إلى إبادة جميع الأرمن، دون الإبقاء على أي أرمني حي يُرزق، تنفيذاً للقرارات السرية التي إتخذتها جمعية الإتحاد والترقي. إحدى هذه البرقيات المرسلة من قِبل طلعت باشا الى والى حلب والتي تحمل رقم 1181 في 16 أيلول من عام 1915 يقول نصها: لقد أبلغتم من قبل، أنه تقرر نهائياً، حسب أوامر الجمعية إبادة الأرمن الذين يعيشون في تركيا والذين يقفون ضد هذا القرار لا يسعهم البقاء في وظائفهم. ومهما تكن الإجراءات التي ستُتخذ شديدة وقاسية، ينبغي وضع نهاية للأرمن. لا تلقوا بالاً بأي صورة للعمر والوجدان والرجال والنساء.
هكذا تم إبعاد الأرمن وتهجيرهم عن جميع أقاليمهم ومدنهم و قراهم في الأناضول الشرقية والغربية وإقليم كيليكيا، بإتباع أساليب وحشية. بعد عملية التهجير، كانوا يقومون بإبادتهم أو تركهم يهيمون في الصحراء بقوافل الأطفال والنساء والشيوخ ليهلكوا من الجوع والعطش و البرد أو تفتك بهم المرض و الأوبئة ، حيث كانت أكوام جثثهم تبقى متروكة في العراء.
تم تدمير مدينة وان بأكملها و إحراق مبانيها. شوارعها وأفنية المنازل فيها كانت مليئة بجثث الأرمن والمواشي و تم نهب ممتلكاتهم و أمتعتهم. في مدينة بتليس، لم يبق على قيد الحياة من مجموع ثمانية عشر ألف أرمني، كانوا يعيشون في المدينة، سوى ثلاثمائة الى أربعمائة طفل وامرأة، ومن خمسة و عشرين ألف أرمني في مدينة أرضروم، نجا من القتل حوالي مائتي شخص فقط. تفيد معلومات تأريخية موثقة بأن أكثر من عشرين ألف جندي تركي يتقدمهم أحد عشر مدفعاً، توجهوا في شهر تموز من عام 1915 نحو مدينة موش. في العاشر من الشهر نفسه قصفت المدافع محلات الأرمن ومناطق سكناهم في المدينة المذكورة قصفاً متواصلاً لعدة ساعات، فيما كان بعض المسؤولين الأتراك من أمثال متصرف موش، يتباهون علناً بإسهامهم في تلك المذابح. في مدينة موش والقرى الثلاثمائة المحيطة بها، فمن مجموع خمسة و عشرين ألف أرمني كانوا يسكنون في المدينة وألوف غيرهم من سكان القرى المجاورة لها، لم يُعثر بعد المذبحة على رجال أحياء فيها.
كان فائز بن زعل الغصين شاهد العيان الذي جال المناطق المنكوبة في الدولة العثمانية أثناء قيام العثمانيين بالمذابح الأرمنية ورأى بنفسه ما حدث للأرمن في عهد الدولة العثمانية على يد حزب الإتحاد والترقي. يقول في كتابه المعنون المذابح في أرمينيا الذي صدر في عام 1917 في القاهرة، بأنه في مدينة آمد (ديار بكر)، كان المأمور التركي يأتي إلى دار العائلة الأرمنية و يؤتى بعجلات تحمل هذه العائلات لمحل قريب، حيث هناك يقومون بقتلهم رمياً بالرصاص أو يذبحونهم كذبح الغنم بالسكاكين والخناجر والفؤوس. كان يتم خزن متروكاتهم في مخازن وأسواق و ثم يتم بيعها بعد ذلك. أما في ولاية بتليس، لقد روى له أحد الضباط الأتراك بأن الحكومة كانت تجمع الأرمن في المتابن وتضع تبناً كثيراً في القسم الذي يلي الباب وتحرق التبن فيموت الأرمن الذين هم داخل المتبن حرقاً أو إختناقاً، بسبب الدخان الناتج عن حرق التبن. أخبره ذلك الضابط أيضاً بأن المئات من الأرمن كانوا يوضعون في متبن واحد بعض الأحيان و يتم حرقهم فيه، و في أحيان أخرى كان يتم قتلهم بأساليب أخرى.
يستطرد الغصين في كتابه حول المجازر التي تعرض لها الأرمن في مدينة موش، حيث يذكر أن قسماً من الضحايا كان يتم حرقهم في المتابن، إلا أن القسم الأكبر منهم يتم قتلهم رمياً بالرصاص وطعناً بالسكاكين. كانت الحكومة تستأجر قصابين، و كانت تُعطي لكل واحد منهم ليرة عثمانية يومياً. كان يتم تقسيم القصابين على شكل مجاميع، كل مجموعة مؤلفة من أربعة أشخاص و كان بيد كل واحد منهم مدية طويلة. من جهة ثانية، كان أفراد الدرك يُقسّمون الأرمن الذين يتم إلقاء القبض عليهم، بدورهم الى مجاميع، كل مجموعة تتألف من عشرة أشخاص و ثم يرسلون الواحد بعد الآخر للقصابين فيقول القصاب للأرمني: مد رقبتك فيمدها فيذبحه ذبح الغنم. كان أفراد الدرك يربطون النساء والأطفال ويلقونهم من محل عال جداً إلى الأسفل فلا يصلون إلى الأرض إلا قطعاً و إرباً. هذا المكان العالي يقع بين ديار بكر وماردين على ما يُقال و أن عظام القتلى فيه كانت مكوّمة كالتلال في وقت الجريمة.
كما يذكر الكاتب المذكور بأن حكومة ديار بكر كانت تقتل الأرمن رمياً بالرصاص أو عن طريق ذبحهم بواسطة القصابين أو يتم إلقاؤهم في الآبار والمغارات و ثم يتم سد تلك الآبار والكهوف عليهم فيهلكون. في بعض الأحيان كان يتم رميهم في نهرَي دجلة والفرات. تم قتل ألفي أرمني بإلقائهم في نهر دجلة الذي لا يبعد عن ديار بكر أكثر من نصف ساعة.
يذكر الدكتور علي الوردي أنه بسبب ما تميز به عهد السلطان عبد الحميد من مذابح جماعية ضد الأرمن، كان يُطلق على السلطان المذكور لقب السلطان الأحمر والسفاك الكبير. يقول أرنولد توينبي، المؤرخ الإنكليزي في مذكراته: لم يكن المخطط يهدف إلا إلى إبادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية. كما يقول هنري مورغنتاو، السفير الأمريكي لدى القسطنطينية في كتابه قتل أمة: في ربيع عام 1914 وضع الأتراك خطتهم لإبادة الشعب الأرمني و إنتقدوا أسلافهم لعدم تخلصهم من الشعوب المسيحية أو هدايتهم للإسلام منذ البدء. ويضيف: لقد أتاحت ظروف الحرب للحكومة التركية الفرصة، التي طالما تاقت إليها، لإحكام قبضتها على الأرمن. فبدلاً من أن تنفذ تركيا الالتزامات التي تعهدت بها في الهيئات والمحافل الدولية تجاه القوميات غير التركية ورعاياها من المسيحيين، قامت بإرتكاب المجازر الجماعية بحق هذه الشعوب وجندت لها الآلاف من جنود الجيش وبعض القبائل والعشائر الكردية المسلمة بإسم الدين. يستطرد السفير الأمريكي في كتابه المذكور لم يكن الأرمن الشعب الوحيد بين الأمم التابعة لتركيا التي عانت من نتائج سياسة جعل تركيا بلداً للأتراك حصراً. فهناك اليونان والآشوريين من السريان والنساطرة والكلدان أيضاً، فالقصة ذاتها تُطبق عليهم مع بعض التعديل. أن تركيا ستبقى مسئولة عن كل تلك الجرائم أمام الحضارة الإنسانية.
إحدى شهادات العيان قدمها الكاتب والشاعر الألماني آرمين فاغنير، الذي كان يعمل في إحدى الوحدات العسكرية الطبية في تركيا و كان في نفس الوقت يعمل كمراسل للصحف الألمانية، حيث يقول: أما الأرمن، فمن العسكر يُضربون حتى الموت ويُنهبون ويُقتلون ويُشنقون ويُطعنون، ومن الأوبئة يُفترسون ويغرقون ويتجمدون ويموتون جوعاً وعطشاً، والأطفال يبكون وهم يشرفون على الموت، والرجال يضربون رؤوسهم بأنفسهم في الصخور، والأمهات يرمين أطفالهن في الآبار، والحوامل يمسكن بأيدي بعضهن بعضاً ثم يرمين بأنفسهن في مياه نهر الفرات وهن يغنين!. إستطاع هذا الشاعر التسلل إلى إحدى مخيمات الزحف الأخير ووصف الوضع كما يلي: لقد رأيت أناساً أصابهم مس من الجنون بحيث أخذوا يأكلون الفضلات التي تخرجها أجسامهم، وقابلتُ نساءً يطبخن أطفالهن المولودين حديثاً.
إرتكبت السلطات العثمانية أبشع مجازرها على الإطلاق حينما أبادت مليون ونصف مليون أرمني. ثمة أطفال ماتوا من العطش، وآخرون ذُبحوا مع أمهاتهم أو أُلقوا في الأودية، كما تم إغتصاب النساء والفتيات الأرمنيات و من ثم تم بعد ذلك تشويهن وذبحهن. الألوف من المواطنين الأرمن كانوا يُقادون إلى الموت و يتم قتلهم بإستخدام أساليب مختلفة مثل الشنق و الإعدام الجماعي بالرصاص و الذبح بالسكاكين.
في عام 1920، وقع الحلفاء والإمبراطورية العثمانية معاهدة تقضي بمعاقبة مرتكبي المذابح، ولكن هذه المعاهدة تلاشت مع صدور عفو عام من قبل مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923، الذي أكمل بدوره عملية تأسيس دولة عنصرية تعمل على التطهير العرقي للقوميات غير التركية و تتريكها و صهرها. منذ ذلك الوقت ترفض الحكومات التركية المتعاقبة الإعتراف بحدوث مثل هذه المذبحة الرهيبة.
أربعة وعشرون دولة، منها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا, أدانت المذابح الأرمنية و إعتبرتها جريمة ضد الانسانية.
كما أن البرلمان الأوروبي أقر حدوث مثل هذه المذابح في تصويت له في 18 حزيران من عام 1987، وأقر وقتها أن رفض الحكومة التركية الإعتراف بوقوع هذه المذابح يشكل حاجزاً هاماً أمام حصول (تركيا) على صفة عضو مرشح للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي. قامت الجمعية الوطنية الفرنسية أيضاً بالمصادقة على مشروع قانون يجرم كل من ينكر وقوع مذابح الأرمن على يد العثمانيين في مطلع القرن الماضي.
يأتي قرار منح جائزة نوبل للآداب للكاتب الأرمني أورهان باموك صفعة أخرى للسياسة التركية المستمرة بإنكار المذابح, الذي إعترف علانية بالمذابح وأكد وقوعها بجرأة قادته إلى المحاكم وهددت حياته بالخطر. لم يتوقف هذا الكاتب عند ذلك، بل طالب الحكومة التركية بمواجهة الواقع والإعتراف بما حصل من مجازر و إبادة جماعية للمسيحيين من رعايا الدولة العثمانية, وتحمل مسئولياتها في هذه القضية بشجاعة مع كل ما يعنيه ذلك من تبعات. قبل أيام قليلة، إضطر أورهان باموك، إلى إلغاء زيارته المقترحة إلى ألمانيا، لإلقاء محاضرات ثقافية، بعد تلقيه تهديدات بالقتل، هو وكل المدافعين عنه، بسبب قوله خلال مقابلة له مع جريدة ،تاغز تسايتونغ السويسرية: قُتل هنا ثلاثون ألفاً من الكورد وما يقارب مليون أرمني ولا يوجد تقريباً أحد يتجرأ على ذكر ذلك . اعتبرته الحكومة التركية و الصحافة التركية خائناً مما أدى إلى اعتزاله الحياة العامة.
الكورد و المذابح الأرمنية
في مرحلة إنحلال الدولة العثمانية، قامت السلطات العثمانية الحاكمة بتأسيس تشكيلات عسكرية غير نظامية من العشائر الكوردية و سُميت بالفرسان الحميدية، تيمناً بإسم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. كان الهدف من هذه التشكيلات هو جعل العشائر الكوردية قوة إحتياط للدولة التركية للسيطرة عليها و الحفاظ على سطوة السلطان و لضرب الحركات القومية للشعوب غير التركية بما في ذلك الحركة الكوردية التحررية نفسها. كما كان الهدف من الفرسان الحميدية هو إثارة الإضطرابات في مناطق الحدود الروسية و كذلك لإعداد و تأهيل هذه القوات للإشتراك في الحروب القادمة، و خاصة ضد روسيا.
التعصب الديني الأعمى و التخلف كانا سببين رئيسيين دفعا بعض الإقطاعيين الكورد الى قتل الأرمن، حيث كان معظمهم ينتمي الى الفرسان الحميدية، إلا أننا يجب أن ندرك بأن الفرسان الحميدية كانوا مرتزقة و كانوا لا يمثلون الشعب الكوردي، و إنما كانوا جزء من النظام التركي و قوة ضمن الماكنة الحربية التركية، كما كان الجيش و الجندرمة (يمكن مقارنة إشتراك الفرسان الحميدية في قتل الأرمن بتشكيلات ما سُميت بأفواج القوات الخفيفة من المرتزقة الجحوش الكورد في إقليم جنوب كوردستان و إشتراكهم مع الجيش العراقي في المذابح الرهيبة التي قاموا بها ضد الشعب الكوردي، مثل عمليات الأنفال و حرق و تدمير المدن و القصبات و القرى و نهب سكانها و إغتصاب نسائها و قتل ثوار كوردستان أو مقارنتهم مع ما يُسمون بحماة أو حراس القرى من خونة الشعب الكوردي في إقليم الشمال أو مقارنتهم مع الجنود الشيعة في العراق، حين أجبرتهم السلطة البعثية على محاربة إخوانهم الشيعة الإيرانيين في الحرب العراقية - الإيرانية). من هنا ندرك أن الكورد، كشعب، أبرياء من جرائم الإبادة الجماعية للأرمن و أن الحكومة التركية، كنظام سياسي، تتحمل كامل مسئولية تلك المجازر الوحشية التي خططت لها و نفذتها. لولا التعصب الديني للكورد و تخلفهم الحضاري في ذلك الوقت، لَكان بإمكانهم تحرير وطنهم، كوردستان، من الإحتلال العثماني و بناء دولتهم المستقلة و لَإستطاعوا تغيير خارطة الشرق الأوسط التي نراها اليوم، و ذلك بتوحيد صفوف الكورد أنفسهم من جهة و بالتحالف مع الشعوب غير التركية التي كانت رازحة تحت الحكم العثماني، مثل الأرمن و العرب من جهة أخرى و كذلك عن طريق التعاون و التحالف مع دول الحلفاء، و خاصة بريطانيا و فرنسا و روسيا القيصرية.
للتنصل من مسئولية المجازر الرهيبة التي قام بها المسؤولون الأتراك بحق الشعب الأرمني و لتشويه سمعة الشعب الكوردي، كان هؤلاء المسئولون يجلبون سجناء من مناطق أخرى و يُلبسونهم ملابس كوردية و يرسلونهم أفواجاً الى مدينتي أرض روم و ديار بكر للمشاركة في عمليات الإبادة االتي كانت جارية هناك، لإتهام الكورد بالقيام بتلك الإبادة الجماعية للأرمن. خلال المذبحة الأولى، قام المسئولون الأتراك بإرسال جنوداً بملابس كوردية لتنفيذ المذبحة المذكورة لتبرئة الأتراك من تلك المجازر الوحشية و لتشويه سمعة الكورد في الوقت نفسه {راجع كتاب الأستاذ عبد العزيز ياملكي الصادر في عام 1946 و المعنون كوردستان و كورد إختلاللري، جلد 1، تهران (باللغة التركية). هذه المعلومات منقولة من كتاب كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى للدكتور كمال مظهر أحمد}. كان المسؤولون الأتراك يكسون قتلى الأرمن بالملابس الكوردية ثم يلتقطون لهم الصور للإيهام بأن هؤلاء القتلى هم من الكورد و أن الأرمن هم الذين قاموا بقتلهم للتغطية على مجازر الأتراك الدموية.
بذل الكثير من الكورد جهوداً كبيرة، سواءً عن طريق الإعلام أو ميدانياً، لإنقاذ الأرمن من المجازر التركية و التخفيف من معاناتهم. جريدة كردستان التي كانت الصحيفة الوحيدة الناطقة بلسان الأوساط الكوردية المناوئة للحكم العثماني آنذاك، نشرت مقالات كثيرة تتناول العلاقات الأرمنية – الكوردية و تفضح محاولات العثمانيين إستغلال الكورد و ذلك بتحريضهم ضد الأرمن. كما أن الجنرال الكوردي، شريف باشا، كتب مقالاً في جريدة المشروطية في عام 1914، أدان فيه سياسة الإتحاديين العنصرية، لا سيما ما يتعلق منها بمذابح الأرمن.
عدد كبير من العشائر الكوردية رفضوا الإنخراط في صفوف الفرسان الحميدية، حيث على سبيل المثال لا الحصر، في منطقة بدليس، من مجموع خمس عشائر كبيرة، لم ينضم الى الفرسان الحميدية سوى قسم من عشيرة الجلالي، و في ولاية دياربكر، رفضت الأكثرية الساحقة الإنضمام الى تلك التشكيلات، بينما في منطقة درسيم الجبلية الوعرة، رفض الجميع الإنخراط في صفوفها.
عبد الإله إبراهيم باشا، أحد رؤساء العشائر الكوردية من الباشات، يذكر المساعدات الكبيرة التي قدمتها عائلته للأرمن المنكوبين. كان نفوذ هذه العشيرة تمتد من مناطق ويران شهر و أورفة و ماردين و ديار بكر وصولاً إلى مدينة وان. كانت هذه العائلة الكوردية تدفع المال للأتراك من أجل الحصول على قوافل الأرمن أي أنها كانت تشتري الأرمن من الأتراك ومن ثم تقوم بإطلاق سراحهم و إنقاذهم من الإبادة. في عام 1915 ساهمت العائلة أيضاً في إنقاذ حياة أطفال أرمن و ذلك بإيوائهم في بيوتها لسنوات عديدة.
إبراهيم باشا الملي، أثناء المذبحة الأولى للأرمن، تمكن من إنقاذ حوالي عشرة آلاف أرمني. كما أنقذ مصطفى آغا رجب و حيدر و خليل رجب جميع الأرمن القاطنين في محلتهم و كثيرين آخرين في المنطقة. في مناطق عديدة، مثل درسيم، كان الكورد ينضمون الى الأرمن، لمقاومة الحكومة التركية، حتى أن ضابطاً كوردياً بإسم مصطفى وفا، إنضم مع القوات التي كانت تحت أمرته الى القوات الروسية لمحاربة العثمانيين. آوى أهالي درسيم أكثر من خمسة آلاف أرمني، حيث إستطاعوا بذلك من إنقاذهم من الموت.
بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى و إنهيار الدولة العثمانية و إختفائها، إتصل العديد من الكورد بالسلطات البريطانية و الفرنسية، التي إحتلت المنطقة، و أخبروهم بأنهم كانوا يحتفظون بعشرات الآلاف من الأرمن الذين أخفوهم في مناطقهم و أطعموهم لفترة أربع سنوات، أي خلال فترة الحرب العالمية الأولى.
المصادر
أحمد، كمال مظهر (1984). كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى. ترجمة: محمد الملا عبد الكريم، الطبعة الثانية، بغداد.
الديراوي، عمر (1981). الحرب العالمية الأولى. بيروت.
الغصين، فائز (؟). المذابح في أرمينيا. الطبعة الثانية، بيروت.
الوردي، علي (1971). لمحات إجتماعية من تأاريخ العراق الحديث. الجزء الرابع. مطبعة الرشاد، بغداد.
أمين، محمد خليل (؟). علاقة الأكراد بمذابح الأرمن.
[1]