السومريون كانوا كورداً.. حتى وأن لن تظهر أدلة جديدة 2-8
محمد مندلاوي
لمعرفة بدايات وجود الإنسان في شبه جزيرة العرب، دعنا نلقي نظرة على موقعها الجغرافي كشبه جزيرة قاحلة، تقع في جنوب غرب قارة آسيا، وتحيط بها المياه من ثلاث جهات، من جهة الجنوب الشرقي، بحر الخليج الفارسي، و من جهة الجنوب، المحيط الهندي، و بحر عمان، الذي هو امتداد للمحيط الهندي، و من جهة الشمال الغربي، بحر الأحمر، بسبب وقوعها بين هذه البحار من الجهات الثلاث، سميت بشبه جزيرة، لأن شعوب العالم ومنها العرب، تسمي الأرض المحاطة من ثلاث جهات بالمياه، بشبه جزيرة إذاً، الجهة الرابعة و الوحيدة التي تتاخم شبه الجزيرة العربية، هي سهول كوردستان، التي تسمى اليوم جمهورية (العراق)، باستثناء أرض شبه جزيرة سيناء، قبل شق قناة السويس فيها سنة (1859م) وهي صحراء جدباء، كان اجتيازها صعباً في العصور القديمة، التي كانت وسائل النقل فيها معدومة أو بدائية، حيث تنقل لنا كتب التاريخ، أن اليهود، بعد خروجهم من مصر وتوجههم إلى أرض الميعاد (إسرائيل) عبروا هذه الصحراء الجدباء القاحلة، كان من المؤمل أن يجتازوها في ثلاثة أيام، إلا أنهم تاهوا فيها أربعون عاماً، كما تقول التوراة، وكان الله دليلهم، والنبي موسى قائدهم، رغم هذا، كما أسلفنا، تاهوا فيها أربعة عقود، فكيف بقبيلة أو أفراداً تريد أن تقطع مجاهل هذه الصحراء الموحشة؟ بكل تأكيد اجتيازها يكون في غاية الصعوبة، أن لم نقل مستحيل في تلك العصور القديمة، التي كانت تنقلات الإنسان تتم مشياً على الأقدام، أو امتطاء الدواب. إذاً، الممر و المنفذ الوحيد إلى شبه جزيرة العربية، هي بلاد الكورد، ومن الممكن جداً، أن تكون تلك القبائل العربية الوافدة إليها عبر كوردستان، تكون جذورها آرية، كوردية. نحن هنا لا نجزم، برغم ما أشرنا ونشير إليه في سياق المقال لآراء بعض الأكاديميين ذو اختصاص في هذا الحقل، لكن نقول، هذه مجرد آراء، تحتاج إلى دراسة معمقة أكثر من لدن أكبر عدد من العلماء ذو الاختصاص، إن العلم سائر في هذا الطريق الشائك، ولم يستسلم حتى يضع النقاط على الحروف، ويأتي لنا بالجواب الكافي الشافي، وها أن العلم قد لاحت ببشائره لنا، حيث أن أكاديمياً مصرياً اسمه الدكتور (لويس عوض) حل لنا لغزاً من هذه الألغاز الذي له علاقة بموضوعنا، و وضعه في كتابه الشهير (مقدمة في فقه اللغة العربية)، يقول: أن شعوب شبه الجزيرة العربية في زمن النبي إبراهيم وقبله نزحوا من إيران عبر لورستان، أي من مناطق شرقي كوردستان. استناداً على نظرية الدكتور (لويس عوض) وغيره من الأكاديميين الذين جاؤوا بعده، تكون أرومة تلك (الأقوام) في شبه جزيرة العرب، من الجذور الآرية أو تحديداً، الكوردية. للمزيد راجع كتاب الدكتور (لويس عوض) المشار إليه أعلاه، أو كتاب الدكتور( سيد محمود ألقمني) (النبي إبراهيم و التاريخ المجهول).عزيزي القارئ، أليس الدلائل التي جئنا بها، يستسيغها العلم، والعقل، والمنطق. دعنا الآن نأتي على شبه القارة الهندية، الذي افترض الكاتب أن السومريين ربما جاؤوا منه. حقيقة أن نظرية مجيء السومريون من الهند إلى ما يسمى اليوم بجنوب العراق ضعيفة جداً، و لم يوليها علماء التاريخ أهمية كبيرة، لسبب بسيط، وهو، أن تنقلات الشعوب في تلك الأزمنة الغابرة عبر المحيطات والبحار المتلاطمة مستحيلة و معدومة. إذاً لنناقش الآن آخر نقطة في هذه الجزئية، إلا وهي مجيء السومريون من خوزستان، وهي الأقوى بين المناطق التي ذكرها الدكتور الشوك، لأنها الأقرب، و تتاخم سومر. وتوجد حول اسم خوزستان عدة فرضيات، منها تقول أن الاسم جاء تيمناً بقصب السكر، لأن المنطقة مشهورة بها، وأنا شخصياً رأيت هذا بأم عيني، حيث أن قصب السكر تزرع إلى الآن بكثرة في سهل خوزستان، وأكبر مصانع السكر في إيران تقع في هذه المنطقة. والفرضية الأخرى تقول أنها تعني القوم، خوز المعربة من هوز الكوردية، التي تعني القبيلة، وجمعها أهواز التي هي عاصمة إقليم خوزستان، وكلمة ستان تعني الوطن، وخوزستان هو اسم مركب، على الطريقة الكوردية، بخلاف العربية التي هي لغة اشتقاقية، حيث تشتق الكلمات من جذر الكلمة الواحدة. إن من لا يلم بتاريخ المنطقة ولغات أبنائها، يصعب عليه أن يحدد هوية أبنائها التاريخية. واسم خوزستان القديم، وأعني بالقديم،أي في زمن سومر، هو، سوزيان، نسبة إلى عاصمتها شوش (سوس) التي كانت تشكل مع ساحل الخليج إلى بوشهر جزءاً من دولة إيلام (عيلام) الكوردية، التي ترقى حضارتها إلى الألف الرابع ق.م. والتي كانت تضم لُرستان، وجبال البختياري، وعاصمتها الإقليمية شهر كورد، أي مدينة الكورد. وكانت حدود دولة إيلام، من الغرب نهر دجلة، أي أن نهر دجلة، كان هو الحد الفاصل بين سومر، وإيلام، ومن الشرق جزءاً من إقليم پارس، ومن الشمال ما يسمى اليوم بطريق بابل الدولي إلى همدان، ومن الجنوب بحر الخليج، الذي كان يسمى في ذلك العصر ب((نار مرتو )) إلى أن تصل إلى بوشهر. كما أسلفنا، كانت عاصمة دولة إيلام تسمى سوزيان، شوشيان، وهي الآن مدينة صغيرة باسم شوش. ليعلم من لا يعلم، أن الكثير من المدن والقرى والأنهار في خوزستان وحواليها، لا زالت تحتفظ بأسمائها الإيلامية الكوردية القديمة، على سبيل المثال، قرية الفيلي في خرمشهر (محمرة). وفيها أيضاً نهر الفيلية، وكذلك منطقة الفيلية، وقصر الفيلية، الذي كان للشيخ (خزعل بن جابر بن مرداو). وهؤلاء الفيلية، هم شريحة كبيرة من الشعب الكوردي وجزءاً من مدنهم أصبح داخل الكيان العراقي بعد خط الحدود المصطنعة، بين إيران والعراق. هناك عدة مدن كوردية تحيط بخوزستان، أو تبعد عنها قليلاً باتجاه ساحل الخليج الفارسي، منها ناحية المُكابرة، التابعة لمحافظة بوشهر المطلة على مياه الخليج، سكنتها من عشيرة شوانكاره الكوردية. و ناحية كوردستان التابعة لقضاء بهبهان، ومدن، كورد شول، و كورد يل، وكورد شيخ، التابعة لكازرون، وناحية كورد يان، وكورد، الخ الخ. أنا ذكرت فقط التسميات التي تحمل اسم الكورد معها فقط في هذه المنطقة، وإلا هناك مدن كوردية عديدة حول خوزستان، إلا أنها لا تحمل اسم الكورد معها، كالمدن التي ذكرتها.
في فقرة أخرى يقول الدكتور علي الشوك: لكن النظريات الكلاسيكية اخذت تفقد قوتها بعد توافر بينات اثارية في العقود الاخيرة عن حضارات رافدينية سابقة للمرحلة السومرية تورث انطباعاً بان الاخيرة كانت امتداداً لها وليست حلقة منفصلة عنها او غريبة عن المنطقة. وهذا يعيد الى الاذهان ما قاله العالم الاثاري الشهير د. فرانكفورت قبل اربعين عاماً: ان المناقشة المسهبة لمشكلة اصل السومريين يمكن ان تتضح في النهاية بانها مجرد ملاحقة وهم لا وجود لها مطلقاً.
ردي على النقاط التي جاءت في الفقرة أعلاه: في بداية مقاله، لكي يثير الهواجس و الشكوك لدى القارئ، يزعم الكاتب، أن الغموض يلف تاريخ سومر، لأنه لا تتوفر أدلة قاطعة حول هويتها، ومن ثم يزعم، أن السومريين قد قدموا من الخليج العربي أو شبه القارة الهندية أو خوزستان. والآن يزعم أن هناك حضارات رافدينية سابقة للمرحلة السومرية لكن لم يستطع لا هو ولا الذي جاء بهذه البدعة أن يأتوا ولو بإبرة من ابتكار تلك الحضارات المزعومة، وأية حضارة، إذا لم تخلف منجزاً علمياً أو أدبياً أو ثقافي، تبقى مجرد خيال أوجده الإنسان في مخيلته ولا تعد حضارة في عداد الحضارات التي كانت سائدة في حقب تاريخية معينة واضحة المعالم. بخلاف الحضارات الوهمية آنف الذكر، أن حضارة سومر في كل مرة عند التنقيب في ثراها تكشف للعالم عن عبقريتها، وتمنحنا ابتكاراً سومرياً جديداً خلفه لنا العقل السومري الجبار. وهذا يؤكد للعام أجمع، أن الحضارة السومرية في بلاد سومر، سبقت جميع الحضارات الرافدينية في الأراضي المنبسطة، وأنها جاءت من أعالي الجبال؟. عن قدم حضارة سومر دعنا نقرأ كلام كبير آثاريي العالم العلامة (صموئيل كريمر) الذي يفند أي تاريخ قبل سومر، وهو القائل التاريخ ابتدأ من سومر. يستمر الكاتب علي الشوك بمحاولاته الكيدية لتشويه تاريخ سومر، وهذه المرة جاء بكلام نسبه إلى مستشرق اسمه (فرانكفورت) يدعي أن هذا الآثاري قال قبل أربعين عاماً أن مناقشة مشكلة أصل السومريين يمكن أن تتضح في النهاية بأنها مجرد ملاحقة وهم. حتى لو نفترض جدلاً، أن الآثاري فرانكفورت صرح بهذا الكلام، ما قيمة كلام شخص واحد، من بين مئات العلماء في العالم، الذين يؤكدون وجود سومر والسومريين؟ ثم، لماذا لم تتحقق شيئاً من نبوءة فرانكفورت الهرطقية بعد مضي أربعة عقود عليها؟. إن الكاتب الشوك هو شخص أكاديمي، لما لم يفحص مضمون النصوص التي يقتبسها و يهلل لها. يتضح من خلال النص الذي نقله لنا، أن فرانكفورت، غير متأكد من أقواله، فلذا قال يمكن أن تتضح في النهاية بأنها مجرد وهم. ها قد مضت أكثر من أربعين سنة على قول فرانكفورت، ولم يتضح لأحد أن سومر و السومريين مجرد وهم، بل بخلاف كلامه، سطع نجم سومر و ازداد وهجه أكثر من أيام وجود فرانكفورت. لم يجدوا في الورد عيب، قالوا له يا أحمر الخدين.
يستمر الدكتور الشوك في رده على الأستاذ (صلاح سعد الله) قائلاً: ومع ذلك لا يزال اللغز السومري قائماً، ولا تزال تظهر بين حين وآخر آراء جديدة حوله. احدث هذه الاراء - في عالمنا العربي- ما طرحه السيد صلاح سعد الله بما يفيد ان السومريين اكراد (جريدة الحياة 29 كانون الثاني 1995)، ورأينا ان نناقش هذه الفرضية التي طرحها السيد سعد الله بشييء من التواضع لكن بمزيد من التسرع، لأنه لفلف اطروحته هذه باقل ما يمكن من الادلة ومن دون ان يحسب حساباً - على ما يبدو- للطعون التي يمكن ان تتعرض لها. لكن فرضيته العجيبة، كقول بعضنا ان السومريين عرب، وقول بعضهم ان اليهود سومريون .
ردي على الجزئية أعلاه، و التي تفوح منها رائحة ال...؟. لاحظ عزيزي القارئ، بعد أن تبنى الكاتب رأي فرانكفورت السلبي عن سومر. دون أن يقول لنا كيف وصل فرانكفورت إلى القناعة التي تقول، أن سومر ربما وهم. وبعد أن رأى الكاتب، أن أربعة عقود مضت على رأي فرانكفورت المتسرع، ولم تتحقق نبوءته المزعومة، ولكي يربط بين ادعاءاته السابقة واللاحقة، يزعم أنه:لا يزال اللغز السومري قائماً. واللغز، في اللغة، هو كل شيء يكون عسير الحل، بهذا الكلام المبهم، يحاول أن يصادر عقول قرائه العرب، ويوهمهم، بفزورة مفادها، بما أن السومريين ليسوا عرباً، كذلك ليسوا من أرومة أخرى، وبهذا لا تكون للسومريين أية علاقة بشعب ما على كوكبنا الأرضي. إذا يستند أحداً من قرائه على فكره المضلل هذا، لم يبقى أمامه، إلا أن يغوص في عالم الخيال ويعتقد، أن السومريين إن وجدوا على الأرض ما هم إلا كائنات فضائية، ليست لها أية صلة بالإنسان على كوكبنا، وبهذه النظرية السفسطائية، يكثر اللغو، و توصد أبواب البحث العلمي في هذا المضمار الهام ويتحقق كلام فرانكفورت الخيالي. في أسطر أخرى في ذات الفقرة، تبنى الكاتب مصطلحاً عروبياً عنصرياً، إلا وهو مصطلح العالم العربي، رغم أن الكاتب وضعه بين الشرطتين، هكذا - عالمنا العربي- التي تستخدم للاحتراز، إلا أن هذا لا يفيد الكاتب بشيء، بما أنه جاء به في مقاله، فهذا دليل على قبوله بهذا المصلح العنصري، الذي يلغي وجود عشرة ملايين كوردي في شطرين من كوردستان، بجنوبه، وغربه، ويلغي وجود عشرون مليون قبطي في وطنه الأم، مصر. وملايين من الشعب النوبي سكان مصر الأصليين. وملايين من الشعب الأمازيغي في موطنهم في شمال إفريقيا، الخ، إن جميع هذه الشعوب، تواجدوا في هذه المنطقة التي سماها الكاتب بغير وجه حق، بالعالم العربي، قبل مجيء العرب إليها بآلاف السنين. إن الكاتب الشوك، يبحث متسرعاً في ثنايا الكلمات بنية غير سليمة، لكي يلقي الحجة على الكاتب الكوردي (صلاح سعد الله) و أثناء بحثه لا يلقي نظرة فاحصة على المصطلح الالغائي الذي استعاضه من قواميس اليعربيين، هنا نتساءل، هل يوجد شعب ما، اصطلح على المنطقة التي يقيم فيها، مثل هذا المصطلح العنصري المقيت؟. بل أكثر من هذا، ذهب الكاتب علي الشوك، المحسوب على اليسار، مذهباً قومياً، لا يتبناه، إلا العروبيون المتعنصرين حتى النخاع، حيث لم يكتفي بذكر (العالم العربي ) فقط، بل سماه، بعالمنا العربي عالم آل الشوك. إن اسم العالم الوحيد المعرف بجهة جغرافية، هو اسم العالم الغربي، الذي يُعَرَّف المنطقة الحيوية من العالم، كمركز هام للديمقراطية، بموقعها الجغرافي، وليس العرقي. كان بمقدورهم يسموها العالم الآري، لأن 99,9% من شعوب الغرب، هم من الجنس الآري، الذي بخلاف الجنس العربي، القادم من جزيرة العرب، و انتشر بعد الإسلام في الشرق الأوسط. بينما الجنس الآري موجود في الغرب منذ عصور غابرة، يصعب تحديد تاريخها. باستطاعة العرب أن تصطلح على شبه جزيرتهم، اسم (العالم العربي)، لأنها جزيرة خاصة بهم، لا أن يوسموا الدول التي احتلوها بحد السيف، وفرضوا على شعوبها نظاماً بدائياً، فأي كاتب عربي، يحترم قلمه، و عنده ذرة كرامة لنفسه، يجب عليه أن يتوخى الحذر، ولا يصطلح على هذه البلاد السليبة، الأسماء الشاذة، التي تؤلم الآخرين، (كالعالم العربي) أو (الوطن العربي)، أو حتى (البلاد العربية )، لأن الشعوب الأصيلة لتلك البلاد لا زالت على قيد الحياة، لم تفنى نهائياً بالسيف العربي، وأصحاب هذه البلاد المغتصبة لا تقاس نفوسهم بالكم، بمعنى، حتى لو كانت نفوس العرب تشكل نسبة مئوية عالية في هذه البلاد، تبقى هوية تلك البلاد الأصيلة هوية غير عربية، كدول شمال إفريقيا، ومصر، وسوريا، ولبنان، والعراق. إن الكاتب الذي نحن نرد على طعونه وأحكامه الظالمة ضد الكورد، يعرف جيداً، أن من يقول، أن السومريين عرب، يكون كمن يقول، أن الصينيين عرب. إن اليهود يا دكتور الشوك، حسب علمي، لم يقولوا يوما ما، أنهم ينتمون لسومر، أو السومريين.
[1]