لولا الكرد لما كان جنيف 2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4346 - #26-01-2014# - 02:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الائتلاف الوطني السوري كان ينحدر نحو الضياع، بعد اجتماعهم الأخير. تبين من خلال الجلسات أن بعض الفرقاء دون سوية الثورة والرؤى المتناقضة حول العديد من القضايا ومنها الجلوس مع السلطة الشمولية، ولم يكونوا متفقين فيما بينهم بخصوص جنيف 2 وكاد الائتلاف ينفرط كما تنفرط حبات عقدة المسبحة، فظهرت التيارات المتناقضة، ناهيكم عن خروج شخصيات متنوعة الانتماءات من الوطنية المنحرفة إلى التشدد والبعض الذين ينتمون إلى البعث السني، فخروج المجلس الوطني السوري، كانت الضربة القاصمة، وكادت تؤدي إلى تشتته، فأنقذه المجلس الوطني الكردي، بموقفين مصيريين، الأول بانضمامه إلى الائتلاف، والثاني بالموافقة على حضور جنيف 2 دون مقابل.
جميع الجهات الداعية والمحضرة للمؤتمر وبينهم لافروف وزير خارجية روسيا وفورد المسؤول الأمريكي عن القضية السورية، متفقون على عدم عرض القضية الكردية، لا في جنيف واحد ولا في جنيف 2 ولا في الجنيفات القادمة، ويتضح من هذا أن الكرد لا شيء لهم كبعد قومي يمكنهم الانتظار عليه، في الأيام القادمة، فالمعارضة السياسية المتمثلة بالائتلاف لم تنظر يوماً بعين الرضى على موقف الكرد من الثورة، ومقاييسهم في هذا أبشع من أن تقاس في البعد الوطني أو الإحساس الإنساني، فالثورة والذين يخدمونها في مقاييسهم تقدر بحجم الدمار والتضحيات البشرية، والمنطق الإنساني يرفض هذه المفاهيم المشوهة عن الثورات، فالمنطقة الكردية اليوم تحتضن أكثر من مليوني مهجر من معظم المناطق السورية المتفرقة، وتتعرض إلى الحصار الاقتصادي من السلطة ومن التيارات المتطرفة التكفيرية المحسوبة على السلطة والمعارضة معاً، كما وتعاني من كل المآسي المعيشية والاقتصادية ومن الهجرة الجماعية تحت ظروف وعوامل متنوعة، تتناسى هنا المعارضة عن سابق تخطيط ما قدمه الكرد من التضحيات على مدى عقود في الفترة التي كانت أغلبيتها تحوم في فلك السلطة.
لا شك هذه الخلفية الفكرية تعتم على الكثير من التقاربات بين المعارضة الكردية والائتلاف أو غيرها من التيارات المنتمية إلى جهات بأجندات متنوعة، فحقيقة حضور الكرد في جنيف 2 كانت سابقة لم تكن تحلم بها الائتلاف، والحضور بالنسبة للكرد لن يؤدي سوى إلى نقطتين، أولهما حالة وجود الوفد الكردي سيسجل كوفد ضمن المعارض العامة بالاسم لا بالقضية، والثانية وهي السلبية المخيفة في سوريا المستقبل، فهناك سيفرد الشعب الكردي مثلما كان تحت خانة شريحة من النسيج السوري العام و سينظر إلى القضية كمنة من السلطة المركزية القادمة، قد لا تتعدى الإدارة المحلية أو تدريس اللغة الكردية في مدارس خاصة وبتكاليف خاصة، والدستور سيكون من الخطوط الحمر في البحث عن عرض القضية الكردية فيها على وزن القضية أو الثقل الديمغرافي والواقع التاريخي الجغرافي.
التحضير الكردي لجنيف 2 وما سبقه من مدارات دبلوماسية وجولات سياسية أثبتت على هشاشة سياستهم وضحالتهم الدبلوماسية، وعدم القدرة على تجاوز الأجندات الإقليمية للوصول إلى تشكيل قوة متمكنة كانت بالإمكان فرض ذاتها وفرض رأيها الوطني على مشاورات جنيف 2 الحاضرة، ليس فقط حول القضية الكردية بل حتى في مستقبل سوريا القادمة بعد زوال الأسد.
أنقذ الكرد الائتلاف مثلما أنقذوا جنيف من شبه عدمية، اصبغوا عليهما باشتراكهم مع الائتلاف وحضور المؤتمر صبغة الشعب مقابل السلطة، وهذه إيجابية للكرد ولأطراف المعارضة بشكل خاص، وللأسف لا تقدرها لا المعارضة ولا الدول المحضرة للمؤتمر، ولا شك هنا ورغم أخطاء الكرد في هذا التحضير اثبتوا على ترجيح النزعة الوطنية على حساب القضية القومية، والتناقضات التي حصلت بين الأطراف الكردية ربما كان صراعا على نوع من الوجود الحزبي في الواقع الكردي لكنه في البعد الخارجي كان صراعا على الرجحان أو التوازن بين الوطنية والقومية.
فهل هذه المسيرة تكرارا لما سبق من التجارب التي مرت بها الشعب الكردي على مر التاريخ مع الدول المقتسمة لكردستان؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]