معد فياض
كشف فيلم وثائقي عن اسرار انسان النياندرتال، اطلقته منصة نيتفليكس العالمية قبل ثلاثة ايام، ويحمل عنوان Secrets of the Neanderthals، اسرار إنسان نياندرتال، عن مفاجآت علمية غيرت الكثير من المفاهيم حول اسلاف الانسان العاقل.
الفيلم الوثائقي المثير أسرار إنسان نياندرتال، مدته 80 دقيقة، من إنتاج وحدة العلوم في استوديوهات بي بي سي لصالح Netflix ، ومن اخراج آشلي جيثينغ وانتاج كليمنتين شيثام، وقام برواية المعلومات والاحداث باتريك ستيوارت.
يعرض الفيلم اكتشافات جديدة وتقدماً في العلوم يقودنا إلى فهم أعمق لأقرب أقربائنا، محاولاً الاجابة عن سؤال شغل العلماء طويلاً مفاده ان إنسان النياندرتال عاش على الارض لأكثر من 300 ألف سنة، ولكن لسبب ما، رحلوا، اختفوا فجأة قبل 40 الف سنة وبقينا نحن. تهدف هذه المغامرة الأثرية إلى فهم مدى نجاحهم لفترة طويلة، ولماذا اختفوا.
المثير في هذا الفيلم ان الاسرار العلمية المثيرة تم اكتشافها في كهف شانيدار الشهير التابع لاربيل عاصمة اقليم كوردستان العراق، وتتبع أسرار إنسان النياندرتال مجموعة من علماء الآثار من جامعتي كامبريدج وليفربول جون موريس البريطانيتين، بقيادة البروفيسور غرايم باركر، بالتعاون مع زملائهم الكورد، حسبما اكد مدير دائرة الآثار في إدارة سوران المستقلة، سوران أمين.
وكان الفريق البريطاني قد بدأ عمليات التنقيب للمرة الاولى في هذا الكهف الشهير بين عامي 1953 وحتى عام 1960. وعلى مدى عدد من المواسم، حيث تم اكتشاف اول هيكل عظمي لانسان النياندرتال وسمي (شانيدار 1)، وبعد فترة تم الكشف عن هيكل عظمي آخر (شانيدار 2) وبعدها هيكل عظمي ثالث (شانيدار 3)، قبل ان تتوقف عمليات التنقيب لأسباب الحروب ثم انتشار فايروس كوفيد 19 (كورونا)، ليعود الفريق الانكليزي ويعمل برؤيا ومفاهيم ونظريات متطورة ويتوصلوا إلى اكتشاف مذهل، جسم جديد، اطلق عليه (شانيدار زد). وأهمية هذا الاكتشاف انه أول هيكل عظمي مفصلي متكامل تقريباً لإنسان نياندرتال يتم العثور عليه في المنطقة منذ ربع قرن، حيث تم ترميم جمجمة هذا الهيكل العظمي الذي يعود لأنثى نياندرتال.
يتتبع فيلم Secrets of the Neanderthals عالمة الحفريات القديمة الدكتورة إيما بوميروي وهي تحفر بعناية ودقة هذه البقايا الثمينة وتبدأ في إعادة تجميعها مع الفريق في كامبريدج.
وإلى جانب الاكتشاف الجديد، يقوم الفريق بإعادة التحقيق في بعض الهياكل العظمية للجثث التي تم العثور عليها في الكهف خلال عمليات التنقيب الأصلية بين عامي 1953 و1960 التي قام بها الدكتور رالف سوليكي - بما في ذلك مدفن الزهرة الشهير، والذي كشف خلاله عن ان مجاميع النياندرتال كانوا يدفنون الزهور مع موتاهم وهذا دليل تطورهم الاجتماعي وربما بداية الظهور الديني.
إن الاكتشافات التي يقومون بها في هذا الكهف الرائع تبني صورة جديدة حية لعالم إنسان نياندرتال. باستخدام تقنيات المؤثرات البصرية المبتكرة الجديدة، تم رسم الشكل الأساسي لجماجم إنسان نياندرتال على وجوه الممثلين البشريين المعاصرين، مما يسمح بإعادة هذا العالم المفقود إلى الحياة من خلال عمليات إعادة البناء الأكثر واقعية لإنسان نياندرتال على الإطلاق. وكل ذلك يعتمد على الأدلة الأثرية من شانيدار إلى جانب مواقع أخرى عبر سلسلة جبال النياندرتال.
تجول الفيلم في كرابينا، كرواتيا، وزار كهفاً حيث قد تحتوي الأدلة على أكل لحوم البشر للإنسان البدائي على معنى خفي. وفي مكان سري في برونيكيل بفرنسا، تم اكتشاف حلقة من الصواعد في عمق كهف بناه إنسان نياندرتال قبل حوالي 170 ألف سنة من ستونهنغ، وأخيراً في مجمع كهوف جورهام في جبل طارق، حيث تشير الأدلة إلى واحد من آخر الأماكن التي سكنها إنسان النياندرتال قبل أن ينقرضوا أخيراً.
ما ينشأ من هذه المواقع هو فهم جديد جذري لأبناء عمومتنا البعيدين. بعيداً عن كونهم رجال كهوف وحشيين، فقد تم الكشف عن أن إنسان نياندرتال عبارة عن مجموعة من الناس مهتمين ومتعاطفين ومبدعين. لقد كانوا مجرد طريقة أخرى لكونهم بشراً. وهذا ما يقوله سوران أمين وبلغته الكوردية: أنا اشعر هؤلاء اقاربي، اسلافنا، وابناء عمومتي الذين كانوا يقيمون هنا.
يقول أندرو كوهين، رئيس وحدة العلوم في استوديوهات بي بي سي: يا له من امتياز أن تكون قادراً على سرد هذه القصة عن أحد أهم كهوف ما قبل التاريخ على هذا الكوكب. كنز من علم الآثار الذي يقدم الكثير من المعلومات الجديدة حول حياة وأوقات إنسان نياندرتال.
جيديون برادشو، المنتج التنفيذي في وحدة العلوم في استوديوهات بي بي سي، أوضح قائلا: من خلال طاقم التمثيل المدروس، والمكياج الاصطناعي الواقعي بشكل لا يصدق، وخزانة الملابس المصممة بدقة - كل ذلك معزز بتقنية CGI الثورية، وهي تقنية هي رسومات ثلاثية الأبعاد تم إنشاؤها بواسطة برامج الكومبيوتر المتطورة، وتُستخدم في الأفلام وألعاب الفيديو والبرامج التلفزيونية إضافة إلى الإعلانات التجارية والوسائط المطبوعة، تمكنا من إعادة إنسان نياندرتال إلى الحياة اعتماداً على جمجمة امرة النياندرتال التي تم اكتشافها في كهف شانيدار والتي حملت اسم (شانيدارZ ) بشكل لم يسبق له مثيل. كل اختيار تصميمي، وكل مشهد مبني على أدلة من السجل الأثري، تحت إشراف كبار خبراء الإنسان البدائي في العالم.
الفيلم يكشف بان إنسان النياندرتال، هو أكثر من مجرد أبناء عمومة منقرضين، بل يستكشف ان حياة هؤلاء البشر المنقرضين الرائعين. على الرغم من أنهم لم يكونوا واعيين تماماً مثلنا مثل الإنسان العاقل، إلا أن إنسان النياندرتال كان ذكياً للغاية وأقرب أقربائنا المنقرضين. لقد كان إنسان النياندرتال مثيراً للإعجاب حقاً! كان لديهم ثقافتهم الخاصة، والتي تظهر بوضوح في فن الكهوف ومن المحتمل أن تكون شكلاً من أشكال التواصل. ومثلنا، صنعوا أدوات للصيد واستخدموا جلود الحيوانات في الملابس. على الرغم من أنهم ليسوا أعراقاً مثل البشر، فمن المحتمل أن يكون لدى إنسان النياندرتال اختلافات في لون البشرة، مع وجود أدلة تشير إلى وجود أفراد ذوي شعر أسمر وأحمر وأشقر. وقد تطرق الفيلم الوثائقي إلى العديد من النظريات المحيطة باختفاء هذه الكائنات منذ حوالي 40 ألف عام. هل استسلموا لتغير المناخ، أو المنافسة مع جنسنا البشري، أو مجموعة من العوامل المناخية.
تشير إحدى الفرضيات الشائعة إلى وجود صراع عنيف حصل مع جنسنا البشري، الإنسان العاقل. ربما تصاعد التنافس على الموارد أو النزاعات الإقليمية إلى حرب، مما أدى في النهاية إلى زوال إنسان نياندرتال.
وتقترح نظرية أخرى أن الاستيعاب، وليس الإبادة، لعب دوراً. تشير الأدلة المستمدة من تحليل الحمض النووي إلى حدوث بعض التزاوج بين الإنسان العاقل والإنسان البدائي. من الممكن أن يكون هذا التهجين قد أدى إلى دمج جينات النياندرتال تدريجياً في مجموعة الجينات البشرية، مما أدى في النهاية إلى امتصاصها في سلالتنا. قد يفسر هذا التهجين سبب امتلاك بعض البشر المعاصرين لنسبة صغيرة من الحمض النووي للنياندرتال.[1]