حول حديث بشار الأسد عن القضية الكردية على قناة روسيا 24- 2/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6509 - #09-03-2020# - 10:46
المحور: القضية الكردية
لن يكون هناك سلام على الأرض السورية، ما دامت هذه الذهنية متسلطة على بشار الأسد وجماعته، أو أي مجموعة عروبية مماثلة ستسلم لها السلطة في دمشق، وسيستمر الصراع الجاري بين الشعوب القاطنة ضمن جغرافيتها، إذا لم يتحرروا من ثقافتهم الفاسدة.
وما دامت هذه الأفكار ستطرح بين حين وأخر؛ وستنشر على الإعلام، فلا يمكن تجاوز حالة الحرب في سوريا، ولن يكون هناك أمل في إقامة حوارات سياسية ديمقراطية، وإن تمت فلن تنتهي إلى أمان. كما وأن التغاضي عن التصريحات الخارجة عن المسؤولية الوطنية، من رئيس الهرم الإجرامي، دون محاكمته وإدراجها ضمن جرائمه، حتى ولو كانت غيابية، والتي تعتبر من ضمن قبائحه وكبائره التي لم تعد تحصى، فقادم هذا الوطن لن يكون بأفضل من حاضره. فبما خلفه من الجرائم والبشائع بحق المجتمع السوري، والإنسانية جمعاء، حتى مع طائفته العلوية، رغم الأغطية العديدة من الخبث والدعارة للهيئات الإقليمية، تجاوزت صورة العربي والسوري عالميا كل التشوهات، دون أن يبالي، لأن جل همه الحفاظ على الإدارة والكرسي، واستخدامها كمنصة للعهر بالوطنية، ومن ثم إنقاذ ذاته والمحاطون به من منصات الإعدام.
فمن الواضح، من جهة أخرى، أن بشار الأسد وهيئته الإدارية نشفت منهم القيم البشرية، وهي التي مهدت فيه الانحرافات الفكرية وشوهت معارفه، عن تاريخ الشعب الكردي، كما ونمت فيه الصور النمطية الشاذة عن الشعوب الأخرى، بل وحتى عن الشعب العربي، وأدت إلى ما هي عليه سوريا العروبة اليوم، والتي يعد ذاته وعائلته منتسبا إليها، متناسيا أو جاهلا أنه لا علاقة له بالعروبة التي يتبجح بها، وجل هذا التكالب، هي للتغطية على خلفيته المشكوكة فيها، مثلما يتناسى التكوين الحقيقي لدولة سوريا الحالية، لقيطة مصالح فرنسا، والتي عمرها لا تتجاوز عمر أحدث القرى الكردية في جنوب غرب كردستان. ولربما من المهم كتابة تاريخ ميلادها كجغرافية، على الوثائق الرسمية التي تقدم له، ليتعلم شيئا من تاريخ الدولة التي أصبح المجرم الأكبر فيها، والمطلوب عالميا وداخليا كمجرم حرب، والذي ستلعنه الأجيال القادمة وعلى مر التاريخ.
وفي البعد النظري، لا جديد في مواقف بشار الأسد اليوم، فحديثه عن الكرد ومن على قناة روسيا 24، تعكس منهجية البعث السابقة مضافة إليها مسيرة سنوات تسع من ثقافة الإجرام، وهي مبنية على عنجهية المنتصر، والمساعدات الروسية السياسية العسكرية الطائلة، وخدماتها، فبهذا المنطق من مقاربة وضع الحلول لسوريا القادمة، ومعالجة القضية الكردية، ومثلها قضايا سوريا الأخرى، سيكون من شبه المستحيل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا، بل وعلى الأغلب سيستمر في خلق عوامل جديدة لغرقها في الحروب الأهلية الجارية، وتمزيقها كوطن، وإفراغها من الديمغرافية المتبقية، وتدمير ما تبقى من اقتصادها، والتي جلها تكمن في المنطقة الكردية، التي يرفض الاعتراف بشعبها وقضيته.
بهذه النمطية من التفكير ومنطق إلغاء الأخر، وتحريف تاريخ الشعوب، سوريا ستتجه من دمار إلى دمار. ففي الواقع هذه الأحاديث والمواقف من الشعب الكردي تنم عن عنجهية الطغاة غير المكترثين بمصائب المجتمع، أو منعزلين عن مجريات الأحداث.
وفي البعد السياسي العسكري، حديثه يعكس الموقف الروسي في صراعها مع الأمريكيين في شرق الفرات، مستخدما الهجوم على الكرد كحركة استباقية لما بعد الانتهاء من منطقة إدلب. فقد كانت روسيا حتى قبل شهور تسخر تركيا لإرسال نفس الرسائل إلى الأمريكيين، وبالطريقة ذاتها، وبنفس النبرة الكلامية، ففي الوقت الذي كانت روسيا تطعن فيها التحالف الكردي الأمريكي، كانت تتحفظ على تقديم نفسها كحليف بديل عن أمريكا.
واليوم وبعدما أنتهى الدور التركي، بدأت روسيا تستخدم بشار الأسد وشخصيات من إدارته لإرسال نفس الرسائل إلى الأمريكيين عن طريق الطعن في الكرد كقضية وشعب، وبأبشع الأساليب، مستهتراً بألاف الشهداء والجرحى والتضحيات الجسام الذي قدمه الشعب الكردي، في إنقاذ، ليس فقط المنطقة الكردية من الإرهاب، بل ربع جغرافية سوريا.
فالنظام وكذلك روسيا تدرك تماما أن الكرد اليوم أصبحوا قوة ويمثلون طرف مهم في المعادلة الدولية ضمن سوريا أو حتى في العلاقات السورية الدولية، خاصة وأن حليفهم هي أمريكا، رغم الإنكار المتعمد ضمن المحافل الدولية المؤتمرات التي تعقد من أجل سوريا، ومن منطق الخداع يتعاملون معهم على منهجية السيادة والموالي، وعنجهية المركزية والتابع، وعلينا جميعا كحراك كردي الانتباه إليها، والرد من منطق المساواة والتعامل بالمثل، فالذي لا يبالي بهذه التضحيات ويستمر في التعامل معنا كمواطن من الدرجة الثانية، ويستخدم نفس المنهجية السابقة، وأساليب مربعاته الأمنية، ويردد مصطلحاتها، رافضا الاعتراف بوجود قضية كردية، أو شعب كردي، ويصنفنا مواطنون سوريون ما بين مهاجر إليها ومن سكنها تاريخيا، وتقسيم حراكنا، ما بين الخيانة والموالي، حسب مصالحه كنظام شمولي مجرم، يكاد يكون من شبه المستحيل الحوار معه بدون ضمانات روسية أمريكية مؤكدة، تتقدمها مشروع كردي يرتكز على النظام الفيدرالي اللامركزي.
فتركيز بشار الأسد في حديثه على الوجود الأمريكي في المنطقة الكردية، واعتبارها دولة مستعمرة لسوريا، يبين ذاته صاحب سوريا الأول، وعلى أساسها يقوم وبشكل غير مباشر بتهديدنا، واتهامنا بالخيانة والتعامل مع المستعمر، وهي تعكس بشكل مباشر على أنه لا يقبل الحوار مع الكرد، مادام الأمريكيون موجودون في المنطقة، والغياب الأمريكي تعني عدمية الوزن الكردي، فلا نظن أن روسيا ستفضل القضية الكردية على استراتيجيتها مع السلطة، والتي قدمت الكثير لها ماديا وعسكريا خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى الأغلب بشار الأسد وضح منهجية البعث حول القضية الكردية وبدون مواربة، بعدما اعتبرها عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب والجرأة التي يتحدث بها، كما ذكرناها، جاءت على خلفية الموقف الروسي من الوجود الأمريكي.
وهنا نطلب من الحراك الكردي عامة (خاصة الذين يتوقعون الحوار معه) الرد وبشكل رسمي ويجب أن ينشر على الإعلام، تصريح مماثل، وبموقف حاسم، منه؛ كنظام مجرم، برقبته دماء أكثر من نصف مليون سوري، لا يحق الحوار معه بدون شروط مسبقة وضمانات دولية، خاصة الكرد يملكون قوة ضاغطة مناسبة، وأن يتراجع بشار الأسد والأخرين من إدارته عن تصريحاته بحق الشعب الكردي، وفيه يتم توضيح مطالب الشعب الكردي، مع تقديم مشروع يعكس حقوقنا كشعب يعيش على أرضه التاريخية، ويقبل العيش مع الشعب العربي والأقليات الأخرى ضمن سوريا كوطن يجمعنا دستور ديمقراطي، ونظام لا مركزي فيدرالي.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]