“اللغط بين عيدي (چارشما سور) و (چارشما سري نيساني) “
#عبد العزيز قاسم#
لاشك أن الثورة الأولى في تاريخ البشرية وكما يعتبرها علماء الحضارات إنما قد بدأت في مطلع الألفية الثامنة قبل الميلاد، فبدأت مرحلة الاستقرار والزراعة في بلاد بين النهرين وزاگروس أو في بلاد ميديا كجغرافية أوسع والتي احتلت مناطق مهد البشرية حيزاً كبيراً من جغرافيتها بدءاً بحضارة ( سومر وبابل والكوتيين والكاشيين وآشور والميتانين وميديا…).
وفي سبيل تحقيق الاستقرار والامن وللحفاظ على ديمومة الدولة والمنجزات والمكاسب كان من الضروري وجود حكومات قوية ومستقرة، وكان (الملك) على رأس السلطة، حيث عدت سلطته التنفيذية والتشريعية مستمدة بشكل مباشر من الله لحكم البلاد.
لقد كان يتولى قيادة الجيش وقت الحرب وبيده تنفيذ المشاريع الحيوة العامة مثل حفر القنوات والأنهار وبناء المعابد وتعتبر الشرائع المدونة هي ثمرة الحضارة الناضجة ولقد تعددت الآلهة فعلى سبيل المثل لا الحصر نجد آلهة للعالم السفلي كما هي في الديانة الحورية (الهوريون).
حيث كان للاقتصاد الزراعي دور محوري في قيام حضارات بلاد ما بين النهرين، فالدورات الزراعية وطقوسها كانت تختلط احيانا مع بعض المعتقدات الدينية وكان احيانا لها اليد الطولى لبعض الحضارات القديمة في المنطقة ومنها كان الملك يستمد سلطته وقوته الروحية وديمومته فالطقوس الدينية اليومية كالصلاة والصيام إنما كانت حلقة الوصل بين الأرض والسماء أو بين الإنسان والإله، وكذلك طقوس المناسبات ولاسيما إشراك المعبد والكهنة وبوجود الملك أمرٌ أساسي يعكس الإحتفال بالعيد وكذلك طقوس الأعياد، فالأعياد الفصلية الكثيرة إنما هي بعدد الأشهر وعلى سبيل المثال كما رأس السنة الآشورية (اكيتو) الذي جرى فيه الزواج المقدس بين الملك ممثلاً بالإله (تموز) وكاهنة تمثل (عشتار) وكانت تقام في المعبد وتحت إشراف الكهنة.
و كذلك نجد طقوساً للدفن وحسب المعتقدات المختلفة كان على أهل الميت دفنه وفق الطقوس المتبعة وتزويده من جرار تحتوي على الطعام والشراب ريثما يصل للعالم الآخر.
لقد كان المناسبات الكردية ك (نوروز ويلدا وچارشما سور…) نتاجاً للمثيولوجيا والمعتقدات الميترائية (الكردية) القديمة، لقد كان (الميتاني-الميدي) يتمركز في كردستان وأتضح أنّ له تاريخاً من الممارسات الميترائية (الشمسانية) وبالنظر لأعياد المواسم الزراعية ووصولاً للديانة (اليزدانية) (الايزدية) نجد لها إرتباطات وثيقة بالمعتقدات الكردية القديمة (اليارسانية وبالمانوية والزردشتية والمزدكية والمندائية)، فهذه المعتقدات (اليزدانية) ومن خلال ظهورها في أراضٍ خصبة فقد أهتمت بالدورات الزراعية ولهذا نجد عدة أعياد موسمية خلال السنة الزراعية وجلها تدور حول كيفية التوصل للأمن الغذائي وتجنب المجاعات واليوم ورغم التقدم الصناعي والعمراني لدول متقدمة كحال ألمانيا فهم لا يزالون يحتفلون بالموسم الرئيسي “موسم الذرة”، كذلك
كان الكرد ولايزالون يحتفلون بعدة أعياد على علاقة ما بالمواسم والرعي، فمواسم الزفاف والأعراس كانت تتم بعد مواسم حصاد الزرع كالحنطة لدى الفلاحين والقرويين الكرد وفي المقابل لدى القبائل الرعوية (كوچري) نجد (موسم بيع الخراف) وهذه المواسم الفصلية والأعياد ترتبط بمواسم الرعي والإنجاب والزراعة وهي لا تخص الكرد فقط بل تمتد لجيرانهم من الأقوام والشعوب المجاورة… ولبعضها الآخر علاقة بالمعتقدات الدينية القديمة فلا يزال يحتفظ الكرد (الايزيديين واليارسانيين) ببعض تلك المناسبات والتي تدل على علاقة بالطبيعة والانجاب والمواسم والميثولوجيا والمعتقدات الدينية الكردية (الميترائية) والتي سبقت المسيحية والاسلام في كوردستان.
ومن تلك المناسبات والتي عنونت مقالتي هذه، هي:
(چارشماسور وچارشمارەش وچارشماسەری نيسانى…) ،
وعلى ما يبدو ظهر في السنوات الأخيرة لغط بين مناسبتي (چارشماسور) و (چارشماسەرى نيسانى)، وحسب المعلومات التاريخية القديمة أن (چارشماسور) يصادف في الأربعاء الأخير قبل رأس السنة الكوردية (نوروز) ،بينما يصادف يوم(چارشما رەش) قبل (چارشماسور) بإسبوع.
وبالعودة إلى المعتقدات الكردية القديمة، أن الله قد خلق الكون في سبعة أيام (بدء في چارشمارەش وانتهى في چارشماسور) حيث كان الكون في (چارشما رەش) في ظلام وبينما أكتمل الكون في (چارشما سور) ويسمى شهر شباط ب( رەشه ما) نسبة إلى نفس الإعتقاد الديني الكوردي القديم (الميترائية)، يجدر ذكره أنه بالاستناد إلى المعتقدات آنفة الذكر، أن الشمس قد أشرقت لأول مرة في صبيحة (النوروز) ولهذا تسمى “نوروز” (اليوم الجديد) برأس السنة الكوردية.
وأما بخصوص اللغط الذي أوردته فيما بين (چارشماسور) و أربعاء آخر في أواسط شهر نيسان الميلادي فيسمى من قبل الكرد الإيزيديين ب(چارشما سەرى نيسانى) وهذا اللغط موجود فقط لدى الكرد المسلمين، ومع العلم أن الغالبية العظمى من الكرد في شرق كوردستان (كوردستان إيران) وإقليم خراسان لايزالون يحتفلون بيوم (چارشما سور) في الأربعاء الأخير من شهر (رشەما) الكردي بمراسيم مشابهة بتلك الموجودة في نوروز، ولاسيما المتعلقة بإيقاد النيران في ليلة الاربعاء …
وكما يبدو لي فإنه لا علاقة بين عيد چارشمبا سور والذي يصادف في الأربعاء الأخير قبل نوروز أو عيد (سرسال) الإيزيدي بالعيد الآخر في(سەرى نيسانى)، ويبدو واضحاً أن هناك علاقة ما بين رأس السنة الآشورية وچارشمبا سەرى نيسانى، و هذا ما يؤكد على وجود علاقة تاريخية_ثقافية وثيقة بين الآشوريين والكلدان والكرد والسومريين، وهناك من يذهب إلى القول بأن الآشوريين والكلدان من الناحية العرقية ينتمون إلى الكرد وقد ورد ذلك في التوراة في سفر (التكوين)، إضافة الى ماذكره ابن خلكان وابن المسعودي بهذا الخصوص، إضافة لعدم وجود علاقة أو ارتباط العيد القومي الآشوري (اكيتو) بالأعياد والمناسبات المسيحية، ولهذا لا نستغرب في انتماء أغلب الطوائف المسيحية واليهودية في كوردستان إلى الكرد، وبخاصة في ظل المحاولات الجارية في يومنا لفصل الإيزيديين والعلويين عن قوميتهم بسبب الدين وكذلك فصل ( زازا و لور ولك و الشبك) عن الكرد بسبب إختلاف لهجاتهم.
وبالرغم من محاولات البعض في التشويه أو الإساءة إلى الديانة الإيزيدية وإلى الكرد بشكل عام من خلال فرض ثقافة معينة عليهم من قبل جهة معادية لأمتنا الكردية وكما في محاولاتهم اليائسة والمشابهة لتلك في يومنا هذا في فصل الكرد الايزيديين عن الكرد الياريسانيين والعلويين والمسلمين وفصل عيد چارشما سور عن نوروز والذي هو عيد قومي لعموم الشعب الكردي بما فيهم الايزيديين خاصةً، وبالعودة إلى مآسي الايزيديين ونكباتهم فالجدير ذكره أنهم وعلى مر العصور قد تعرضوا للعديد من الفرمانات(حروب إبادة) من قبل أعداد شعبنا ومحتلي كوردستان.
وهذا يذكرنا بمحاولات أمراء وحلفاء الأمويين والعباسيين في السعي لمنع إقامة الأعياد والاحتفالات الكردية كعيدي نوروز ومهرجان وما محاولة الخليفة العباسي المعتضد بالله (856/902) بتأخير موعد النوروز إلى شهر حزيران والتي سميت ب(نوروز حزيران أو نوروز المعتضدي) إلا سعياً منه لكسب المزيد من الأموال والهدايا والعطاءات التي كانت تقدم له من الأمراء الكورد، وجرت العادة أن يقدم هؤلاء في النوروز الهدايا لأمراء وحكام المقاطعات الإسلامية الغازية، لذا فإن تأخير النوروز لأواسط حزيران(الحادي عشر منه) فيه حيلة ذكية فهو شهر المواسم والغلال كالحبوب و العسل والمواشي ولا بدّ أن تقدم للأمير وكذلك في محاولة لأفراغ النوروز في مضمونه وإخفاء طابع موسمي زراعي عليه ليس إلا…
أنه وعبر التاريخ فقد كثرت المحاولات اليائسة لتأطير النوروز وإفراغه أو تقزيمه وفي عهد الرئيس السوري الراحل /حافظ الأسد/ فقد سمي بعيد الأم وأعتبر عطلة رسمية دون أن يأتي ذكره كعيد نوروز، وكذلك ما فعلته الحكومات التركية في محاولات باءت بالفشل حينما أعلنت أن (نڤروز) هو عيد لكل تركيا في جهد لسلخ نوروز تاريخياً و قومياً عن الكرد …
وبالعودة إلى اللغط بين العيدين المشار إليهما سابقاً فقد أشار الباحث والكاتب الكردي تيمور خليل على صفحته الفيسبوك على أن الايزيديين يحتفلون ومنذ مئات السنين بثلاثة أيام من الأربعاء (Çarşemên Hesaban) يصادفون قبل عيد النوروز وهم: (Oxiçarşem) أو (Axirçarşem) و (Qereçarşem) والأربعاء الأخير تسمى ب(Çarşema sor) أو (Kuloçê serê salê) بإيقاد النار (kuçik: الموقد) ، أمام كل بيت و يطلق أيضاً تسمية (gurgurîk) على هذا النار ويتم إحراق بعض الألبسة وذلك للتخلص من الأمراض والمتاعب ولجلب الصحة ويتم إعداد الكوليجة (kadikên serê salê) من سبعة مواد (الطحين والحليب والبيض والزبدة والسكر…) ووضع خرزة في العجين وفيما بعد يتم تقطيع الكوليجة فإذا ظهرت الخرزة في وسط الكوليجة فدلالة على أن السنة هي سنة خير وإذا لم تظهر في المنتصف يتم تقطيعها ثانية فإذا ظهرت فإنها تدل على وجود أمطار رعدية والبرد والحالوب وعواصف في الربيع…
ويذكر في آخر منشوره بأنه يعتقد
(çarşema kuloçê serê salê) و (çarşemasor)
هو نفسه عيد نوروز .
[1]