أردوغان على خطى النازية - 2/2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 5185 - #06-06-2016# - 12:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ومن القضايا التي نتوقع بأنها ستؤدي بأردوغان وتركيا إلى السقوط والانهيار، إلى جانب المذكور سابقاً:
7- دعم القوى الإسلامية السياسية الراديكالية والإرهابية في مواجهة الرأسمالية العالمية، التي كانت تأمل أن تقود تركيا الإسلام الليبرالي، فخاب أملها مما جعلتها تسحب ثقتها ودعمها من الشركات التركية وبالتالي إيقاف الضخ لدخلها الوطني. والدورات الاقتصادية، عادة تأخذ عقدا من الزمن لظهور تأثيراتها المدوية.
8 - الدبلوماسية العدائية المفتعلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي لا تختلف من التي قامت بها أثناء إسقاط صدام حسين، والتبرير هو نفسه (التخلي عن الكرد) سابقا ووصفه قادة كردستان العراق بزعيم عشيرتين، واليوم يكرر نفس الخطأ مع القوة الكردية في غربي كردستان ويتهمهم بالإرهاب.
9- والأهم، هو النخر الداخلي، وهي محاولة نقل تركيا ودستورها من نظام شبه ديمقراطي برلماني برئاسة الوزراء (حيث يكمن التنافس أو التوازن بين القوى السياسية، وحضور المعارضة الدائم، وقدراتها في إحداث تغيير عند تمادي القوة الحاكمة، إما عن طريق تشكيل كتلة متناسقة بين عدة قوى صغيرة ضمن البرلمان، أو تجميع شرائح من الشعب المتضرر في حكم ما، ضمن مظاهرات وإضرابات عامة تشل الحكومة) إلى نظام رئاسي جمهوري، في كثيره ينجرف إلى نظام استبدادي (معظم الدكتاتوريون يحكمون البلاد بنظام الرئاسة الجمهورية، المنتخب من قبل الجمهور، والذي لا يحق تغييره حسب الدستور مهما تمادى وجار، إلى أن تنتهي فترته الزمنية) وفي الواقع التركي المزمع تغييره بعد التعديل في فقرات معينة من الدستور، وحيث الهيمنة البرلمانية بيد أردوغان وحزبه الحاكم، وذلك بعد عمليات تضييق الخناق على قوى المعارضة، في الداخل والخارج وضمن البرلمان، سيظهر النظام الدكتاتوري وبشكل فاضح، وسيطغى الاستبداد ليشمل كل جوانب الدولة، وسيؤدي انجراف تركيا إلى واقع مشابه للدول الدكتاتورية المجاورة كالعراق سابقا وسوريا الأسد، وغيرهما، تحت تغطية التشبيه بالدول الجمهورية في أوروبا كفرنسا، أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا يشذ عنهم في بنية الدستور(كما ذكرناها في الحلقة السابقة) إلى جانب أسباب أخرى، منها: مؤسسات هذه الدول، العسكرية والأمنية، لا تتدخل في الأمور السياسية لصالح القوة الحاكمة، والمعارضة تظل دائمة الحضور، إن كان داخل مؤسسات السلطة التشريعية أو القضائية، أو في الإعلام، والأهم الوعي الثقافي لجماهير تلك الدول، إلى جانب الركيزة الأساسية وهي البنية الوطنية الحضارية التي أقيمت عليها مواد دستور تلك الدول، والغائبة في الدستور الكمالي رغم التعديلات، والتي استندت عليها السلطات التركية المتعاقبة في تهميش الشعوب غير التركية والقضاء على مقوماتهم القومية، وهو ما يجده أردوغان غير كاف لبسط هيمنته، ويريد تغييب ما بقي من المواد ذات النفس الديمقراطي. وعلى الأغلب هذه أحد أهم العوامل التي ستؤدي إلى سقوط أردوغان وتركيا وبشكل كارثي، وعلينا ألا ننسى أن سقوط الدول والطغاة، تحتاج إلى فترة زمنية قد تبلغ عقودا من الزمن، ولابد من نضوج هذه العوامل، وهي تقترب من مرحلة الهبوط في تركيا الأردوغانية، وإن سقطت فستكون على سوية سقوط الدولة العثمانية.
ومن الملاحظ، وبخلاف مجريات الأحداث السياسية والعسكرية والأمنية الداخلية، يحاول أردوغان إجراء تغيير في سياسته الخارجية، لربما وجدها بأنها لا تتلاءم ونزعته الفردية في السلطة، بعد تأكد حكومة حزب العدالة والتنمية أو بالأحرى أردوغان، أن سياسته بدأت ترتطم بجدران العزلة، والمؤثرة بشكل مباشر في شخصيته العاتية، فبدأ يبحث عن مخارج في الداخل والخارج، وكأي مستبد، كان لا بد من التغيير في الأوجه المحاطة به، فأنتج بعد التغيير مباشرة، لهجة دبلوماسية مغايرة، للتعامل مع أمريكا، وخاصة حول القضية الكردية في غربي كردستان، وتم تشكيل لجنة خاصة لتطبيع الخلافات مع روسيا. وفي الحالتين مهد لها بهجوم إعلامي متصاعد على سياسة الدولتين، وهو أسلوب دبلوماسي معروف في العلاقات الدولية، والتي تشبه لعبة الأطفال لكن بلغة الكبار، إنها خدعة إعلامية تسبق مرحلة البدء بالحوار، فلخلق التقارب يجب إثارة القضية وجلب الانتباه حول المشكلة للبحث عن الحلول، لكن وتبقى على الجانب الروسي، وهو الأهم، والأمريكي فيما إذا كانوا سيتقبلون لعبة رجب طيب أردوغان وعروضه الملغومة.
وتظل القضية الكردية في غربي كردستان، دولياً وفي الداخل التركي، من القضايا الأكثر تعرضا لجدلية البحث والنقاش، بينها وبين الدول الكبرى المعنية، والمؤدية لعدم تخلي أردوغان لأدواته أو حلفائه من ضمن داعش التركية، ورعايته لها (فداعش كما ذكرنا في أبحاث سابقة منظمة عاهرة تخدم الكل وتقدم عورتها لكلا من يدعمها، وهي منظمة تعمل تحت غطاء البعد السني أو تكوين الخلافة أو الدولة الإسلامية السنية لكن في الواقع الفعلي لا علاقة لها بهذا المشروع بل ظهرت وتستمر لتمرير الأجندات المتعددة ولمعظم الدول الإقليمية والدولية) فلا تركيا تتجرأ بالتخلي عن داعش بسبب الكرد، ولا السلطة السورية وإيران خوفا من المعارضة الوطنية. كما وأن أردوغان لا يستطيع التحرر من الثقافة القومية العنصرية، ويقترب من وضع الحلول المنطقة للقضية الكردية أو التعامل بأسلوب حضاري ديمقراطي معهم في الأقسام الأخرى من كردستان، وبسبب هذا التناقض والنخر الذاتي، يستمر بالاحتفاظ بداعشه كأداة جاهزة يستخدمها ضد الكرد في كل لحظة مناسبة، مثلما فعلها سابقا، في جنوب وغربي كردستان. هذا التعامل المزدوج مع القوى المعارضة السورية، والقوى الأوروبية وأمريكا، ليست بغائبة عن ذهنية الأمريكيين ولا الأوروبيين، لكنهم حملة ثقافة حضارية ديمقراطية، أكثر عمقا وتحليلا للوقائع من منطق أردوغان الاستبدادي.
كان بإمكان أردوغان توجيه تركيا إلى دروب أخرى غير المؤدية إلى سقوطه وسقوطها:
1- التعديل في الدستور وجعله وطنيا بامتياز، يقر ضمنه بحقوق الشعوب الأخرى داخل تركيا، وعدم الإصرار على النظام الرئاسي.
2- الحوار الدبلوماسي الحضاري مع الدول المجاورة.
3- القيام بدور شريف في حل القضية السورية، لإسقاط سلطة بشار الأسد حليفه السابق، قبل بلوغ سوريا إلى ما بلغته، ومنها عدم التمسك بمنطقة حظر تحت حجة احتواء المهجرين.
4- التعامل الحضاري مع مشاكلها الداخلية، كالتعامل مع المعارضة التركية من منطلق ديمقراطي، وحل القضية الكردية، بنظام فيدرالي، على غرار بعض الدول الأوروبية التي يود الانضمام إليها، وكما كان بإمكانه بالفدرالية وحدها، إظهار تركيا كإحدى افضل الدول الديمقراطية في العالم، وجعلها مثالا يحتذى بها في حل القضايا القومية والأثنية المتشابكة في العالم وعلى وجه الخصوص في سوريا وإيران والعراق، بوسعها أن تكون مفتاح ازدهار جميع مناطق تركيا وفي جميع المجالات، لكن ولعنجهيته الذاتية، أو ربما لنقص في اللاشعور الشخصي والمستمد من واقع الطفولة.
ما يؤسف له أنه فضل التمادي والاستبداد والهيمنة على البنية الحضارية الديمقراطية، جارّا تركيا إلى النظام الرئاسي، ليصبح المستبد والمهيمن على كل مفاصل الدولة، وبالتالي يجعل من تركيا دولة دكتاتورية بامتياز، ليعود بالمجتمع التركي إلى سابق عهده، حينما كانت الكمالية المتعاقبة تكم الأفواه وتستعبد كردستان أرضا وشعبا.
[1]