الذاتي والموضوعي في أزمة الحركة الكردية السورية
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 7247 - #13-05-2022# - 14:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
مدخل لابد منه
في أية انتكاسة ، أو تراجع ، أو حالات الجمود في حركات الشعوب القومية ، والديموقراطية ، وفي أية هزائم تلحق بادواتها النضالية ، يتم البحث عن الأسباب ، والمقدمات ، وهل حصل الانسداد ، والجمود ، ووقعت الكارثة بسبب عوامل ذاتية ، أو موضوعية أو الاثنتين معا ؟ .
لسنا الان بصدد بحث تاريخ الشعب الكردي ، او دراسة أحوال طبقاته الاجتماعية ، أو ظروفه الاقتصادية ، او توزيع قواه البشرية في عملية الإنتاج ، بل نحاول الإحاطة بتطورات الحركة الوطنية الكردية السياسية المعبرة عن مصالح ، ومطامح الكرد ، والمدافعة عن وجودهم ، وحقوقهم ، وبمعنى أدق نحن بصدد تحديد أسباب تراجعها ، وعوامل نهوضها ، كونها الأداة ، والوسيلة ، والسلاح الفعال في وجود الكرد ، وحمايتهم ، وضمان مستقبلهم ، فتعبيرات الحركة الكردية تتبدل حسب الظروف والاحوال ، وفي الحالة المشخصة الراهنة للكرد السوريين فان التعبيرات الحزبية تتحكم ، وتسيطر بوسائل قسرية ، واقتصادية ، ودعائية ملتوية ، وتلحق الضرر البالغ بالقضيتين القومية ، والوطنية .
فاحزاب طرفي الاستقطاب تتحمل مسؤلية افراغ المناطق من الشباب ، والمنتجين ، وسوء الأحوال الأمنية ، والاقتصادية ، وفي تعميق الخلافات الكردية الكردية ، وفي سوء العلاقات الوطنية ، والإقليمية ، والكردستانية ، والدولية ، وفي نشر الإحباط ، وانعدام الثقة ، بين الأوساط الاجتماعية ، وانتشار الفساد ، والمحسوبية ، وشراء الذمم ، والهبوط حتى في أخلاقية التعامل المجتمعي ، الأحزاب وليس الشعب الكردي مسؤولة عن معظم حالات الاحتلال لمناطق كردية سورية ، واهراق الدماء الزكية ، وتسعير العداوات بين الكرد والمكونات الأخرى ، وهي المسؤولة عن انعزال الكرد عن الشأن الوطني ، وضعف وانعدام تمثيل الكرد بالمحافل ، وهي المسؤولة عن فرض خيار العودة الى نظام الاستبداد الذي يشكل العدو الأول والأخير لشعبنا وقضيتنا .
معظم الكرد السوريين المهتمين بالشأن السياسي ، والمتابعين لتطورات حركتهم ، لايختلفون على وجود الخلل البنيوي في هيكلية تعبيراتها الحزبية المتصدرة للمشهد ، والمحتكرة للعمل السياسي الكردي لاسباب عديدة معظمها ان لم يكن كلها خارجية ، ليس من بينها شرعية التخويل ، والتمثيل من جانب الغالبية الساحقة من الشعب الكردي ، لذلك وامام حالة الجمود ، وانسداد الآفاق ، وفشل أحزاب طرفي الاستقطاب ليس في إيجاد حلول للازمة المتفاقمة فحسب بل عجزها عن تشخيص أسبابها ، وتحديد جوانبها ، نقول امام الطريق المسدود هذا لابد للنخب الفكرية ، والثقافية مواكبة الحالة المرضية الراهنة ، والتنكب لمهام البحث والتحليل العميقين ، للخروج باستخلاصات علمية واقعية مفيدة ، تتبعها الممارسة العملية في التطبيق .
الذاتي أولا ، والموضوعي تاليا في حالة التأزم
هناك انطباع عام ترسخ في أذهان الكرد في كل مكان ، وحتى قبل ان يصبح الكرد السورييون جزء من الكيان الوطني السوري ، بأن الظروف الموضوعية المحلية ، والدولية لم تكن يوما لمصلحة خلاص الكرد وتحررهم ، قد يكون هذا الحكم قريبا من الصحة للوهلة الأولى ، ولكن سرعان ما يظهر انه تبريري على الاغلب وذلك لعدم الإشارة بذات الوقت الى ضعف او غياب العامل الذاتي ، وعدم الربط بين الجانبين ، بالإضافة الى أن احداث التاريخ الكردي ، والكردي السوري بالذات تنبؤنا مرارا على إضاعة الفرص ، واللحظات الحاسمة ، في مراحل كانت العوامل الموضوعية مناسبة .
من حيث المبدأ ، وعلى ضوء تجارب حركتنا التاريخية ، فان العامل الذاتي هو الأساس الذي تنشأ عليه العوامل الموضوعية ، والعامل الذاتي منوط به وظيفة تغيير العامل الموضوعي ، واذا كان العامل الذاتي مكتملا ، وناضجا ، فانه كفيل بتحويل مساوئ ، ومخاطر الظروف الموضوعية الى أدوات مساعدة ، وإيجابية لصالح الكرد ، وقضيتهم ، وشعبهم ، ووطنهم .
فما هي مكونات العامل الذاتي التي تتوقف عليها مصير الحركة الكردية السورية ، وتتطلب التبديل ، والتطوير ، والترشيد ؟ :
أولا – توفر حركة سياسية ، ديموقراطية ، منظمة ، واسعة ، منفتحة ، غير مؤدلجة ، تستوعب ممثلي مختلف الطبقات الاجتماعية ، والفئات المنتجة ، والاجيال المتكاملة من النساء والرجال ، الذين تتوحد مصالحهم من اجل انتزاع الحريات ، وصيانة الهوية القومية ، واحترام إرادة الكرد في تقرير مصيرهم السياسي والإداري في سوريا الجديدة التعددية ، الديموقراطية .
ثانيا – مشروع سياسي كردي شفاف من اجل التعايش ، والسلام ، يستند الى مبدأ التعاون ، والعمل المشترك مع القوى الديموقراطية السورية ، لإزالة الاستبداد ، وبناء النظام السياسي التشاركي المقرر من الشعب ، من شأنه تعزيز دور سوريا في المجتمع الدولي الىى جانب السلام ، وحرية الشعوب .
ثالثا – الانطلاق من مفهوم واقعي حول كون سوريا بلد متعددة الاقوام ، والديانات ، والمذاهب ، واحترام خصوصيات ، وحقوق الجميع .
ثالثا – اعتماد الفكر القومي الديموقراطي على قاعدة مبدأ حق تقرير المصير ، والعيش المشترك مع الشعوب والمكونات السورية بسلام ، ووئام ، والعودة الى مفاهيم ، وتقاليد حركتنا الكردية الديموقراطية ، وتنقية الفكر السياسي الكردي من بدع عبادة الفرد ، والعقلية العسكريتارية ، والتبعية الولائية .
رابعا – إرساء مبدأ استقلالية القرار الوطني الكردي السوري ، وإعادة النظر في العلاقات القومية باتجاه تحويلها الى علاقات التنسيق ، والتعاون الاخوي ، وعدم التدخل بشؤون البعض الاخر .
خامسا – تصالح السياسي مع الثقافي ، بتحفيز شروط التزام المثقف بقضايا الشعب ، والوطن ، والعمل سوية لتنشيط نهج ثقافي قومي ، ووطني متجدد ، ينعكس على كافة مناحي الحياة بمافيها النضال السياسي .
سادسا – من اجل تعزيز جوانب العامل الذاتي ، وضمان الأهداف المرجوة ، وادامتها مستقبلا ، واضفاء الشرعية القومية ، والوطنية ، وتصليب عودها للتمكن مستقبلا من كسب ، وتجيير العوامل الموضوعية المؤاتية ، لابد من استخدام الطريق المدني الديموقراطي الشرعي ، أي المرور بالمؤتمر الكردي السوري الجامع ، والعمل على توفير شروط عقده بالسرعة الممكنة .
سادسا – ترسيخ مبدأ الحوار السلمي في الحياة السياسية ، وتحويل الصراعات الراهنة التناحرية ، الى التنافس ، وتقديم الأفضل لصالح الشعب ، بعيدا عن وسائل العنف ، والترهيب ، والتخوين ، وإزالة خطاب الكراهية ، والمواقف المسبقة العدائية .
ماسبق يشكل القاعدة الأساسية الفكرية ، والتنظيمية ، والسياسية ، والاجرائية ، والثقافية للعوامل الذاتية الأكثر نضوجا ، والمطلوبة توفرها ، وهي الكفيلة بالتأثير المباشر ، وعلى مراحل متلاحقة على العوامل الموضوعية السياسية بشكل خاص ، وتبديلها نحو الأفضل ، وتجييرها لمصلحة البرنامج الوطني الكردي السوري ، وإعادة ، وتفعيل الدور المرموق والمؤثر للحركة الكردية السورية على الصعد المحلية ، والوطنية ، والكردسانية ، والاممية.[1]