المستقبل الكردي في مستهل العام الجديد
#صلاح بدرالدين#
الحوار المتمدن-العدد: 5403 - #15-01-2017# - 11:17
المحور: القضية الكردية
المستقبل الكردي في مستهل العام الجديد
صلاح بدرالدين
كل مايتم توديع عام منصرم وعلى عتبة عام جديد تتطلع الشعوب عادة الى غد أفضل ومستقبل تتحقق فيه الأماني والطموحات وما يتعلق الأمر بالكرد كشعب يرنو الى الحرية والخلاص فان آمالهم االمشروعة التي انتقلت من جيل الى آخر منذ القرن التاسع عشر على أقل تقدير تنحصر في انتزاع حقهم بتقرير المصير والعيش بسلام وأمان مع جيرانهم ومواطنيهم من الشعوب الأخرى وخاصة العرب والترك والايرانييون والمكونات والأعراق الأخرى وأن تتوقف الحروب والمواجهات وسائر أنواع الاعتداءات والاجتياحات ومختلف ممارسات الاضطهاد والقمع والالغاء واجراءات تغيير التركيب الديموغرافي التي كانت بلاد الكرد ومناطقهم مسرحا لها منذ قرون .
قبل الدخول في تفاصيل احتمالات المستقبل الكردي في العام الجديد لابد من تشخيص القوى السائدة على مساحة الجغرافيا التي يتواجدون فيها الى جانب الأقوام الأخرى والمشاريع المطروحة حول مستقبل المنطقة وشعوبها ومن ضمنها الشعب الكردي تلك المشاريع التي تشكل في الوضع الراهن قاعدة الصراع في الشرق الأوسط وعنوانها الرئيسي وفي مقدمتها :
أولا – المشروع الايراني التوسعي ظاهره ديني مذهبي وجوهره قومي فارسي ويهدف الى بسط النفوذ في سائر أرجاء المنطقة من جلولاء الى البحر الأبيض المتوسط في سواحل سوريا ولبنان وانتهاء باليمن ودول الخليج وقد استثمر النظام الايراني الاتفاق النووي مع الغرب لمضاعفة ترسانته العسكرية الهجومية وزيادة قمعه للقوميات الأخرى الايرانية من غير القومية السائدة ومن ضمنها شعب كردستان الايرانية وتجاهل حقوقها المشروعة ومطالبها المحقة ولاشك أن مشروع النظام الايراني هذا يتعارض مع طموحات وأماني الكرد في سائر أرجاء المنطقة بل يعاديها على الصعيد العملي كما يلاحظ في العراق مثلا عندما يقف نظام طهران مع مراكز القوى الشيعية في بغداد والميليشيات المذهبية العنصرية التي تعادي تطلعات وحقوق شعب اقليم كردستان كما يحرض مجاميع فئوية وحزبية كردية في محافظتي السليمانية وكركوك تحديدا ضد رئاسة وحكومة الاقليم ومن أجل دب الفرقة والانقسام في صفوف الكرد .
ويتحمل نظام طهران جزءا كبيرا من مسؤولية معاناة السوريين وخصوصا الكرد السورييون فقد كان ومازل عرابا للجماعات المسلحة التابعة ل – ب ك ك – بل ساهم حرسه الثوري وفيلق القدس والجنرال قاسم سليماني في نقل مسلحي – ب ك ك – وباالآف من قنديل الى سوريا وخاصة الى المناطق الكردية والتي سيطرت بقوة السلاح وبدعم مباشر من سلطة نظام الأسد على مقاليد الأمور وأقامت سلطة الأمرالواقع تحت نفوذ الفرع السوري – ب ي د – التي تمارس القمع ضد من يخالفها وأفرغت المنطقة من سكانها الأصليين ولاننسى في هذا المجال الدور الايراني في تخريب عملية السلام التركية – الكردية وذلك من خلال مركز قنديل العسكري .
ثانيا - المشروع التركي التوسعي المستند الى الأحلام الامبرطورية – العثمانية – القاضية بالتحكم في مصير شعوب المنطقة باسم الخلافة السنية وبزعامة العنصر التركي والذي لايعترف بحق عدد من الأقوام في تقرير المصير وفي المقدمة الشعب الكردي ولايخفي القيمون على المشروع معاداتهم للحقوق الكردية ليس في تركيا فحسب بل في كل مكان يتواجد فيه الكرد .
ثالثا – السياسة الروسية في المنطقة التي بدأت تتحول الى مشروع متكامل لبسط النفوذ بعد الامساك بمفاصل الوضع السوري وبناء قواعد عسكرية برية وبحرية وتصدر عملية وقف اطلاق النار والتفاوض بعد استغلال تواطؤ وتباطؤ ادارة الرئيس الأمريكي أوباما والى جانب اعتبار الروس كدولة محتلة لسوريا فان نظامهم يعتبر حليفا لنظام الأسد الاستبدادي وشريكا في قتل السوريين ويتخذ مواقف انتهازية مصلحية من مختلف قضايا المنطقة بما فيها القضية الكردية خاصة بعد الاتفاق مع تركيا وروسيا ليست في وارد الوقوف الى جانب حق تقرير مصير الكرد في المنطقة بسبب مصالحها وظروفها الداخلية .
رابعا – التوجهات الأمريكية – الأوروبية بشأن الشرق الأوسط لايمكن اعتبارها مشروعا واضحا ومتكاملا وموحدا وما يجمعها الآن هو الحرب على الارهاب ليس من أجل القضاء على دولة خلافة – داعش – في سوريا والعراق فقط بل من أجل الحفاظ على أمنها الداخلي والتخلص من مسؤوليات النزوح والهجرة ولاشك أن مواقف الغرب عموما ليست ضد الحقوق الكردية ولكنها متحفظة ومترددة تجاه شكل وتفاصيل حق تقرير المصير ووحدة البلدان والحدود الدولية ومرهونة أساسا بمسائل مواجهة الارهاب والنفط وأمن اسرائيل خاصة وأن هناك مؤشرات على تفرغ الغرب لقضاياها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية على حساب التورط في الأمور الخارجية والعسكرية منها على وجه الخصوص .
العامل الذاتي
يشكل العامل الذاتي الحلقة الأضعف في الوضع الكردستاني الراهن فمن جهة ليس هناك اتحاد ( قومي ) ولو في مستواه الأدنى بين مراكز وأحزاب الحركة القومية الكردية في أجزاء كردستان الأربعة بل نشهد صراعات ومواجهات ساخنة وباردة وفاترة وبالرغم من وجود اتجاهين فكريين سياسيين واحد قومي ديموقراطي معتدل يقوده مركز اقليم كردستان العراق ويشكل الرئيس مسعود بارزاني رمزا له وآخر مغامر مرتبط بالقوى الاقليمية يشكل مركزقيادة – ب ك ك – في قنديل التجسيد العملي له الا أن معالم الصراع لم تتبلور بعد على المستوى الشعبي بصورة واضحة والسبب يعود كماأرى الى تقصير الاتجاه المعتدل في ارساء القواعد الفكرية والسياسية والتنظيمية وبلورة المفاهيم على الصعيد العملي ووضع البرنامج النضالي الديموقرطي التشاركي والابقاء فقط على ادارة الصراع عن بعد تغلب عليها التجريبية من دون التزامات وآليات واضحة .
أما على صعيد الوضع الداخلي في كل جزء على حدة فالحالة تبدو أكثر سوءا فا لأحزاب الكردية الفاشلة والعاجزة تتصدر المشهد تلك الأحزاب التي لاتمتلك أي مشروع قومي ووطني واضح وحاسم وتعيش على ردود الفعل وليس الفعل كما أن هذه الأحزاب لم تشهد في كل تاريخها اصلاحات أو تغيير في البرامج والقيادات والفكر والتنظيم وأهملت الأجيال الشابة الجديدة والمرأة بل أبعدتها عن مصادر الفعل والقرار حتى أن هذه الأحزاب التي قد تبلغ ( الآلاف ) على المستوى القومي العام بعيدة عن التقاليد الديموقرطية ولاتتمتع فيما بينها على الحد الأدنى من التنسيق والعمل المشترك كما أنها مختلفة حتى على تفسيرات مبدأ حق تقرير المصير وللأسف قسم كبير منها مخترقة من جانب الدوائر الشوفينية الحاكمة في طهران وانقرة ودمشق وحتى بغداد .
قد أختلف في قراءتي وتقييمي في عدد من المسائل المتعلقة بالمستقبل الكردي مع اخوة وأصدقاء من مفكرين وسياسيين واعلاميين كرد ولاضير أن يواجهني البعض بأنني متشائم فبالنسبة لي أرى العامل الذاتي هو الأساس والمنطلق وأشخص هذا العامل بالسلبي في الوقت الراهن ولكنني بالوقت ذاته أرى امكانية تحويله من السلبي الى الايجابي بتوفير الشروط والأسباب التي يمكن ذلك عندما تتوفر الاردة والقرار والبرنامج وخطط العمل فعلى سبيل المثال هناك من يعول على العامل الخارجي الغربي والاسرائيلي لاقامة الدولة الكردستانية المنشودة واذا كان ذلك طموح مشروع من جانبه المبدئي العام واقصد هنا حق تقرير مصير الكرد فان الوسيلة والآلية ليستا مفيدتان وغير متوفرتان أصلا فالغرب يتعاطف مع الكرد من بوابة البيشمركة ومحاربة الارهاب وهي لن تدوم الى الأبد أما اسرائيل فتبحث عن شريك لتلقي الضربات واذا كانت هي مدججة بالسلاح النووي وتستطيع الدفاع عن النفس فقضية الكرد تختلف عن تجربة اسرائيل لأنهم ليسوا عداء للعرب والأتراك والايرانيين ولم يحتلوا أراضي الغير وتحل قضيتهم سلما وعبر التطور الوطني الديموقرطي والتوافق مع الشركاء ومن منطق الخسارة والربح فان مصلحة الكرد هي العيش المشترك مع مئات ملايين العرب والترك والايرانيين وليس مع بضعة ملايين اسرائيلي ليسوا على حدود كردستان .
قبل نحو اسبوع عقد في – تونس – وبمبادرة من المعهد العربي للديموقرطية لقاء بين مثقفي ( الأمم الأربع ) العرب والترك والايرانييون والكرد وكنت أحد المشاركين وهو الأول من نوعه وتم نقاش بالعمق حول التسامح والاعتراف المتبادل بالوجود والحقوق والديموقراطية ومحاربة الارهاب وحق تقرير مصير الشعوب ومثل هذه المبادرات تشكل الاساس في مستقبل التفاهم بين شعوب المنطقة وتؤسس للاعتراف بالكرد كأمة بين سائر الأمم لها الحق في تقرير مصيرها في أجواء خالية من العنصرية والارهاب والاضطهاد وقد طرحنا تجربة الاقليم الكردستاني بكل اعتزاز حول الموقف من القوميات والأديان الكردستانية المتعايشة الى درجة أن الاقليم هو المكان الوحيد أو الواحة الفريدة لحريات الجماعات والأفراد والأقوام والعقائد من كرد ومسيحيين وتركمان وعرب وأرمن لذلك نقول أن المكانة الراهنة للاقليم والاحترام الكبير للرئيس مسعود بارزاني سيشكلان فرصة تاريخية مؤاتية لترتيب البيتين الكردي والكردستاني وتحقيق طموحات الكرد المشروعة بحسب ارادتهم .
[1]