عاشوراء كوردي ذي ستة اصابع (1)
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 6313 - #07-08-2019# - 03:49
المحور: الادب والفن
عاشوراء كوردي ذي ستة اصابع
رفع كف (ميرلي) الولد الاسمر الهادئ المغطى بالجص ليريه لصاحبه (شاولي) الجالس بجانبه .ونادى بصوت مرتفع على (فلامرز) حينها تأمل (ميرلي)كفه ذوي الاصابع السته والغافية في كف الخال (شامرتي)وبتعجب وذهول وهو يتطلع الكفوف التي كانت تقلب كفه المختلف .وهم يتفحصون اصبعه السادس بتعجب .وكأنه في صالة العمليات ينصت بصمت لذاك التشريح الدقيق لتلك الضاهرة الغربية .وبعد التدقيق انتصب الخال (شامرتي)واخذ موضع الحكيم .وكأنه احد ائمة الحسنينية وقد هيئ نفسه لالقاء خطبة يوم الجمعة .دون ادني شعور بأحساس (ميرلي) الصبي ذو الرابعة عشرة من العمر.
قال بنبرته المعهودة في الاستعلاء؛
اها ..اهاا..هل تعرف يا(فلامرز)لم يمتلك هذا الصبي ستة اصابع؟
رد (فلامرز)؛
-لا والله ليس لي علم.
فقال (شامرتي) وبجديه؛
-هذا الاصابع الستة هي نتيجة ما اقترفه والدي (ميرلي)فقد جامع والده امه في ليلة عاشوراء لذا كان الفعل المخالف قد انتج صبيا بستة اصابع لتبقى دليلا على فعلتهم الشائنة .
وذاك الحديث اوقظ (ميرلي) كضربة ناقوس في عمق مخيلتة المضطربة .
بدهشة قال فلامرز :لابد ان يكون هذا صحيحاً ,فهم من الطائفة الاخرى ولا يبالون بسوء التقدير ,فوالديه القذرين قد اقترفا هذا الجرم وافضى فحشهم عن هذا الصبي ذو الاصابع الستة .
بثقة كبيرة لاكتشافة المذهل في ايجاد تفسير دقيق لتلك الظاهرة قال (شامرتي) وبعصبية مؤكدة :
-ابن من هذا الصبي اخرسك الله يا (فلامرز)
قال (فلامرز):
-هذا المسكين ابن (سيفالي) واسمه (ميرلي) واطلق عليه الاطفال الحي (ميرالي ذو الستة اصابع).
بعد ذالك الابداع التشريحي والفكري والفلسفي التي اطلقها (شامرتي) وتحت رؤيته العظيمة في التحليل واكتشافه لنضرية الخلق والتكوين الجسدي للانسان! .استند(شامرتي) الى الحائط الطيني واخذ لفافة سكائره من الكيس المعلق الى خصرهِ .منشغلا بلف سكارة واخرج ولاعته المتهالكة بهدوء واشعل سكارته بطريقة فخمة .
وقال :بلهجة حكيم ,ومن يكون والد هذا الطفل المنكوب اي (سيفالي) تقصد؟
رد (فلامرز):
-كيف لا تعرفه ؟ (سيفالي الساكن بجوار بيت (التوينه) ,واردف في التوضيح (سيفالي)ذاك الرجل العتال الذي يركن بعربته امام حانوت (فرزالي)الاعرج قرب السوق (القيصرية)
هذا الصبي المسكين (ميرالي) كان للتو قد تفتق عقله لتلك العلاقات الجنسية بين الجنسين ومعرفة اسرار الحياة نظر الى الرجال الثلاثة بغضب ماحق ليس فكرا بل تملك كل كيانه واخذ جسده بالارتجاف خجلاً وهماً كالغشاوة طاف به .وهو يسأل الخال (شامرتي)بدهشة وذهول:
-مالذي قلته عن اصابعي الستة ومن مسببها ؟
-لا شيء يابني .الله لا يوفق والدك ويجعله كسيحاً لما اقترفه من قبيح الافعال .لا احياه الله هذا المجرم .اتمنى ان اراه كي اطمره تحت وحل (علي أوى)
ذاك الحديث الذي جرى منذ اعوام بين الخال (شامرتي) ورهطه والتهديد الذي وجهه لابيه قد بات صراعا مستمراً في عقله الذي اضيف الى تداعيات اختلاف مذهبه والحاجة التي تحيق بعائلته التي بالكاد تؤمّن قوت يومه وقد بات اصبعه السادس احدى جوانب ذاك الصراع المضني .ومن سوء حظ هذا الصبي انه ولد من مذهب لا يد له فيه .
وفي ذاك اليوم المشؤوم كان الصبي قد ذهب للعمل كأجير في عطلته الصيفية .ليعين نفسه بالحصول على اموال تساعده لاتمام فصله الدراسي القادم ,وطوال نهار العمل وحتى انقضائه لم تنقطع تلك الهواجس والاضطراب في تفكير الصبي والذي بات يؤرقه طوال السنين اللاحقة
وحاول في ان يتناسى تلك الفاجعة بالمطالعة ولعب كرة القدم ليستطيع ان يخمد تلك الهواجس المؤرقة لبعض الوقت لكن الافكار كانت تلاحقه بلا انقطاع .لكن الذي احيا تلك المواجع ان الكرة التي حاول صدها قد اصابت اصبعه السادس فكسرت لتعيد تلك المأسي الى واجهة حياته مرة اخرى .ولم يستطيع نزع هذا الهم المستدام الذي رافقه الى دراسته الجامعية .فأتخذ قرارا بأستاصال الاصبع السادس رغم انه قد سمع من احد نساء الحي ان بترها ربما يؤدي لموت (ميرالي) لكنه قرر مع نفسه التخلص منه يستحق المجازفة .فأنطواء (ميرلي) واخفاء ذاك الاصبع عن الطلاب كان يؤرقه وما ان تخلص منها حتى غمرته الانتشاء وازداد ثقةً بنفسهِ وشعر حينها ان احد الابواب المغلقة قد فتحت وتسربت الى نفسه مشاعر الألفة وان قبساً من النور قد اضاءت جانباً اخر من شخصيته.
ومنذ يوم تعليق الخال (شامرتي)على الاصابع الستة كانت الهواجس تدق كالاجراس من ذاك التعليق السخيف .من ان الجريمة الجنسية التي اقترفها والداه في ليلة عاشورا والتي قد تحقق منها ومحاولة فهمها بطريقته الخاصة قد جعلت من تلك الحادثة مرتكزا لكل تلك الاضطربات والعقد في مجرى حياته .
وقبل تلك الواقعة كان (ميرلي ) صاحب عقيدة راسخة فيما حقن من افكار دينية واجتماعية وكانت من بديهيات تلك المصداقية فيما يعتقد .
ولكن تغيرت كل تلك الافكارباتت من الماضي الذي لوثتها روية (شامرتي) في تحليله الغبي لمنشاء الاصابع الستة .ولكن وقبل مآثر( شامرتي) في اطلاق فهمه للموضوع ورغم شعور (ميرلي) بالنقص بين اقرانه لكن اعتقاده بان الاصبع السادس لا علاقة له باي خطيئة او ذنب لاحد بل صفة من صفات الخلق الطبيعية .
عند العودة من يوم عمل مضني منهك كعامل بناء والتي زاد من تعبه قهراً ما اطلقه الخال (شامرتي)عن تلك الخطيئة استند الى حائط الغرفة الطينية حال دخوله البيت .فاستقبته امه التي كان يحبها جدا ,فنظر في عينيها الزرقاويتين بعمق وفي سره بصق في عينيها وقال نفسه (ويحكم أَلم تجدو يوما اخر لاطلاق شبقكم ألا تلك الليلة المقدسة والتي اثمرت جرمكم عن تشوه في خليقيتي التي ترافقني وانا لا ذنب لي بها )
والتي لم اكن اعرف قبلا ان الاصابع الستة ليس ألا هفوة في الخلق ولا ذنب لاحدهم فيها .لكن (شامرتي)ايقض غول الجريمة بمخيلتي.
وحين افاق من تيه افكاره
قال ,موجها حديثه لها :
-اماه كم بقي ليوم عاشوراء؟
ردت :
-بني خذ قسطا من الراحة واستحم واحتسي شايك الذي اعددتها لك وبعدها نتحدث عن عاشواء وما يتوجب تحضيره لذاك اليوم .
واردفت بعد أن صوبت نظرها اليه ؛بني مالذي ذكرك بعاشوراء الان .
رد (ميرلي)ليس لشيء فقط اردت معرفة الوقت
قالت :بقي على عاشوراء عدة اشهر وانا اعرف انك تريد موعدها لتقضي انت واقرانك عشرة ايام من الخروج والتسكع ومعاكسة الفتياة فانتم لا تبالون بشهاد الامام الحسين قدر بحثكم عن تلك المتعة.[1]