أردوغان إذ يمتطي الحصان الخاسر!
زوهات كوباني
لقد ارتكب اليوم في مدينة برسوس الكردية مجزرة بحق الشباب الاشتراكي، من الذين كانوا يحضرون انفسهم للذهاب الى كوباني للمساهمة في اعادة اعمارها من جديد. وقد اوضح هؤلاء في بيانهم على الشكل التالي: ” مثلما دافعنا عن كوباني وحميناها معا، سنبنيها معا،ً فالثورة في روجافا تتطور مخضبة بالدماء“. ربما يرى البعض، وخاصة مايسمى ب“الائتلاف” الشوفيني الاردوغاني، ومن سار في فلكه من الكرد، ان اتهام تركيا وحزب العدالة والتنمية بالمسؤولية عن مجزرة برسوس/سروج هو “اجحاف” بحقها، كونها “تدعم الاكراد في الجنوب والثورة السورية“، والتي اصبحت معظم مقرات “رموزها وقادتها” في استنبول وانقرة.
لنلقي نظرة على سياسات الدولة التركية تجاه الثورة السورية، فمنذ البداية سلكت تركيا طريقا محفوفا بالمخاطر تجاه الثورة السورية، حيث اتخذت من القوى الاسلامية – الراديكالية اساسا لها من اجل تمرير مشاريعها في سورية، فقد ركبت حصانا خاسرا. هذا الحصان مثلما اوقع اردوغان عندما امتطى صهوته، سيوقع تركيا التي تتبع سياسات خاطئة ومعادية للكرد، ولثورة الحرية والكرامة في سورية عاجلاً ام اجلاً، وستتدحرج كتلة النار الى داخلها، وستذهب احلامها ادراج الرياح.
نتيجة مساندة تركيا للقوى الارهابية، فقد بدات التفجيرات تنتقل الى داخل تركيا، ففي #11-03-2013# كان تفجير الريحانية، وفي #30-03-2014# حدث تفجير في نيده، وفي 5 حزيران كان التفجير في آمد واستهدف مظاهرة حزب الشعوب الديمقراطية. وفي #20-07-2015# كان التفجير الاخير في مدينة برسوس (سروج) امام مركز (أمارا) الثقافي، والذي راح ضحيته العشرات من أعضاء الشبيبة الاشتراكية، القادمين من استنبول الى برسوس من اجل الذهاب الى كوباني للمساهمة في اعمارها، حيث كان شعارهم ” مثلما حمينا كوباني معا سنبنيها معا“. وكانت مشاريع تتمثل في فتح مكتبة للكتب، بالاضافة الى انشاء ملعب للاطفال، وتحضير فلم وثائقي عن مقاومة كوباني، اضافة الى الاشراف على اعمال البناء لمستشفى خيري، ولكن استهدفتهم يد الغدر والاجرام، ووصلت الرسالة التي تقول: التضامن مع مدينة المقاومة كوباني هو خط احمر.
لنعيد القراءة في تصريحات حزب العدالة والتنمية وموقفه من ثورة روجافا، وربط ذلك بمثل هذه المؤامرات والجرائم، فلا يمكن لانسان عاقل ان يبعد الشبهات عن تركيا وأن ينفي تورطها في مثل هذه الجرائم. ويمكننا ان نعدد بعض الاسباب التي تدفعنا إلى توجيه اصابع الاتهام إلى حكومة حزب العدالة والتنمية، ومنها:
1- منذ بداية الثورة السورية، اعتمدت تركيا في سياساتها في سوريا على مثل هذه الجماعات والتنظيمات الارهابية، وجعلت من اراضيها معسكرات لها، وباسماء مختلفة، وما المعسكرات المقابلة لسري كانية ( راس العين )، والتي تقابلها جيلان بنار، وكذلك مقابل مدينة الراعي، واعزاز وجرابلس وكوباني إلا دليل على كلامنا. هناك تستخدم “داعش” والتنظيمات الارهابية مثل هذه المعسكرات للتدريب، ومنها لتوجيه الارهابيين الى سورية وخاصة روجافا.
2- السماح للارهابيين بالعبور من المعابر الحدودية وتقديم التسهيلات لهم، وهناك الكثير من الادلة في هذا الصدد، حيث تعمد تركيا الى نقل الارهابيين القادمين من معظم دول العالم من خلال الطرق البرية والبحرية والجوية إلى سورية، وهذا ما حذرت منه الكثير من الدول والقوى الديمقراطية، واصبح العنوان الرئيسي للكثير من الصحف والفضائيات العالمية مثل بي بي سي، سكاي نيوز، سي ان ان، واشنطن بوست، رويترز، دير شبيغل، لموند الفرنسية، اندبنديت، غارديان وغيرها الالاف من الصحف والجرائد والفضائيات العالمية المحلية.
3– موقف تركيا من ثورة روجافا عامة، ومقاومة كوباني خاصة، وموقف رجب طيب اردوغان والادعاء بان “#كوباني# سقطت وستسقط” وستعقبها عفرين والجزيرة. وبعد تحرير كوباني والانتصار على “داعش“، والاحتفالات التي عمت كل أرجاء كردستان والعالم، خرج أردوغان مجددا ليعبر عن موقفه المعادي للانتصار والتحرير قائلا: “ماهذه الاحتفالات، فالمدينة تحولت الى كومة من الرماد والاحجار“. بهذه الجملة يثبت أردوغان انه معادي لقضية حرية شعبنا في روجافا.
4- بعد تحرير كري سبي/ تل أبيض، وموقف اردوغان العاجز، وكأن وحدات حماية الشعب وحلفائها حرروا كري سبي من براثن حكومة العدالة والتنمية، وليس من “داعش“، أطلق أردوغان وحكومته حملة موتورة، وعلى كل الاصعدة، ضد وحدات حماية الشعب، زاعمين بانها تقوم “بتهجير قسري للعرب والتركمان“، واعطى التعليمات للاعلام التركي من اجل السير بحملة اعلامية مضادة تقلب الباطل حقا. رجب طيب اردوغان كان يدرك ان تحرير كري سبي هو قطع لشريان المنظمة الارهابية مع حكومته، وبالتالي قطع صلة الوصل بين انقرة والرقة التي هي “عاصمة” ما تسمى ب“دولة الخلافة“، وان هزيمة “داعش” العسكرية تعني هزيمة سياسية للدولة التركية، لذلك جن جنونه، وبدء باطلاق تصريحات غير مسؤولة، وكانه يريد ان يجر تركيا علنا الى هذه الحرب الدائرة.
5- بعد ارتكاب المجزرة المروعة في كوباني، والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى، معظمهم من الاطفال والنساء والمسنين، بدء اعلام حزب العدالة والتنمية وتوابعه من بعض الكرد، بالاعلان بان مجزرة كوباني هو “انتقام مشروع لمجازر كري سبي“، في شرعنة واضحة لمذبحة، والكذب على الحقيقة والتاريخ، وكانهم بهذه التصريحات يرسلون برقيات التهنئة للجناة والارهابيين.
6- المجزرة الاخيرة في برسوس (سروج) كان للامن التركي علم بها، حيث صرحت فدرالية الشبيبة الاشتراكية في استنبول، والتي معظم منتسبيها من اصحاب الكفائات العلمية من طلاب الجامعة من الاطباء والمهندسين والمخرجيين السينمائيين، انهم سيذهبون الى برسوس (سروج) لإحياء الذكرى السنوية لثورة روجافا. ومن اجل المساهمة في اعادة اعمار كوباني، وكان شعارهم هو: ” مثلما دافعنا وحمينا كوباني معا سنبنيها معا “، وعندما وصلوا الى سروج تم التحقيق من هوياتهم من قبل الامن التركي، وبعدها تم السماح لهم بالدخول، ومعلوم ان كل من يدخل برسوس، يكون الأمن التركي مطلعا على حيثيات دخوله.
اذا اخذنا كل ماذكرناه اعلاه نصل الى نتائج تالية:
1- تركيا تعادي ثورة روجافا علنا ولا تسمح بحصول الكرد والمكونات الاخرى على حريتهم، وما سياساتها الداعمة للارهاب الداعشي من النواحي اللوجستية والعسكرية وتسهيل العبور للدخول الى روجافا، الا دليل على ذلك.
2- تركيا لا تسمح باعادة اعمار كوباني من جديد بعد ان تم تحريرها من “داعش” الارهابي، ولا تقبل التضامن مع كوباني، والمجزرة الاخيرة والتسهيل للارهابيين بالعبور الى كوباني من خلال معبر مرشد بنار وغيرها من المعابر الفرعية، دليل على صحة هذا الكلام.
3- النظام التركي يرى هزيمته السياسية في هزيمة “داعش” العسكرية، لذلك يعمل من جميع النواحي من اجل الانتقام من هذه الهزيمة السياسية، وخاصة بعد هزيمة الحزب الحاكم التركي في كردستان في انتخابات السابع من حزيران، ولم يبقى له رصيد في شمال كردستان. الآن الحزب الحاكم يريد ان يقول: “طالما اخرجتموني من كردستان، فسوف اجعل من كردستانكم بحرا من الدماء، وسأسلط عليكم كل المجرمين للانتقام منكم.
من كل هذا يستطيع ان يدرك المرء بان تركيا تحولت الى هندوراس التي عندما كانت تجند الارهابيين ضد الثورة الساندينية، وكذلك باكستان عندما كانت تجند “القاعدة” و“الطالبان” ضد حكومة افغانستان، وانقلبت عليهم تلك المنظمات الاجرامية، وها هي تنقلب على تركيا أيضا. تركيا التي سلكت طريقا خاطئا،ً وامتطت صهوة الحصان الخاطئ الخاسر. ذلك الحصان الذي طرح اردوغان ارضا، والان يطرح تركيا في أرض الفوضى وربما يجرها الى حرب داخلية طاحنة.[1]