قراءة في متغيرات التوازن العسكري بين تركيا وحركة التحرر الكردستانية!
زوهات كوباني
لتقيّم الحرب التركية عسكريا ضد حركة التحرر الكردستانية وقوات الدفاع الشعبي الكردستاني , الحرب التي بدأت منذ أكثر من 30 عاما و مازالت والتي أدت إلى دمار كبير وتراجع في النمو والاقتصاد التركي, ثمة عدة نقاط يمكننا من خلالها التعرف على مدى التغيير الذي طرأ في ميزان القوة العسكرية بين الدولة التركية والكرد.
في القديم كانت تركيا في وضع اقوى وذلك:
أولا: بسبب الدعم الذي كانت تتلقاه من معظم دول العالم، وكانت دول حلف (الناتو) تقف معها في معركتها ضد الكرد، وتمدها بكل سبل الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي.
ثانيا: الاتحاد الاوروبي كان يساند تركيا في حملتها ضد حزب العمال الكردستاني، وكانت أوروبا تعتبر تركيا محقة في “الحرب”، ولم تكن تنظر بشكل ايجابي للكرد، الذين تصدروا الآن لمحاربة الإرهاب الدولي، ولم تكن تركيا سابقا قد تورطت في دعم هذا الإرهاب، مثلما هو حاصل اليوم.
ثالثا: الاوضاع في الاجزاء الاخرى من كردستان، لم تكن مساعدة للعمال الكردستاني في الكثير من الاحيان، لكي يوطد من قوته وينتشر بين الجماهير ويستفيد من حضور الكردي في تلك الأجزاء.
رابعا: مساندة بعض الاحزاب في جنوب كردستان لتركيا عسكريا في معظم الاحيان، والتغطية على سياسة تركيا واضعاف الجانب الثوري الكردي، ومحاولة الالتفاف عليه وتصويره وكأنه هو المعتدي والمثير للمشاكل.
خامسا: انتشار عدة تنظيمات مسلحة موالية للجيش التركي في شمال الكردستاني، من خلال ميليشيات “حماة القرى” المرتزقة والعميلة للدولة، وخرقها القانون ونشرها للتخريب، بهدف محاربة المقاتلين الكرد.
سادسا: لم تكن هناك حاضنة سياسية تنظيمية مدنية في شمال كردستان وفي تركيا، بهذه المستوى المتقدم كما هو موجود اليوم.
سابعا: من قبل لم يكن للكرد وجود داخل البرلمان التركي، بينما اليوم هم يمثلون نسبة تعدت السقف الانتخابي المحدود، ولديهم ثمانين برلمانيا، وحتى من ناحية الادارات المحلية، كان التنظيم السياسي الكردي لا يسيطر إلا على بعض بلديات #شمال كردستان# ، أما اليوم فالكرد يسيطرون على أغلب البلديات وخصوصا الكبيرة والمؤثرة منها.
ثامنا: في السابق لم تدعم المكونات الأثنية والطائفية والدينية الاخرى في تركيا، وكذلك السياسية من أحزاب يسارية وعلوية حركة الحرية الكردستانية، ولم تقف بجانبها كما هو اليوم واقع.
تاسعا: حالة زعيم الحركة السيد عبدالله اوجلان في السجن والعزلة التي كانت قائمة بحقه.
عاشرا: التغيير الذي طرأ على وضع دول المنطقة، وخاصة سورية وايران ومصر، التي كانت في السابق معادية لحركة الحرية الكردية، والتي ازدادت عداء بعد اختطاف زعيم الحركة السيد عبدالله اوجلان.
حادي عشر: الوعي السياسي في كردستان وخارجها كان متخلفا ومعزولا ومحدودا، ومشاركة الكرد في السياسة والإدارة كانت حذرة وضعيفة.
رغم كل هذه النقاط السلبية لدى حركة الحرية، لكن الحكومات التركية لم تتمكن من تصفية الحركة او اضعافها، بل هزمت هزيمة ساحقة، وايقنت بان الجلوس مع ممثلي الحركة من خلال المفاوضات هي انسب الحلول.
اما المتغيرات التي طرأت في المعادلة والمرحلة الجديدة فهي كالاتي:
أولا: لم تعد كل دول العالم تدعم تركيا كالسابق، وخاصة الدول العربية مثل مصر والعراق وسورية، بل أن هناك حالة من العداء الرسمي والشعبي العربي لتركيا بسبب تدخلها في الأوضاع العربية ودعمها للديكتاتوريات ومن ثم لحركات الإسلام السياسي الرجعية.
ثانيا: الدول الاوروبية غيّرت الكثير من مواقفها تجاه حزب العمال الكردستاني، وبدت مواقفها مرنة وقابلة للتغير الجذري، حيث يدور النقاش الآن على ازالة اسم حزب العمال الكردستاني من قائمة “الارهاب”.
ثالثا: امريكا بدات تطوّر العلاقات مع حلفاء حزب العمال الكردستاني، ومع الحركة نفسها، ولا تتحرك وفق المنطق والمنظور التركي، وهذا ما ظهر في معركة كوباني.
رابعا: الاحزاب الكردية في كردستان العراق ليس لديها الموقف القديم المعادي والمحارب لحركة الحرية، وحتى انها على خلاف ذلك فيما بينها حول السياسة تجاه تركيا وضرورة التحرر من الهيمنة التركية واظهار المزيد من الدعم مع الحركة الكردية في الشمال.
خامسا: هناك العشرات من البلديات في شمال كردستان التي سيطر عليها الكرد في الآونة الأخيرة، وهناك ادارة محلية في شمال كردستان باتت تتوطد يوما بعد يوم، ويشرف (مؤتمر المجتمع الديمقراطي) على هذه الإدارة.
سادسا: تجاوز حزب الشعوب الديمقراطية حاجز ال10%، وحاز على 80 برلماني، وهو يعتبر الحزب الرئيسي الاول في شمال كردستان والقوة السياسية الرابعة في عموم تركيا.
سابعا: جميع المكونات والاحزاب اليسارية والعلمانيين تقف الى جانب حركة الحرية في جميع مجالات النضال.
ثامنا: بعد مقاومة شنكال، وانقاذ عشرات الالاف من الكرد الايزيديين، ازداد التعاطف العالمي مع حركة الحرية بوصفها المنقذة للأقليات الضعيفة والمحاربة للإرهاب الدموي.
تاسعا: ظهور ادارة مدنية ديمقراطية تضم جميع المكونات في روج أفا كردستان، تسير على نهج السيد أوجلان وهدي أفكاره، ذلك النهج الذي تؤمن به كل المكونات.
عاشرا: ظهور قوة دفاعية كبيرة وعظيمة تثق بها دول حلف (الناتو) وتتخذ منها الأمل في الحرب الدولية ضد الإرهاب، حيث تحقق هذه القوة الانتصارات يوميا ضد “داعش”، وتستقطب فصائل المقاومة العلمانية والديمقراطية.
حادي عشر: حدوث تغيير مواقف الدول الاوربية والعالمية من وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المراة وحزب الاتحاد الديمقراطي، وظهور التعاطف والتاييد والتنسيق معها في المعركة الدولية ضد “داعش”.
ثاني عشر: تحول الادارة الذاتية الديمقراطية الى نموذج للادارة المدنية في سورية يحتذى به، وهذا يٌحسب لحركة الحرية الكردستانية.
الثالث عشر: خلق حالة من الثقة لدى جميع المكونات والشعوب والحركات السياسية، نتيجة صمود حركة الحرية في وجه كل هذه التحديات، حيث اصبحت رقما صعبا في المنطقة لا يمكن القفز عليه.
رابع عشر: وصول الوعي السياسي والتنظيمي والمؤسساتي والاداري والعسكري الى مستويات عالية لدى الحركة، مما شكل تجربة كبيرة، تمكنها من ادارة المعركة في جميع الظروف.
ويمكن عد الكثير من أوجه التغييرات التي ظهرت في الآونة الأخيرة، والتي تصب في صالح حركة الحرية والجناح العسكري في هذه المرحلة، لذلك فان تركيا تتوهم حينما تعتقد بأنها قادرة على حسم المعركة مع حزب العمال الكردستاني عسكريا او سياسيا. فلا بد لها من الرضوخ لامر الواقع، فقد اختبرت نفسها خلال اربعين عاما فلم تنجح فيما اقدمت عليه عندما كانت الظروف الى جانبها لتمزيق حركة الحرية، او زرع الشقاق فيها. الآن بات الأمر صعبا للغاية، فتركيا تحفر قبرها بنفسها، فجنون اردوغان والحكومة سيساهمان في هزيمته النهائية. وعقلانية حركة الحرية الكردستانية ستوصلها الى مستويات التفوق والنجاح في معركة المصير والوجود والحرية، لانها صاحبة الحق ولها الكثير من التجارب والخبرة الكبيرة في كسب القلوب قبل ميدان الحرب.[1]