الشهيد ” رستم جودي ” وتنقيبه عن الأيديولوجيا
صلاح الدين مسلم
في حي باب الفرج عند الساعة المطلّة على القرويين الآتيين من الذاكرة لينبهروا بالمدينة المصنوعة من الجليد، يتلفتون يمنة ويسرى، ينقلون براءتهم إلى المدينة، ليأتي صيّاد مدنيّ حلبيّ ليصطاد ساذجاً منهم، وليحمد الله على غشّه لقرويّ ما، كلّ أهالي الضيع كانوا يقولون لأي شخص يريد أن يأتي إلى حلب (دير بالك من الحلبيّة) لكنّه كان يقع في نفس الشرك الذي وقع فيه ناصحه.
لقد حلّل الله الصيد، بهذا كان يبرّر ذاك الورع عمله، ويقول: ” التجارة شطارة” لذلك عندما رأيت أهالي قرى أعزاز وتل رفعت ومارع… قد أتوا بسيارتين محمّلتين بالدوشكا وباص قديم قد أحرقوه عند مدخل باب النصر، وبضع مسلّحين في باب الحديد وهم قد سيطروا على بعض الأماكن في حلب القديمة، عرفت أنّه موضوع ثأر من المدنيّ الذي ظلّ يغشّهم، أو هو غزو لمناطق المدنيين ليكونوا مثلهم, من هنا بدأت الثورة السوريّة في حلب، بعد تحريضات بعض الفيسبوكيين الذين نسوا الثورة بعد سنة فحسب.
لم أفهم حينها كيف سمح أهالي باب النصر وجب القبة وباب الحديد… الذين كانوا ضدّ مفهوم الثورة، فهم لا يريدون تغيير معادلة الريف والقرية، فتجّار الجبنة يشترونها بسعر بخس من رعاة الباب ومنبج، ويبيعونها بأضعاف مضاعفة لأهالي المدينة السعيدين بهذا السعر، فلا فرق لديهم، لأنّ كلّهم صيّادون ماهرون، فهناك من يصطاد الحبوب، وهناك من يصطاد زيت الزيتون، نسيت أن أقول لكم إنّ عشرة تجّار حلبيين كانوا متحكّمين بتجارة زيت الزيتون في عفرين الكرديّة، ونسيت أن أقول أيضاً: إنّ خمسة تجّار من معرّة النعمان كانوا متحكّمين بسعر الشعير والكمّون في كوباني.
هذه هي الثورة الريفيّة على المدينة، حيث جاء بعضٌ من الريفيّين المنقطعين عن الذاكرة ليبحثوا عن الدولة التي ستُبقي على المدينة دون شك، وتُبقي على معادلة الريفيّ والمدنيّ، ليغيّروا المعادلة فيصبح الريفيّ مدنيّاً ويصبح المدنيّ ريفيّاً، أيّ تغيّر الأشخاص ولم تتغيّر المعادلة، كما حصل مع الثورة البلشفيّة الروسيّة عندما ثار البرولتاريّون على الدكتاتوريين، فصار البروليتاريّون دكتاتوريّون، وصار الدكتاتوريون أنصاف بروليتاريين، وبالتالي تحوّلوا إلى بروليتاريين، لكن هيهاتَ ثورةٌ بلشفيّة ثانيّة إذْ فشلت بعد حين، فالثورات لا تتكرّر بطابعها الأيديولوجيّ السابق لكن الثورات لا تخمد.
قد يفتعل قاتلو الثورات ثوراتً في الشرق الثائر ليئدوها، لأنّهم يدركون أنّ الثورةَ الشرقيّة نارٌ خامدةٌ يمكنك تحريكها في أيّة لحظة أردت، فهم يدركون أنّ الثورة غير الناضجة يمكن وأدها في أيّة لحظةٍ كانت لذلك يوقظون الثورة غير المكتملة ليقضوا عليها وهي جنين لم يكتمل أعضاؤه، فهو الإجهاض لا مناص.
إنّ تعقيد المشكلة الحلبيّة من قِبل راسمِي خطّةِ الحرب تكمن في وضع كلّ الطرق للوصول إلى حلب, وبالتالي زرع كلّ الأياديّ في عقدة حلب، ليأتِي المنقذ المركزي الرأسماليّ العالميّ ليوزّع الحصص ويمسك بكلّ زمام الأمور.
Tags: الكردحلب ثورة إجهاض الريفيين المنقطعين عن الذاكرةروج آفاصلاح الدين مسلمكاتب[1]