الكتائب المرتزقة فاقدة البوصلة السياسيّة والأيديولوجيّة
ليلى إبراهيم
إنّ الصراعَ الدائرَ بين القوى المتصارعة على اقتسام الغنائم في سوريا، لهوَ صراعٌ لا أخلاقيٌّ على حساب إرادة الشعوب المتطلّعة إلى الديمقراطيّة في الشرق الأوسط برمّته وليس في سوريا فحسب، وهذا العدوان الأخير على الكرد على وجه الخصوص من قبل الدولة التركيّة التي احتكرت مبدأ إبادة الكرد عن بكرة أبيهم.
لكنّها الحرب الأخيرة على هذا الشعب الذي حَمَلَ على عاتقهِ إحياء الذاكرة الأخلاقيّة السياسيّة لل#شعب الكرديّ# وشعوبِ الشرقِ الأوسطِ عامةً، فكردُ اليوم ليسوا ك كردِ الأمس، وأضحى آخر دكتاتور في الشرق الأوسط يُدْرِكُ هذا الأمر، ويُدْرِكُ تمامَ الإدراك أنّ انتصار فكرة الأمّة الديمقراطيّة في الشرق الأوسط لهو هزيمةٌ ساحقةٌ لأحاديّة دولته الصارمة.
لقد كان الاحتلال التركيّ لجرابلس بمثابة مستنقعٍ وقد جُرَّ أردوغان إليه بغبائه، وأضحى الغرق في مستنقع الاستبداديّة عنوانُ هذه المرحلة المصيريّة في حياة الشعوب في سوريا وتركيا والشرق الأوسط عامّة.
لكنّ الملف السوريّ أكثر دمويّة وهذا المشهد أكثر مأساويّة في تاريخ قمع الدولة القوميّة، وصار التخبّط السياسيّ بادياً على أردوغان من خلال تصريحاته المتناقضة، فنجده يقول:” إنّ حربه على سوريا للقضاء على الأسد”، لكنّه تراجع عن هذا التصريح بعد التهديدات الروسيّة التي ذكّرته باتفاقياته فيصحح قوله:” إنّ هذا التدخّل من أجل القضاء على الإرهاب.
يعيش السلطان العثماني في أسوأ أيامه وأزماته، ف حلب قد ضاعت من يده، والمرتزقة في قلقٍ وتخبّطٍ أيضاً بعد أن أدركوا أنّ الخائن هو أردوغان، وأضحت الصراعات ما بين الكتائب المرتزقة عنوان هذه المرحلة، وباتت الكتائب المرتزقة فاقدة للبوصلة السياسيّة والأيديولوجيّة، فتكشّفت الصراعات على السلطة والخيانات والمؤامرات وكشف القناع عن الاستغلال الأردوغانيّ لهم.
إنّه التدمير الممنهج لحلب بعد أن دمّر كلّ سوريا من خلال النفخ في قُربة الإرهاب وتغذيته، وباتت بداية النهاية تلوح لداعش، وبالتالي بداية النهاية للزعيم الداعشيّ الحقيقيّ أردوغان الذي حارب تجربة الديمقراطية في روج آفا بكلِّ الطرق، سواءً العسكريّة أو الأمنيّة أو السياسيّة أو الاقتصاديّة، وعبر كلّ الوسائل غير الأخلاقيّة، ودمّر سوريا بكل معاني التدمير، وبعد خسارته في كل ذلك لجأ إلى الطرق الدكتاتوريّة والقمع والعنف والقفز فوق القوانين والأعراف، مظهراً بذلك قِناعهُ الحقيقيّ، نعم لقد تمكنت ثورة روج آفا أن تزيل القناع عن هذا الوجه البشوش الذي اعتزل الابتسامة منذ انتصار كوباني، وصار الغضب مرافقاً له في كلّ خطوةٍ يخطوها، فقد أعاد الدولة التركيّة إلى طبيعتها الاستبداديّة، واستطاع أن يبرهن لمؤيّديه وللغرب أنّ الديمقراطيّة بشكلها الليبراليّ العلمانيّ الدولتي لا ينجح في الشرق الأوسط.
لقد استطاعت ثورة روج آفا أن تثبت أنّها تمتلك الحلّ، وإلّا ستستمر طاحونة الدماء، وسيظلّ الأفق مسدوداً، وها هي صرخات الأب التركمانيّ في بستان الباشا تفضح زيف مؤجّجي الحروب، وكذلك تلك المرأة المقعدة التي فقدت كلّ عائلتها تؤكّد أنّ الحلّ يكمن في السلام والعيش المشترك والحياة الحرّة، وإلّا ستستمرّ الحروب كالنار في الهشيم.[1]