هل التجريدُ على القائد عبد الله أوجلان تجريدٌ على شخصٍ بعينه؟
منذُ اعتقال القائد عبدالله أوجلان؛ في شهر شباط مع العام 1999 إثرَ المؤامرة الدولية التي طالت الشعبَ الكرديَّ في شخصه، وتسليمه للحكومة التركية؛ وهو يتعرض للعُزلة، لأنه ومنذ اليوم الأول ووضِعَ في زنزانةٍ في غرفةٍ منفردةٍ في جزيرةٍ منعزلةٍ عن العالمِ الخارجيّ؛ إذاً هو يتعرض للعزلة منذ اليوم الأول من اعتقاله، وما يجري اليوم تجاوزَ العزلةَ بكثير؛ هي محاولةٌ من الحكومةِ التركيةِ للعمل على تصفيته من خلالِ انعدام أبسط مقوماتِ الصحة؛ وتعرضه للرطوبة الزائدة والضغط النفسيِّ من خلالِ منعهِ من مقابلةِ أفرادِ عائلته وحتى محاموه والمدافعينَ عنه، رافضين جميعَ طلبات اللقاء به بحججٍ واهية. كل هذا لزيادةِ الضغطِ النفسيِّ الذي يؤدي بالنتيجة الحتمية إلى سوءِ الحالةِ الصحية، وبالتالي تدهور صحته وقد يؤدي إلى فقدانِ الحياةِ في أغلبِ الأحيان؛ لِتُظْهِرَ الحكومة التركية نفسها على أنها بريئةٌ من حالة وفاته، وأنه لم يتم اغتياله وتصفيته، وأنه فقدَ حياته إثرَ مرضٍ عُضال.
يظنُّ اردوغان وتظنُّ الحكومةُ التركيةُ أنَّ عبد الله أوجلان مازالَ الأبَ الروحيَّ والقائد لحزب العمال الكردستاني وحسب، متناسياً كل المتغيرات التي حصلت على الساحة الكردية والعربية وحتى الأوربية؛ من خلالِ فكرِ وفلسفةِ هذا القائد الذي لم ولن يتوانى عن محاربة إعدائِهِ حتى في سجنه وحتى بعد رحيله ستظل أفكاره وفلسفته بمحاربتهم، حيث قال في وصف سجنه: “استطعتُ أنْ أجعلَ من “إيمرالي” بدلاً من مكانٍ للنفيِّ والانحلالِ إلى مدرسةٍ رائعةٍ للحلِّ والاستفادةِ والخلاص؛ ليسَ للكردِ فقط وإنما لسائرِ البشر”.
لذا فإنَّ هذا الصراع هنا يتجسد في محورين محورُ الحريةِ والديمقراطية وحقوق الشعوب في العيش بحرية وديمقراطية، وبكرامةٍ على أرضهم التاريخية مُحْتَذين بأخوة الشعوب مع غيرهم من المكونات، والعيش المشتركِ مع أخوتهم في الأرض من عربٍ وأتراكٍ وأرمنٍ وسريانٍ وآشوريين – مسلمينَ ومسيحيينَ وأيزيديين، ومن كافة الاثنيات الدينية وبين محورٍ آخر؛ اعتمدَ منذُ نشأته على خِداعِ وخيانة من لا ينتمي إليه بفكره، وعلى كلِّ من ساعدهُ في تجاوز محنته في التخلص من أعدائه، على كلِّ من وعدهُ بإعطائه حقه، على كلِّ أقليةٍ تعيش في دولته وتحت عَلَمِهِ، وهذا المحور؛ ومنذ أيامهِ الأولى يتميز بفكرٍ توسعيِّ استعماريٍّ في أراضي الدول المُحيطةِ به، وخاصةً الدول الإسلامية؛ مُتذرِّعَةً بإسلامها ودفاعها عن الدين الشريف وهي في باطنها إرهابٌ واستعمارٌ بغرضِ السيطرةِ وإعادة أمجادها في الدولةِ العثمانيةِ التي حكمت العرب لأكثر من اربعمائة عام، أذاقتهم فيها العذابَ والقهرَ والذلَّ بأبشعِ معانيها.
هذا المحور اعتمد على الدولة القومية ومبدأ واحد متداول حتى اليوم وهو علمٌ واحد وشعبٌ واحد ووطنٌ واحد ودينٌ واحد، متناسياً بذلكَ كافة الأقليات والاثنيات الأخرى على الأرض، لذلكَ وانطلاقاً من هذا المبدأ هي تُحاربُ كلَّ من يدعو إلى الحرية والديمقراطية والعيش المشترك وأخوة الشعوب، هي تخاف من نهجِ وفلسفةِ القائد عبد الله أوجلان لأنهُ ينادي بفلسفةِ الأمة الديمقراطية، والقضاءِ على المركزية في الحُكم، والقضاء على الدكتاتوريات المُعاصرة، هي تخافُ من كلِّ ما يسمى بالفيدرالية الديمقراطية لأنها تضمنُ حقوق كل الأقليات وكل الشعوبِ على تلك المساحةِ الجغرافيةِ التي تضم كل أبناء الشعب – فقط لأن فكر الدولة التركية وحكومتها مناهضٌ تماماً لكلِّ تلكَ الأفكارِ التي تعملُ وتهدفُ إلى العيشِ بكرامة مع جميع أبناء الوطن الواحد، بِغَضِّ النظرِ عن دينهِ ولونهِ وجنسه، يُحاربُ كلَّ هذه الأفكار والفلسفة النَيِّرة التي تخدم الإنسانية جمعاء في شخص عبد الله أوجلان من خلالِ فرضِ العُزلةِ عليه، والعملِ على تدهورِ حالتهِ الصحية؛ وبالتالي فقدان حياته. وهنا أيضاً تتناسى الحكومة التركية وعلى رأسها أردوغان أن هذه الفلسفة وفلسفةُ الأمةِ الديمقراطية باتت فلسفةً عالميةً تشملُ العربَ قبل الكُرد والأوربيين، باتَ الشعبُ العربيُّ وغيره من شعوب المنطقة في أغلب مناطق الشرق الأوسط يُدْرِكونَ جيداً ويؤمنون بفكرِ وفلسفةِ القائدِ عبد الله أوجلان رغم وجوده في زنزانتهِ الانفراديةِ لأكثر من ثمانية عشر عاماً في تلك الجزيرة النائية من أراضي (ضحاك العصر).
سياسة الحكومة التركية لم تعد ضدَّ شخصٍ بعينه، لم تعد ضدَّ فكرِ شخص متمثلاً بكرديته؛ إنما أصبح صراعهم وحقدهم على فيلسوفٍ أممي باتت مجلداته تُدْرَسُ في الجامعات وتُعْرَضُ في دورِ النشر، وتلقى رواجاً من جميع شعوب العالم وهو في سجنه، باتَ فكرهُ وفلسفتهُ منتشرةٌ بينَ أكثريةِ الشعوب التواقةِ إلى الحرية والديمقراطية، بينَ الشعوبِ التي عانت الويلات من نموذج الدولة القوموية والمركزية، باتَ فكرهَ وفلسفتهُ منتشراً بين جميعِ نساءِ العالم وبالأخص الشرق أوسطية؛ كونها تجدُ فيها حقوقها وحريتها وعيشها بكرامة في دولةٍ تقضي على الجنسوية والعقلية الذكورية، تجد فيها فلسفةً تمسُّ واقعها الأليم؛ المُعاشَ منذُ الأزل، وتضع يدها على جرحٍ ملتئمٍ وتحاولُ جاهدةً علاجها والقضاء عليها، لذلك ومن هذا المنطلق على العالمِ اجمع، وعلى كافة الشعوب في العالم، وعلى كافة مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان أن تُبادِرَ إلى التدخلِ السريعِ والعاجلِ لتضعَ حداً للدولة التركية في انتهاكِ حقوقِ المرأة والشعوب الحرة والشعوب التواقة إلى الديمقراطية وأخوة الشعوب وحق الشعوب التي أبت وتأبى الظلم والاضطهاد في شخص هذا العظيم – في شخص الفيلسوف الأممي وواضع فلسفة الأمة الديمقراطي ” عبد الله أوجلان”.[1]