كيف يخرج الكورد من الازمة العراقية معافيا بسلام
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3755 - #11-06-2012# - 01:38
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
منذ سقوط الدكتاتورية و كان الكورد بيضة قبان و جزءا من الحل في جميع الازمات و الاحداث التي رافقت العملية السياسية في العراق، و كان دائما صانعا للتوافقات الضرورية و ساهم بشكل فاعل في بناء الدولة العراقية التي انهارت كاملة بعد تحرير العراق من مخالب الدكتاتورية البغيضة، و يشهد له الجميع بالبنان بما فعل و هو لم يرضخ لاية جهة و لم يدخل اية جبهة بشكل واضح و فعال كما فرضها التاريخ في هذه المنطقة رغم الضغوطات المتعددة و الصعوبات الجمة التي مر بها، و كان دائما يحسب لما يفيد مستقبل و مصلحة القضية الكوردية قبل اي شيء اخر. كان هو بذاته فاعلا مؤثرا و له مكانة ثقيلة و رصيد عالي في دفع و تسيير المعادلات و مشاركا ايجابيا مهما في العمل المضني للوصول الى النهايات الناجحة للمعادلات الملائمة للظروف الخاصة التي حلت بدولة العراق التي شارك الكورد بكل قواه في بناءه في اطارتجربة الفدرالية الجديدة على العراق رغم عدم هضمها من قبل المكونات الاخرى للاسباب و العوامل المتعددة المعلومة للجميع . كان للكورد الدور الاعظم في ارتفاع هذا البنيان على القاعدة العريضة التي رسمت له وفق المفاهيم العصرية الجديدة التي كانت غريبة عن الشعب العراقي من الاساس و التي فرضت الالتزام بها رغم التصدي الشرس لها من قبل المكونات المختلفة التي تمتاز بالخصائص و السمات التاريخية التي لا تتلائم مع المستجدات و تصنع الموانع، و لديها القدرة على التصدي لكل مستجد غير ملائم مع عمقهم الفكري المتحفظ دائما والمتكون اصلا نتيجة الثقافات و الافرازات الفكرية المحافظة الواردة اليهم و اصبحت ثقافة لاصقة بهم طوال تاريخهم . اما اليوم، و بعد التردد الطويل للكورد من دخول اية جبهة ذات ايديولوجية او فكر معتمد على العمق التاريخي في المنطقة لحد كبير، اصبح واضحا للعيان الان ما ادخل نفسه فيه من النفق غير المضيء لحد كبيرمن اللعبة الاقليمية ، و اتجه اليه (لو نتكلم بشكل صريح) جزء منه او طرف منه دون اخر، و هذا التوجه او الخطوة كانت نتيجة رد فعل غير صالح او غير موفق اصلا من المشاكل المستعصية بين الاقليم و مركز العراق، و نتيجة غضب آني على ما انفرد به رئيس الوزراء العراقي في الامور العديدة التي تجاوز به على الحقوق الاخر و تجاوزبه الصلاحيات الممنوحة له من قبل الدستور الدائم للعراق في غياب القوانين الرئيسية المحددة لحدود هذه الصلاحيات. و كانت كل تلك التصرفات بدوافع حزبية شخصية قحة .
كان من الاجدر على الاطراف كافة في هذه المرحلة الجلوس على الطاولة بهدوء و المناقشة المتعددة الاوجه للمشاكل التي يمكن حلها بروية و التي تفرضها متطلبات العصر الجديد و الديموقراطية المنشودة و الحرية المعهودة بعيدا عن التوجهات المتخلفة المؤدية الى العودة الى الوراء في حل القضايا الكبيرة التي يعاني منها العراق من كافة الجوانب، و ما زاد من موقف المتشددين و المتعصبين و العنصريين شدة للتوجه نحو الصراع الاثني المختفي منذ فترة .
نحن الان وسط الازمة المستفحلة بشكل غير عادي، و لكن لا تزال هناك فرصة و أفق معين في الاعتماد على الحلول المنطقية السليمة باتخاذ الخطوات المطلوبة من كافة الاطراف و الاستفادة من الاخطاء بعيدا عن التعصب و الاستعلاء و الجدالات الاعلامية و حتى التلاسنات، و من اجل اسكات السن المتربصين الصائدين في الماء العكر دائما. مشكلة العراق ليست مرتبطة بشخص معين او ممارسات حزب او توجه بقدر ما يفرضه الوعي و الثقافة العامة المتعددة المختلطة و الخلافات السياسية الفكرية النابعة من العقليات المتمرغة في وحل ما فرضته الاحداث التاريخية و سلبياتها المعلومة التي التصقت بمختلاف افكار الشعوب في الشرق الاوسط بشكل عام و الشعب العراقي بشكل خاص، وبكافة المكونات المختلفة فيه من حيث الفكر و التركيب و السمات و الخصائص .
من يتمعن و يستمع الى التصريحات المختلفة المخالفة لبعضها البعض من قبل الاطراف المختلفة المتجابهة و المتخندقة مذهبيا بعد ان استوضح التاثيرات الاقليمية على المعادلات، يقتنع بجميع تلك التصريحات من جهة و يرفضها من جهة اخرى جملة و تفصيلا في الوقت ذاته لانها سطحية مقنعة بما تخص الامور اليومية بعيدا عن الاستراتيجيات و عميقة نابعة من الايديولوجيات الحزبية المصلحية المختلفة و الناتجة عن الخلافات المصلحية التي برزت الى الملأ نتيجة الصراعات المصلحية العديدة للاطراف المتصارعة المختلفة عن بعضها شكلا و تركيبا و سمة و فكرا و قاعدة .
لو تكلمنا عن جانب واحد وهو الكورد و من يفكر في مصلحته و قضيته كعمق تاريخي و شكل و تركيب و هي ما تهم مستقبل اجياله، و كمكون يمتاز بما ليس موجودا في الاطراف الاخرى من الحقوق المغتصبة ، يتاكد المتمعن بان الاصطفاف في اية جبهة لم يفده بمثقال ذرة و لن يكون له في الدخول في الصراع كطرف مذهبي اقليمي لا ناقة و لا جمل. و سيكون الكورد في نهاية المطاف في موقع لا يُحسد عليه، و ربما لن يقطف ما زرعه طوال هذه العقود الاخيرة بسهولة نتيجة الصراع الجديد الذي يفرض نفسه في الدخول فيه دون ان تكون له اية مصلحة خاصة به، و من المحتمل ان يصبح متفرجا و يخرج من المولد بلا حمص عند توصل الجهات الاخرى الى حلول و حالات توافق كما تفرضه السياسة .
و عليه، ربما يمكن ان نعتقد لاول مرة في هذه الصراعات الموجودة التي لم تتوافق فيها الاطراف الكوردية كراي موحد، ربما يقع لمصلحته و يكون في جانب قضيته الكبيرة على الرغم من السلبيات الداخلية التي يمكن ان تفرز من عدم التوافق هذا. و عند الدخول في المعمعة غير معروفة النتائج و النهاية بتوجهين مختلفين سيكون احتمال الحصول على نتيجة صالحة اكثر من الدخول فيها بطرف واحد كحسابات فرضية، و يمكن التراجع عن اي موقف متشدد بماء وجه محفوظ و بتراجع خطوات هنا و تقدم باخرى هناك ، و التي يمكن ان تقع واحدة منها لصالح المسيرة الطويلة لتقدم القضية الكوردية وسط هذه الفوضى العارمة التي صنعتها الجهات و الافكار و المعتقدات المختلفة البعيدة عن ما يكنه الشعب الكوردي سواء كانت اقليمية الصنع او داخلية .
توزيع الادوار المطلوبة من قبل الكورد في سير العملية السياسية لا ضير فيه، لا بل ضرورية في خضم المسيرة الطويلة و ما تشوبها تعقيدات من المطبات و المستعصيات حاضرا كانت ام مستقبلا ، و خير للكورد ان يحافظ على موقعه و ثقله و يعيد لنفسه ما لم يتمكن الاخرون من اتخاذه من الادوار الحاسمة في التفاعلات الموجودة و من خلال التغييرات التي تطرا على المعادلات المختلفة باستمرار .
اتخاذ الطريق او الاسلوب المعين لما يخص الكورد للتعامل بهدوء و روية كثيرا و التعاون المطلوب لجميع الجهات الكوردية للحصول و ايجاد المخارج الملائمة في اية ازمة تضر الكورد، وبما لديهم من القدرات و الامكانيات في تحديد المسار الصحيح للخروج من هذه الازمة باقل الخسائر امر واجب اني حتمي، و عليه ، يفرض الموقف نفسه على الجميع للاجتماع الموسع لكافة الجهات الكوردية دون استثناء و على اعلى مستوى القيادات في مؤتمر خاص لبحث ما نحن فيه خلال فترة قصيرة و بتركيز و جدية لبحث كافة جوانبها، لايجاد الطريقة السليمة لعبور المرحلة و بموقف موحد، وهو امر ضروري، و هو ما يفرض نفسه على الجميع .
و لتصبح هذه الازمة التي اقحم الكورد نفسه فيها درسا مفيدا و عبرة لاتخاذ القرارات المصيرية حول الخطوات المصيرية جماعيا دون تفرد شخص او جهة لاغراض حزبية او شخصية مستقبلا . على الرغم من امكان الخروج من الحالة بسلام لحد ما الا ان سلبيات ما مر به الكورد لن تكون قليلا و ستؤثر بشكل ما على العلاقات العديدة الضرورية المطلوبة و على موقعه و ثقله في اداء ما عليه للوصول الى تحقيق الاهداف المصيرية في النهاية، الا انه مهما كانت الخسائر كبيرة فالرجوع عن الخطوات المتخذة بهدوء من نصف الطريق افضل من الاستمرار فيها بتعنت الى النهاية غير معلومة النتيجة لنا نحن ككورد شعب و قضية.[1]