دولة كوردستان الديموقراطية - القضية و الحل -
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3529 - #28-10-2011# - 23:47
المحور: القضية الكردية
المقدمة
التاريخ مليء بالعبر، مرً على الكورد بالذات حقبات غابرة من تاريخه الطويل المشبع بالحوادث ، كانت مراحله مختلفة الشكل و التكوين و المستوى على كافة الاصعدة مقارنة مع ما كان يمر به غيره سواء في المنطقة كان ام في العالم جمعاء. في مسيرة هذا الشعب من الدروس يمكن ان تتصف بالايجابية لما يمكن ان يدخل فيه المتتبع مع ما موجودة الى جانبها اصلا من السلبيات التي اثرت على مستقبله، و عدم تحقيق اماني ابناءه اولا و من ثم ومن خلال تاثيراتها على التوجهات الانسانية في المنطقة . تقدم واقع المنطقة العام و اعتلى الشعب الكوردي فيه تارة في صفاته و سماته و تخلف في مرحلة اخرى عن غيره تارة اخرى، و لكنه يمكن ان نقول بانه امتلك من السمات و الظروف الذاتية في مراحل معينة لو استغلها و اعتمدها لتمكن من من بناء كيانه المستقل و ازاح ما كان يعيق التوجه نحو تلك الافق، و هنا يمكن القول بان هذه العوائق و المعرقلات تراكمت و اصبحت سدا منيعا بمرور الزمن و اصعبت تحقيق ما يهم الشعب الكوردي من تقرير مصيره، اضافة الى الظروف الموضوعية و التاريخية التي ضخمت من الصفات غير المشجعة و زرعت من السمات السلبية في كيان افراد هذا الشعب و منعت عنه المحفزات للخطو او الدفع بالشعب الكوردي من الخروج من العزلة او التقوقع الذي قوض نفسه فيه ، و هذا لا يعني ان دور اصحاب المصالح و الدول ذات الشان المتصل بهذه القضية لم يكن تامرية طوال تاريخه الطويل. اضافة الى عدم قدرة الشعب من الاندفاع في الوقت المناسب لهذا المهام الا ان المانع في اكثر الاوقات كان الجانب الثقافي و الاقتصادي و مستوى وعيه العام مع انعدام التنظيم وعدم وضوح الخطط الاستراتيجية المتينة الدالة لتحقيق هذا الغرض، اضافة الى خمول قيادته و عدم امتلاكهم لروح المغامرة و الجرأة الكافية، و انما حصروا تفكيرهم للدفاع عن الوجود و محاولة عدم الذوبان في بودقة القوميات السائدة في المنطقة، و عندما الصقت بالدول التي انبثقت بقعل و دعم الدول الاستعمارية لم يكن هناك من المعترض القوي الذي كان من الواجب ان يظهر ردا على ذلك الغدر الذي لحق بالشعب الكوردي. هذا ان لم نتكلم عن حصر و تقيد العقلية الادارية السياسية في المراحل الاولى من حياة قياداته التاريخية في الحفاظ على التكتلات العشائرية القبلية حصرا دون وجود الوعي القومي المطلوب لبناء الدولة الا متاخرا، و هذا ما حدا الى عدم الوصول الى بناء كيان خاص بالشعب الكوردي .
بهذا نتاكد من ان تاريخ الكورد خال من التخطيط و البرامج الاستراتيجية لبناء دولتهم المستقلة، و اختزلت مطالبهم في دوائر ضيقة تمس الامور الداخلية لبقع معينة من مساحاتهم السكانية، و لم تبلغ حد الاصرار على انبثاق الكيان المستقل الخاص بهم، و كانت كل اهتماماتهم داخلية من اجل مصالح ضيقة،و دوافع معينة غير متكاملة الاطراف و الاسس لما تهم مستقبل اجيالهم عبر المراحل، و لم يخوضوا النضالات المدنية من الدبلوماسية و ما يهم العلاقات الدولية المطلوبة لهذا المهام بشكل وافي .
ان كانت اية دولة لم تزدهر الا اذا توفرت فيها الاسس و الركائز و الدعائم الضرورية الدافعة للانتعاش و التقدم فيها، فكيف بمكون لم يمتلك هذا الكيان و ينوي بناءه و هو لم يفز به عبر التاريخ رغم وجود المقومات الاساسية لتاسيسه .
بناء الدولة
ان الظروف التي يتصف بها العالم في هذه المرحلة معلومة الى حد كبير و ليس بصعوبة معرفة ما يتميز بها كما كان من قبل، ربما التعصب و التمييز و الشوفينية فيبعض من بقاعه لازالت سائدة لحدما بينما الانسانية و التفكير العقلاني و الاعتدال واصل الى قمته في بقع اخرى،اي مسار الحياة العام للشعوب متفاوت و غير متساوي الشكل و الجوهر،لا بل متناقض و بعيد عن البعض في العديد من الاوجه، و يمكن القول ايضا ان هناك صراع و تضاد ويمكن ان ندعي وجود ارضية مناسبة حتى للقتال و الاحتراب بجميع انواعها في اماكن معينة فقط.
اما من جانب اخر فهناك احتكاك و تقارب و تماس مباشر و تطور على مستويات عدة بحيث ازيحت عوامل التناطح و التقاتل، و ارتفع مستوى منحنيات العقلانية في التفكير و الانسانية و السلوك ، و نرى دولا يعيش مواطنوها في سلم و امان و هم مطمئنون على مصيرهم دون ةتميز يذكر و في ظل نظام مبني على العدالة و المساواة و متجسد على ارضية صلبة في تطبيق المواطنة بكل معنى الكلمة .
اما منطقتنا، الى حدكبير بعيد جدا عما يمكن ان يفكر اي مكون في ضمان كيان له كي يعيش بسلام و يحب الاخر و يحترمه، او يمكن ان يضمن حقوقه الكاملة في المشاركة مع الاخر، لاسباب عديدة، تاريخية و ثقافية و اقتصادية و اجتماعية عامة. لذا يبقى الهدف الرئيسي لبناء الكيان الخاص ساريا و يستحق ان يبذل من اجله الكثير من التضحيات .
ان المعوقات كثيرة ، و تراكمت لقدم العقدة عند القضية الكوردية، و هذه تحتاج للعقلية الملائمة المحللة و المشخصة للامراض المختلفة من اجل التعامل مع القضية بذاتها، كي تخرج منها الاطراف كافة مستفادين دون اي ضرر لاي طرف . و يدخل في ثنايا تلك القضية و موانع حلها مجموعة من المؤثرات سواء كانت داخلية اوخارجية، لانها تمس القوى العالمية العديدة و الاقليمية ايضا، لتعقيدها و التداخلات التي حصلت فيها و اقحمت الجهات نفسها في بنيتها ، و هنا تدخل المصالح محل العوامل الاخرى و تتقاطع بشكل غير مسبوق و يحتاج الخروج منها للجهابذة و الشخصيات الداهية من اجل حل هذه القضية و الوصول الى المبتغى و ابعاد المعرقلات واستاصالها او اخراجها من صميم القضية كالشعر من العجين.
المعلوم ان السياسات المتبعة منذ حقبات لم تاخذ بالمطالب الحقيقية الجوهرية النابعة من امنيات و طموحات الشعب الكوردي ، الا ان هذه المرحلة لا تتحمل اهمال الراي العام و اهداف الملايين الناس من اي كان و وراء تلك الحقوق اناس متحمسون .
التغييرات الجارية و دولة كوردستان
كانت الدكتاتوريات المسيطرة على رقاب الشعوب تفرض ارادتها في كافة الجوانب و منها التعامل مع القضايا الانسانية، الشعب الكوردي استفاق من نومه الى حدما و تحرر جزء من كوردستان منذ سقوط الدكتاتورية العراقية، الا انه لم يعبر الخطر و هو لحد اليوم تحت رحمة ظروف المنطقة و العقليات السائدة بكل انواعها .
ان التغييرات التي تحصل لحد اليوم في المنطقة لها جوانب ايجابية شتى في تمساها مع القضية الكوردية، منها ارساء نسبة معينة من الديموقراطية التي تضمن حقوق الاكثرية و متطلباتهم ،الا ان الخوف من نتائج العملية الطويلة الامد ككل و ما يتخلله من التراجع ربما بخطوات هنا و هناك من عدة جوانب و ربما تضرب القضايا الانسانية بذاتها من العمق ايضا، المستوى الثقافي العام للشعوب السائدة و عقلياتهم و عقيداتهم و ما يحملون من الافكار ربما تدعو اي مراقب ان يتخوف من تهميش الاقليات القومية، و بوادر تلك النظرات و التوجهات بانت في مناطق عدة. لذا، لا يمكن القول بان الافاق واضحة الشكل لنيل الحقوق او لاستيعاب القوميات السائدة في تقبل الحقوق القومية للاقليات .
الوقت الملائم لاعلان الدولة الكوردستانية
بعد كل هذه التداخلات و الفوضى العارمة في المنطقة، الا ان الجهات التي لها سطوة على الكورد لاتزال بمناى عن هذه التغييرات ، بل تقوت ساعد بعضهم و طالت تاثيراتهم على الساحة الاكثر توسعا لمصلحتهم في هذه المرحلة. لذا اختيار الوقت المناسب من شأن المفكرين و المنظرين و المحللين العقلاء .
دعائم اعلان الدولة
تهيئة الاجواء و الارضية المناسبة كي لا ترى الخطوة الاولى و تحس انها من المفاجئات ، و هذا ما يحتاج لعمل و التحضيرات الضرورية . ارادة الشعب مهمة في تحديد و تقرير مصيرها الا ان المصالح الكبرى سوف تضربها في اكثر الاحيان ومن المحتمل ان تدفنها في مهدها، و عليه ضمان تحفظ القوى المؤثرة على الاقل، ان لم تكن هناك فرصة لتامين دعمهم كهدف مهم و عمل لابد منه، و هنا تبان اهمية تعاون المنظمات الدولية كاهم داعم لتحقيق تلك المهامات .
اما على الصعيد الداخلي، فان الوحدة و التعاون و توحيد المواقف و الراي وتجسيد الديموقراطية مع محاربة الفساد و التوجه الصحيح مع التعبئة و اثارة الراي العام في مقدمة المتطلبات و من اهم دعائم تحقيق الهدف الاسمى وهو انبثاق دولة كوردستان المستقلة ، و يجب ان يكون ذلك بعيدا عن الصراعات الحالية و تهميش مؤثرات المصالح ، و ياتي ذلك عند تحمل الجميع للصعوبات المحتملة في اية مرحلة يمكن ان تواجهنا .
حدود دولة كوردستانان
ان الهدف في انبثاق دولة كوردستان على مساحة اقليم كوردستان العراق بمساحته الحالية و البحث فيه يتحمل وجهات نظر عديدة، و ربما يكون اسهل من تحقيق الهدف ذاته على مساحة كوردستان الكبرى، و ربما تكون العملية اسهل و اوفر حظا للنجاح في هذه المرحلة و ما فيه جنوب كوردستان، هذا ان كانت الدوافع فيها ذاتية نابعة من امنيات و احلام الشعب الكوردي كما هو المعلوم للجميع، او خارجية داعمة بشكل غير مباشرلحد ما، و ربما الاطراف الساندة لها تكون قليلة لو قورنت مع من يقف ضدها. و منهم من يهمه تصغير حجم و تخفيف ثقل كوردستان الكبرى و من مصلحتهم قطع دابر قوة كبرى متمثلة بكوردستان الكبرى و التي تكون مؤثرة في المنطقة لو توفرت الفرصة الملائمة لها و تكون ذات اهمية عالمية تغطي ما يتميز بها الاخرون في المنطقة . بعد ان اخمدت القوة الغاشمة المتوفرة لدى القوى المسيطرة و القوميات السائدة الحركات التحررية، فاليوم ينبذ بعض من كان يفكر باستخدام كافة الطرق المشبوهة التي كان يؤمن بها في مواجهة اصحاب الحق، ينبذ القوة في مواجهة متطلبات الشعوب وهو متغير في سلوكه و توجهاته بفعل متغيرات العصر . فالمرحلة لا تتحمل الحروب الطويلة بعد التقدم الذي حصل في سيطرة المفاهيم الانسانية على العقلية و السلوك و السياسات المتبعة في كافة انحاء العالم . فهل من مصلحة الكورد ان يعلنوا عن دولتهم في هذه المساحة الضيقة المتحررة الان المسماة باقليم كوردسان و خصوصا هناك مناطق مستقطعة لم يحسم امرها لحد اليوم رغم وجود خطة عمل وفق دستور العراق الجديد و بعد التماطل من قبل السلطة المركزية و الضغوطات المتعددة لعدم حل هذه المشكلة، ام عليهم انتظار دهر اخر لمجيء الوقت المناسب ، و ربما لم يات ابدا ما يحل هذا الشان بشكل نهائي .
ربما يحس المراقب المتمعن في شان كوردستان بوجود عدة سيناريوهات، منها توجه العمل على الاستقلال في حدود الاقليم الحالية و توجه المناطق المستقطعة ذات الاستراتيجية المهمة لتحديد و تقرير مصيرها بعيدا عن الاقليم، و هذا لصالح الدول التي انقسمت عليها كوردستان باجزائها الحالية في المدى البعيد . و ان تكلمنا بحيادية يمكن ان نقول ان هذه التوجهات ربما تحمل ايجابيات و سلبيات شتى على المدى البعيد ايضا . فهو الاقرار بقطع اوصال كوردستان و اختزالها في منطقة معينة و زاوية محصورة حرجة و ابقائها تحت رحمة السلطات السائدة من جهة، و فرض الامر الواقع و ترك المهمة الكبرى لفرضيات الزمن و ما تقدم عليه الاجزاء الاخرى من كوردستان و مدى بقائهم تحت سطوة الحكومات المركزية من جهة اخرى، اضافة الى محاربة المتسلطين على رقاب الشعوب الكيان المنبثق حديثا فرضا من اجل وأده و اعادته الى طلب رحمة المحتلين انفسهم للخلاض من مضايقاتهم .
اما ايجابيات اقرار دولة كوردستان على المساحة و الحدود الحالية للاقليم يكمن في نجاح جزء من كوردستان في الحصول على مبتغاه في اقرار حق تقرير المصير و من ثم المحاولة في الوصول الى الافاق الكبيرة البعيدة المنال بمراحل متعددة، و هذا ما يتطلب خطط و برامج و ارادة و تحمل و صبر منقطع النظير مع التضحيات الكبرى .
الاهم في الامر هو العمل على تحقيق هذا الهدف كاستراتيجية و ليس تكتيكا هنا و هناك لاستخدامه كورقة ضغط من اجل مصالح حزبية او فئوية او شخصية بحتة او نتيجة مزايدات مختلفة .
الاستنتاج
بعد ان توضحت العديد من جوانب خفية من وراء بقاء القومية الاكبر نسمة غير حاصلة على كيانها المستقل الذي يحافظ على وجودها و ديمومتها و بقائها، ومع وجود المقومات و الاسباب الموجبة لولادة هذا الكيان في ظل العوائق غير المشروعة التي صنعتها اصحاب المصالح دون انصاف، فان ضمير الانسانية و العدالة العالمية تفرض على الجميع اعادة النظر في تعاملهم مع القضايا الخطيرة التي تمسحياة ابناء الشعوب المغدورة . لذا يمكن الاعتقاد بان المرحلة التي حققت فيها العديد من الشعوب المغدورة امانيها في الوصول الى غاياتهم المشروعة من التيمور الشرقية الى جنوب السودان، فان كل المؤشرات تدلنا على ان الدولة الكوردستانية حق و يمكن تحقيقه طالما كان وارءه مطالب ، فخرجت هذه القضية من عنق الزجاجة و في طريقها الى الحل و تحقيق الهدف السامي.[1]