ادعاء وجود لامركزية دكتاتورية تبرير لتجسيد و ترسيخ المركزية المطلقة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2461 - #10-11-2008# - 09:02
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بين حين و اخر من هنا و هناك، نسمع مجموعة من الاراء و المواقف العجيبة و التي تختلف بمرور الايام، سوى كانت حول القضايا الانية و الاختلافات اوالخلافات بين القوى السياسية او بين سلطة المركز و الاقليم و المحافظات غير المنزوية تحت اسم اقليم ، او اراء حول كيفية امرار الدستور و ان كانت الاكثرية المطلقة للشعب العراقي مصوتة عليه ، و حتى المنتقدين منهم ممن كانوا يروجون له في حينه و وصفوه بشتى اوصاف الديموقراطية و حرية التصويت وجمال الاستفتاء ، ولم يعلم احد هذا التغيير المفاجيء وبقدرة القادر الا ما موجود وراء المصالح و كان منتقدو اليوم في وضع اخر بالامس و هم من صوتوا باصابعهم العشر على نفس هذا الدستور ، لا بل اتهموا من كان يعلن عن الثغرات الموجودة في مواد الدستور بانهم مرتبطون بالجهات الخارجية لا خير فيهم للعراق الجديد، وسبحان مغير الاحوال .
و ان قيًمنا الوضع في حينه من مواقع و ثقل اية قوة سياسية او تيار او اتجاه او شخصية التي تصرخ اليوم و تنتقد ظروف امرار الدستور ، نرى ان المواقف الجديدة ليست نابعة من الاخلاص و الايمان بما يفيد العراق كدولة مستقلة صاحب سيادة و دستور دائم لاول مرة في تاريخه و يتمتع بفضل المستجدات بالعديد من الصفات العامة التي تميزه عن الدول الاخرى ، فضلا عن خطوهِ الخطوة الاولى لتجسيد و ترسيخ الديموقراطية و اتسامه بالحرية و ضمان جزء كبير من حقوق الانسان على الرغم من المعوقات الداخلية و الخارجية في طريق تبنيه للحداثة و التجديد و ارتكازه على المقومات و الركائز الاساسية للدولة المدنية من اتباع طرق علمية لانهاء كافة انواع التعصب و تسقيط و الغاء الاخر ، و تعلًم الحوار و التسامح و نشر روح المحبة رويدا رويدا و التعايش و قبول الاخر و طلب حقوق الجميع على حد سواء دون الاستفراد والانعزال، و انما هذه المواقف الجديدة نابعة من المستجدات التي حصلت و ما تتطلبه موقع من يدعيها و حزبه و اتصالاته الواسعة و علاقاته المتعددة المتموجة.
عند قراءة الوضع الراهن و من هو في سدة الحكم و اتجاهه و سيرة حياته و افكاره و معتقداته و كيف وصل به الحال الى هذا الموقع سوى داخل حزبه او في السلطة و طرقه اللولبية في ازاحة و تهميش الاقرب المقربين اليه في الفكر والعقيدة و رفيق دربه ، فكيف يثق به الاخرون، و كيف كان عندما نادى بتوفير حقوق الجميع واعلن وفاءه لمن كان له الفضل لايصاله و اعلانه بشكل صريح بالمساواة و العمل من اجل الكل و الجهد اللازم لضمان الخدمات العامة والعدالة الاجتماعية ، و كل هذه الادعائات و لم يكن هو واتجاهه في حينه ذو ثقل على الساحة السياسية بعد سقوط الدكتاتورالذي يمكًنه ان يوصل الى ما وصل اليه ، و الى جانب ذلك هناك من اتبع الطرق المعلنة في بيان ارائه و افكراه و انتقاداته بكل صراحة في حينه تجاه الدستور و لحد اليوم و أُتهم من قبل منتقدي اليوم بانهم من يعملون على اعادة عقارب الساعة الى الوراء و معاكسة مسيرة التقدم في العراق الجديد ، و بذلت مجموعات اخرى كل ما بوسعهم من اجل استقرار الوضع و عدم تشنج اكثر مما كان موجودا في حينه ولو على حساب الكثير من حقوق شعوبهم و مكوناتهم ، و كان هناك اتجاهات اخرى تصرخ و تصرح ليل نهار بان الافكار و الاعتقادات و الاتجاهات ذات التاريخ الملتوي المعلوم و المعتمد على المعتقدات الضيقة المحصورة في مذهب و راي و اجتهاد و اتجاه فكري معين لا يمكنها العمل و اتخاذ الاجراءات اللازمة و اتباع الطرق السليمة التي هي في خدمة كافة الفئات و الشرائح دون التفريق و التمييز . و بتغير المواقف و موازنة القوى و المواقع لتلك الاتجاهات تغيرت التوجهات و التطلعات و كُشفت التصرفات الانتهازية التي اتبعتها هذه القوى على الملا عند تغير موقعها سوى كان شخصية او حزبية.
نعلم جميعا كيف كانت اوضاع الاحزاب و التيارات و الواقع السياسي بعد السقوط ، و عند مقارنتها مع ما هو عليه اليوم يتبين لدينا افكار و نوايا المنقلبين على افكارهم و تصريحاتهم او بالاحرى معلنين عن نواياهم الحقيقية اليوم، و به من الواجب ان يفكر الجميع بالغد و ما يكون عليه عند تقوية المواقع اكثر فاكثر و يُكشف المستور لنا بالكامل .
ان اخطر ما في الامر هو اعتماد وتفكير مَن في السلطة بامور تخص حزبه و توجهاته و اهدافه الخاصة المحضة بعيدا عن ما يهم الجميع و عن ما اعلنه مسبقا ، فالجهة التي تنظر الى ما يفيد كتلة فقط لا يمكن ان تُعتمد عليه في ادارة السلطة للعراق الجديد ، فان كانت اليوم في السلطة و تعمل جاهدا في التحايل و التاثير على الثوابت لغرض في نفس يعقوب فكيف تكون الاحوال ان استقرت الاوضاع الامنية اكثر و تقوت القوات المسلحة و تجهًزت و كانت تحت اوامره .
بشكل عام نشاهد الوضع العام مستند على مواقف الكتل و ثقلهم ، و ارائهم متوقفة و معتدمة على موقعهم في السلطة و ما هو لمصلحتهم ، و الواجب على الجميع ان لا تُمس الثوابت و الاستراتيجيات المتفقة عليها من قبل الجميع و ان لا نحس بالنظرة الانفرادية و اجتياز الخطوط الحمراء التي ليست لاحد ان يتجاوزها .
ان كان الدستور من الثوابت الهامة و لا يحق لاحد الاجتهاد فيه، بل اي تعديل او تغيير يجب ان تجري من خلال الاستفتاء العام وفقا لبنود الدستور نفسه و ليس لاحد مهما كان موقعه و موقفه و سلطته ان يتجرا لتفسير ما موجود فيه على هواه او على ما يفيده و من مصلحته و اعتقاداته.
لو عدنا الى ما مرً به العراق و كيف توصل الى ما هو عليه و تنازل المخلصون عن حقوقهم ليس من موقع الضعف و انما الحرص على التعايش والتسامح و حتى في بعضها كانت التنازلات على حساب امنيات و الاهداف المصيرية لشعوب و قوميات و فئات العراقية و ضرب بعض من مصالحهم عرض الحائط ، كان من اجل عراق ديموقراطي فدرالي موحد ، فليس من المعقول ان يُستخف بتلك الاعمال و التضحيات و ما وصل اليه العراق اليوم، فمن كان خائفا من ماضيه و مافرض عليه ليس له ان يفرض على الاخر ان يخاف من ماضيه و مستقبله ايضا ،و لا يمكن لاي احد ان يهمش القانون الاساسي لهدف او تكتيك حزبي عقيدي ضيق اولاخلال بالاستراتيجية العامة للدولة المثبتة و وافق عليها الجميع.
من اكثر الاستراتيجيات حساسية و التي لا يمكن لاحد الافراط بها هي اللامركزية و الفدرالية المثبتة في الدستور ، اي نشاهد اليوم من يحاول لمس بهذا المبدا العام و لاسباب معروفة ضيقة الافق و مستند على المصلحة الحزبية والشخصية الضيقة ، و تحاول جهة ما التوجه نحوالمركزية التي كانت السبب الرئيسي و القاطع لانبثاق الدكتاتورية سابقا ، و يجب ان يعلم الجميع انه لافرق بين دكتاتورية شخصية و حزبية و طائفية و فئوية و قومية ، و ان المركزية هي التي تبني الدتاتورية و تمهد لها و تضرب المباديء الديموقراطية عرض الحائط و ليس العكس، و ان اللامركزية هي العامل القوي لتوزيع السلطات وعدم تركيزها و احتكارها من قبل جهة واحدة و في موقع واحد و هي اساس الديموقراطية ، و الادعاء بوجود لامركزية دكتاتورية ليس الا غدر و تضليل للجماهير و تبرير و تجسيد للمركزية المطلقة ، و هذا ما يعلمه القاصي و الداني و لايمكن في العراق الجديد ان يخفى على احد ما ينوي البعض لاعادة التاريخ مهما كانت الطموحات ، و طريق التلفيق و التضليل قصيرة و لا توصل الى شيء غير الويلات على سالكيه و على الشعب.
لذا علينا ان نقول ما في داخلنا للجميع، ان الشعوب التي ناضلت من اجل الاهداف السامية لا يمكنها ان تستمر في تقبل كافة التنازلات غير المبررة من قبل ممثليها و قادتها ، و عليه ان يفكر الجميع و في مقدمتهم من في سدة الحكم ان العراق الجديد يجب ان يكون لكافة القوميات و الفئات والشرائح و الطبقات و لا يمكن عودة اية دكتاتورية و باي اي اسم كان الى السلطة ، ومن مصلحة الجميع التوافق و التصالح و لا يمكن قبول التفريط بالمنجزات على كافة الاصعدة التي حصلت بعد سقوط الدكتاتور ،و ضمان حقوق الجميع يكمن في المساواة و العدالة الاجتماعية و السياسية و توزيع الثروات على الجميع بالتساوي،والقانون هو الحاكم الاوحد والفاصل في تصفية و حل القضايا الكبيرة ، و ولى زمن العبودية و الانفرادية و حكم الحزب الواحد و الغاء الاخر و تسقيطه ، انه العراق الجديد ، و الواجب الرئيس و الهام يقع على عاتق الفصائل المخلصة من اجل عدم اجهاض جنين العملية السياسية ، بل الوضع يتطلب التوجه الصحيح للاصلاح و التغيير نحو الاحسن لضمان حقوق الطبقة الكادحة و الفقراء لا بل كافة مكونات الشعب من خلال نشر الفكر الملائم و التقدمي و ابعاد شبح الدكتاتورية و التخلف الذي يهدد كافة الكيانات و ما حصل من التغييرات البسيطة ،و نذير شؤم للعودة الى الوراء و هذا ما لا يقبله من يهمه مستقبل الاجيال و وضع الشعب العراقي الاجتماعي الثقافي المتدهور.[1]