اين مفهوم اليسار في العمل السياسي العراقي؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2311 - #13-06-2008# - 11:25
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
واراءهم ، لكي يعطي الموضوع بعض من حقه، الا انني هنا لست ملزما في هذا المقال القصير ان اتكلم عن كافة جوانبه ، لانه متشعب و حتى المعاني اللغوية لبعض فروع هذا المفهوم يحتاج الى تفسير و تحليل دقيق، لا تتسع المساحة هنا الخوض في التفاصيل المسهبة ،و لكون اليسار كمفهوم سياسي هو من نتاجات و مصوغات حقبة زمنية معينة من مراحل تجدد الفكر الانساني ، وان اردنا ان نكون منصفين يجب ان نشرح الابعاد التاريخية الكاملة لبروز و نضوج هذا المفهوم و هذا مالا نقدر عليه هنا. و لتلخيص التعريف و اعطاء الصيغة النهائية له يجب ان نقراه ضمن اطار المشروع الثقافي السياسي على مدى التاريخ و ان نتعامل مع الواقع في بيان عندما يريد اي منا الحديث عن مفهوم اليسار عليه ان ينظر الى جميع المدارس و العلماء و المفكرين اليساريين و يدخل فيما ذهبوا اليه من نظراتهم و مواقفهم مضامين هذا المفهوم و بموضوعية الفكر مع الظواهر.
كما نرى ان اليسار في الحقبة الاخيرة ومن خلال المتغيرات و التقلبات يحاول ان يصوغ شكلا و اطارا او موديلا بامكانه ان يساهم في فهم تفسير السيرورات الفعلية الجديدة للتطورات الحاصلة في العالم من العولمة و تعقيداتها و تناقضاتها محاولا اعطاء زخم جديد على تداعيات و ابعاد عملية التجديد الفكري اليساري و تحويله الى مفهوم في حالة تجدد مستمر.
المهم هنا وما نفكر به دوما هو حال اليسار و مميزاته و ابعاده و تداعياته و معايير مقارنته مع اليمين المسيطر لحدما على كفة الامور في العمل السياسي العراقي. قبل اي شيء ، صياغة مفهوم اليسار في الوضع العراقي المتنقل الراهن ليست بامر نهائي و ثابت و يحتاج اليسار الى جملة من الاعمال و الافكار النهائية للصياغة الشمولية لما يحتويه من القوى المحركة الحيوية في لبه و ما يدفعه الى الحركة المستمرة و الى تغيير مستمر .
و اهم معيار لقياس يسار اليوم و مقارنته مع اليمين هو مستوى النضال من اجل المساواة بين الناس و فروقاتها الواضحة مع قوى اخرى تعمل من اجل بقاء اللامساواة القائمة بين البشر، وهو المعيار الوحيد الظاهر الباقي الصامد بمرور الزمن.
ولنا ان نسال هل قام اليسار في العراق بهذه المهمة او قام بمحاولة بيان ما ينويه لهذا الغرض، ام ساوم مع القوى الرجعية و تحالف معها من اجل الحفاظ على الوضع الراهن؟ بعد النظر و لو بسرعة فائقة في العمل السياسي العراقي، نشاهد انه يمر بمرحلة جديدة و التي يمكن ان تسمى بالموجة الثالثة كما يسميها الليبراليون،اي العولمة و ابعادها و زمن الراسمالية و عصر الاتصالات و السرعة.
من الناحية الاجتماعية ، نحن نعيش في مجتمع يتصف بالثقافة و الكلتور الزراعي الفلاحي او شبه زراعي و شيه صتاعي و متداخل كل منهما مع البعض معتمدين على التجارة الاستهلاكية، ولا يمكننا ان نميز الطبقات بشكل واضح و صريح حسب المقاييس و الاطر الذي يعتمد عليها اليسار بشكله العالمي، لذلك علينا ان نعرٍفه داخل اطار و خصائص المجتمع العراقي.
كما نعلم وللاسف نحن نعيش في مجتمع ملتزم بالعاداة و التقاليد و ببعض المسلمات و يهتم بالموروث الديني المذهبي و الشعبي و السياسي الاجتماعي و هو متمسك به و لا يريد الخروج من تلك المساحة المفروضة و المتفق عليها دون تفاوض مسبق و هو نتيجة تراكمات التاريخ و المفاهيم المتعددة و اكثرها مستوردة او طُبق بحد السيف. ولو اتجهنا الى الحركات اليسارية و الاحزاب و الشخصيات المؤثرة لم نر اي تغيير في هذا المسار المرتبط مع القوى الاخرى و هي تستلهم الشعارات و المقولات من افكار تاريخية مرً عليها الزمن و نافذة تاريخ انتاجها و في احسن الاحوال تتبنى مرادفات او مواكبات داخل اطر المشروع و العمل السياسي الواقعي الذي يتغذى عليه المجتمع، لذلك يمكن القول انه لم يُشاهد اية خطوة او بادرة تُقدًم في مجال تقدم اليسار و عمله المطلوب من اجل ما يناضل من اجله اليساريون و الفقراء و المعدومين.
ان هذا التقييم ليس انتقادا مهدٍما و ليس احباطا و انما هو الامر الواقع الذي يجب ان نعترف به و نريد ان نتجاوزه و نجعله وراء التاريخ او على الاقل نقلل من تاثيراته الثقيلة على كاهل كافة فئات المجتمع الرازحة تحت وطئة النظام الراسمالي المحتكر من الشعب العراقي و الشعوب كافة.
ان التجديد عملية معقدة و متشابكة و مركبة و ليس تعبيرا للتمنيات و الرغبات العاطفية او نتيجة ردود فعل فوقية، بل هو انعكاس لظروف و وقائع موضوعية داخل مجتمع قابل للتجديد و التطور ، و المجتمع وحده قادر على استجابة المتطلبات الفكرية و يجب ان يتناغم مع عملية التطور و عدم الاستسلام لمقولات و مسلمات ثابتة، بل عليه محاولة دفع عملية التجديد والتطور لمجمل مجالات الحياة البشرية.
لو القينا نظرة خاطفة على الوضع الاجتماعي السياسي العراقي ، كل ما يرشدنا و لو بشيء من الموضوعية و بنظرة حيادية انتقادية يتجلى لدينا الظروف الحالية و مضامينها بعد مخاض عسيرو العمل الجدي من قبل الاحزاب الدينية العقيدية التعصبية، نرى و لو بشكل غير مستقر ان الظروف الحالية في صالح المشروع الليبرالي المعولم. وهذا المشروع التضليلي الى حد كبير في كثير من جوانبه و يهدف الى تفكيك الحقوق السياسية الاجتماعية الثقافية المكتسبة للطبقات العاملة و الشعب بكافة فئاته،و يحاول تفريغ الديموقراطية من كافة مضامينها ، لان الظرف العراقي الراهن دليل واضح على نتائج ما اقترفته الايدي المتمسكة بالنظام العالمي الجديد و العولمة و الى غير ذلك من المفاهيم، و الانسان العراقي و حتى في المنطقة باكثريتها محروم من ابسط شروط الحياة المعاصرة، حروب و دمار و خراب و ويلات و تخلف و جهل و سحق و تطرف و انهيار اقتصادي اجتماعي، مما تركت كل تلك الوقائع بصماتها على خطاب و عمل اليساريين، الا ان الثقة الكاملة و المؤمنة باحقية الفكر اليساري لخدمة الجميع يجعلنا ان نتاكد بان اليسار الجديد الواقعي البعيد عن الخيالات الطوباوية التي عفا عليها الزمن لن ينغلق في نقطة نهائية لا عودة لها، بل هو في تطور متواصل و ينفتح على كافة المراحل و هو الذي يدفع بمسيرته الى نقطة التركيز على متطلبات العصر و يبلغ المبتغى حتى و ان ارتدى اشكالا متتالية.
من هذه البداية والمنطلق،لابد لليسار العراقي ان يكون فاعلا و عليه ان ينتشل المجتمع من الوحل و يقوم بكافة ادواره الانسانية و عليه ان يتوائم و يتلائم مع العصر و يراجع برامجه و يغير من سياساته و عليه ان يفعل و يقرر ما يتطلبه الواقع و الفكر و الحياة و العصر. و لذلك يمكننا ان نقول ان مستقبل اليسار في العراق مرتبط بشكل كبير بقدرته على التغيير و اعادة النظر في مضامين المفاهيم التي يعتمد عليها وليس التخلي عن المفاهيم و انما اعطائها محتويات و مضامين تنسجم مع الواقع الجديد و مع المتغيرات الكبيرة التي حدثت. وبه نصل الى مفهوم واقعي عملي لليسار المتقدم في العمل السياسي العراقي ، و يحتل مكانته السامية في النضال العراقي الراهن ما بعد سقوط الدكتاتور.[1]