العنف ضد المرأة، كيف حافظت الإدارة الذاتية على كيان نساء شمال وشرق سوريا
الثورة السورية بين فشل الأهداف ومعاداة المشروع الديمقراطي
أحمد البدوي –
يعدّ العنفُ ضدّ المرأة في الفترة الأخيرة ظاهرةً اجتماعيه تمسّ حقوقَ النساء الأساسية، ويشكل عقبةً أمام تطور وتقدم المجتمع.
ثمّةَ نتائج وأبعاد وخيمة للعنف ضدّ النساء، قد يمتدّ أثرها لعدة أجيالٍ، ذلك لأنّ الأطفال قد يتعلمون من المحيط الذي حولهم- خاصة الأم، فهي المعلمُ الأول لأطفالها وهي القدوة، فالمرأة المعنفة المستسلمة المستضعفة ستربي أولاداً مستضعفين مستسلمين لواقعهم المرير؛ أمّا المرأة المستقلة القوية الناجحة ستربي أطفالاً أقوياء الشخصية.
وقد زاد العنفُ في المجتمع السوري بشكلٍ كبير في فترة الحرب والأزمة السورية، ولكن الملفت للنظر هو دور الإدارة الذاتية وموقفها تجاه العنف ضدّ النساء، فقد حملت على عاتقها حماية المرأة وسعت لتغير واقعها انطلاقاً من فكر القائد عبد الله أوجلان وشعار المرأة الحرية الحياة.
العنف ضد المرأة: المفهوم والأسباب
يعرّف العنفُ ضدّ المرأة بأنه أي سلوكٍ موجّه نحو المرأة يُسبب لها أذى أو معاناة، سواء كان ذلك جسديًا أو نفسيًا أو جنسيًا أو اقتصاديًا. ويعود هذا العنفُ إلى أسباب متعددة، من بينها:
الأعراف الاجتماعية الذكورية: تسود في كثيرٍ من المجتمعات قيمٌ تضع الرجلَ في موقع السيادة، مما يعزز القمعَ تجاه النساء وتعنيفهن بسببٍ أو بدون سبب، وهو ما يضع المرأة في مرحلة دنيا أو أقل قيمة، وقد يصل في كثير من الأحيان إلى الضرب المبرح والقتل وإزهاق الأرواح بدون أي محاسبة أو تأنيبٍ للضمير بعيداً عن القيم الإنسانية.
الأزمات والنزاعات المسلحة: تؤدي الحروبُ إلى تفاقم العنف، حيث تستخدم النساءُ كأدواتٍ في النزاعات. كذلك انتشارُ الجهل والتخلف والفقر
وغياب التشريعات الرادعة يساهم غياب قوانين تحمي المرأة من العنف أو تطبيقها بشكلٍ غير فعّال في استمرار المشكلة وتفاقمها.
الإدارة الذاتية ودورها في حماية كيان المرأة
مع إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، تم اتخاذ خطواتٍ جريئة لمواجهة العنف ضد المرأة وتعزيز حقوقها. ويمكن تلخيص أهم إنجازاتها في هذا المجال على النحو التالي:
الإطار قانوني لحماية المرأة:
أصدرت الإدارة الذاتية قوانينَ وتشريعات تهدف إلى ضمان حقوق المرأة وحمايتها، من أهمها قوانين تجرّم العنفَ الأسري والزواج القسري وزواج القاصرات، بالإضافة إلى دعم النساء للجوء إلى المحاكم الخاصة بقضايا المرأة.
تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا:
لعبت الإدارة الذاتية دورًا رياديًا في تمكين النساء من المشاركة الفعّالة في جميع مستويات صنع القرار، فتم تخصيص نسبة 50% من المناصب للنساء، وهو ما يُعرف بمبدأ التشاركية، الأمر الذي ساهم في تعزيز دور المرأة في الإدارة والسياسة ونظام الرئاسة المشتركة، الذي حقق نجاحاً في كل الميادين التي شغلتها المرأة، ما يضفي نوعاً من التوازن في المؤسسات المدنية في خطوة فريدة من نوعها على مستوى شمال وشرق سوريا.
تأسيس مؤسسات نسوية:
أُنشئت منظماتٌ نسوية ومجالس خاصة للمرأة تعمل على معالجة قضايا العنف والتوعية بحقوق المرأة، مثل تجمع نساء زنوبيا، تجمع ستار، ومجلس المرأة في نظام حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كما أنشأت مراكزَ إيواء للنساء المعنفات لتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن. كل هذه المؤسسات تؤسس لبداية جديدة في نيل حقوق النساء والتقدم باتجاه القضاء على هذه الظاهرة بشكل نهائي.
دعم التعليم والتوعية:
ركزت الإدارة الذاتية على تحسين فرص التعليم للنساء والفتيات، ونظمت حملات توعية تهدف إلى تغيير المفاهيم التقليدية التي تُبرر العنف ضدّ المرأة. فالتعليم بشكل منصف بين الفتيات والفتيان يعزز من مفهوم عدم الرضوخ للعنف مستقبلاً، وهو ما تسعى إلية الإدارة الذاتية في المرحلة المقبلة في رفع كفاءة المرأة وتغلبها على العادات والقيم المجتمعية البالية وخلق فرص عمل جديدة، تتيح لها الاستقلال المادي والمعنوي لتتخلص من الهيمنة المفروضة عليها.
بناءً على ذلك، نرى أنّ تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تُعدّ نموذجًا يحتذى به في مواجهة هذه الظاهرة، من خلال تشريعاتها وإجراءاتها التوعوية، حيث أثبتت الإدارة الذاتية أنّ التغييرَ ممكنٌ حينما يتم الالتزام بتمكين المرأة وحمايتها من كافة أشكال العنف.
وكما قال القائد عبد الله أوجلان:( حرية المرأة هي أساس حرية المجتمع)، فلا يمكن الوصول إلى مجتمع أخلاقي بدون حرية المرأة.[1]