الزيتون في #عفرين# – قصة أرضٍ وهوية
إيمان العليان –
منذ القِدَم، ارتبطت مدينةُ عفرين وريفها بأشجار الزيتون التي شكلت على مرّ العصور رمزاً للعَراقة والجذور الضاربة في عمق التاريخ.
تمتد بساتين الزيتون على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي، حيث تعانق أغصانها السماءَ وتروي قصصَ أجيالٍ متعاقبة من المزارعين الذين توارثوا رعاية هذه الأشجار المباركة.
تتميز أشجارُ الزيتون في عفرين بعمرها الممتدّ لمئات السنين، حيث يقدّر عمرُ بعضها بأكثر من 800 عام، مما يجعلها شاهداً حياً على تاريخ المنطقة وتحولاتها، هذه الأشجارُ المعمّرة ليست مجردَ مصدرٍ للرزق، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من الهوية الثقافية والاجتماعية لسكان المنطقة.
يتميز زيتونُ عفرين بجودته العالية وطعمه المميّز، حيث تساهم طبيعةُ التربة والمناخ المعتدل في إنتاج زيت زيتونٍ يُعتبر من أجود الأنواع في العالم، كانت المنطقة تنتج سنوياً كمياتٍ كبيرة من زيت الزيتون الذي كان يصدّر إلى مختلف أنحاء العالم، مما شكل مصدرَ دخلٍ رئيسي للسكان المحليين.
لكنّ الأوضاعَ تغيرت بشكل دراماتيكي بعد الاحتلال، وتعرضت أشجارُ الزيتون للقطع والتخريب الممنهج، وفقد الكثيرُ من المزارعين القدرةَ على الوصول إلى أراضيهم وبساتينهم. أدى ذلك إلى تراجعٍ حاد في إنتاج الزيتون وتدهورٍ في جودة المحصول، مما أثر سلباً على الاقتصاد المحليّ والحياة اليومية للسكان.
يمثل استهدافُ أشجار الزيتون في عفرين محاولةً لطمس الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة. فهذه الأشجارُ ليست مجرد موردٍ اقتصادي، بل هي رمزٌ للصمود والانتماء للأرض. كلُّ شجرة زيتونٍ تحمل في جذورها حكاياتِ الأجداد وذكريات الطفولة وأحلام المستقبل.
تشير التقديراتُ إلى أنّ عددَ أشجار الزيتون في عفرين كان يتجاوز 18 مليون شجرة قبل الاحتلال. هذه الأشجار كانت تشكل ثروةً وطنية وإرثاً ثقافياً لا يقدّر بثمن. كان موسمُ قطاف الزيتون مناسبةً اجتماعية تجمع العائلات والأصدقاء، حيث تمتزج أصواتُ الضحكات مع أغاني القطاف التقليدية.
يروي المزارعون القُدامى قصصاً عن كيفية العناية بأشجار الزيتون، وكيف كانوا يتعاملون معها كأفرادٍ من العائلة. كل شجرة لها اسمها وقصتها الخاصة، وكلّ بستانٍ يحمل ذكرياتٍ لا تحصى. هذه المعرفة التقليدية المتوارثة عبر الأجيال هي جزءٌ أساسي من التراث الثقافي للمنطقة.
تتعرض اليوم أشجارُ الزيتون في عفرين لتحدياتٍ متعددة، من القطع العشوائي إلى الاستيلاء على الأراضي ومنع أصحابها من الوصول إليها. لكن رغم كلّ هذه التحديات، تبقى هذه الأشجارُ شاهداً حياً على حقّ أصحاب الأرض الأصليين وارتباطهم العميق بها.
يشكل زيتُ الزيتون العفريني جزءاً أساسياً من المطبخ المحليّ والثقافة الغذائية للمنطقة. كان السكانُ يستخدمون الزيتَ في إعداد الأطباق التقليدية وفي العلاجات الطبية الشعبية. كما كان لصناعة الصابون من زيت الزيتون أهميةٌ كبيرة في الاقتصاد المحلي.
تمثل أشجارُ الزيتون في عفرين قصةَ صمود وتحدي. فرغم كل محاولات الاقتلاع والتدمير، تواصل هذه الأشجارُ نموها وإنتاجها، مؤكدة أنّ جذورَ الانتماء أقوى من كلّ محاولات التغيير القسري. كلّ شجرة زيتون باقية في أرضها هي رسالة أملٍ للأجيال القادمة.
يحمل المزارعون المهجرون في قلوبهم صورَ بساتين الزيتون التي تركوها خلفهم، ويحلمون باليوم الذي يعودون فيه إلى أراضيهم. تبقى أشجارُ الزيتون رمزاً للأمل والعودة، وشاهداً على حقٍّ لا يمكن طمسه مهما طال الزمن.
تبقى أشجارُ الزيتون في عفرين شاهداً حياً على تاريخ المنطقة وهويتها. فرغم كلّ التحديات والصعوبات، تواصل هذه الأشجارُ المعمرة دورها كحارسٍ للذاكرة وحاملٍ للأمل. كلّ غصنٍ أخضر هو رسالة حياة، وكلّ ثمرة هي وعدٌ بمستقبلٍ أفضل.[1]