تعزيز الديمقراطية والتنوع الثقافي في مناطق الإدارة الذاتية
أحمد البدوي_
تُعد الإدارة الذاتية الديمقراطية من النماذج السياسية الناشئة على مستوى سوريا والشرق الأوسط، عموماً، إذ تهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها بعيدًا عن هيمنة السلطات المركزية وتدخلاها.
من أبرز القيم التي تروِّج لها الإدارة الذاتية هو تعزيز التنوع الثقافي، وهو عنصر حيوي في بناء المجتمعات المتماسكة و العريقة، وقد ركزت الإدارة الذاتية على عدة جوانب انطلاقاً من إيمانها بأهمية التنوع الثقافي في ربط المجتمع و تماسكه مع بعض، فهي على تواصل مع أبناء هذه المجتمعات بشكل مباشر وغير مباشر بهدف تطوير العمل ورفع سويته من أجل تقديم أفضل الخدمات حسب الإمكانيات المتاحة والمتوفرة، وهذه الحوارات مهمة بالنسبة للمجتمعات حتى تصل الصورة على أكمل وجه، ومهمة من جهة الإدارة أيضاً حتى تستطيع الإدارة توزيع الخدمات بشكل عادل وسليم.
1 – الاعتزاز بالتعدد الثقافي
الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا تعتز بالتعددية الثقافية كجزء أساسي من هويتها، وفي الإدارة الذاتية يتم التعامل مع جميع المكونات الثقافية والعرقية من عرب وكرد وأرمن وآشور وإيزيديين وكل المتواجدين في شمال وشرق سوريا كمساهمين رئيسيين في بناء المجتمع وتطوره وازدهاره، مما يعزز شعور الانتماء بين الأفراد والجماعات لهذا الوطن من خلال هذا الاعتراف الصريح بحقوقهم و تقديم ضمانات لصون مجتمعاتهم الثقافية المختلفة والحث على استمرارية لغاتها وتقاليدها الثقافية وتطويرها.
2 – إشراك المجتمعات المحلية في صنع القرار
إحدى أبرز سمات الإدارة الذاتية الديمقراطية هي إفساح المجال أمام المشاركة المباشرة للمجتمعات المحلية في عملية صنع القرار، وهذه هي العملية الديمقراطية الحقيقية يتيح هذا الأمر للمجموعات الثقافية المختلفة الفرصة للتعبير عن تطلعاتها واحتياجاتها، مما يعزز التفاعل البنّاء بينها. عبر هذا النموذج. يتم إعطاء فُرص متساوية لجميع الثقافات، والتنافس فيما بينها للمشاركة في صياغة السياسات العامة المحلية التي تراعي خصوصياتهم الثقافية وتعكس الصورة الحقيقية للتعايش السلمي الذي هو النموذج الحقيقي للصفات السامية بين أبناء هذه المنطقة.
3 – اللامركزية وتوزيع السلطة
اللامركزية هي ركيزة أساسية في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا ونظامها الداخلي، بدلاً من هيمنة السلطة المركزية على جميع مجالات الحياة العامة والخاصة، حيث يتم توزيع السلطة بين المجتمعات المحلية وفقًا لاحتياجاتها وتوجهاتها.
هذا التوزيع يعزز التنوع الثقافي من خلال تمكين كل منطقة من إدارة شؤونها وفقًا لتقاليدها وأعرافها الخاصة، دون فرض نموذج ثقافي أو سياسي موحد، أو إنكار لوجودها في ممارسة هويتها الثقافية أو لغتها، وهذا كله بفضل الوعي والتنظيم الذي تنتهجه الإدارة الذاتية الديمقراطية وتحرص على تطبيقه في كافة مؤسساتها وكوادرها وأكبر مثال على ذلك نظام الرئاسة المشتركة في كافة المناصب واللجان وتوزيع السلطة وعدم احتكارها عند شخص معين، فالإدارة الذاتية لا تسعى إلى السلطة كما هو معتاد في كل الأنظمة على مستوى العالم بل تسعى إلى تنظيم هذه المجتمعات والمحافظة على تراثها وتعزيز ثقافتها حتى تكون النموذج الذي يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل.
4 – احترام حقوق الأقليات
في الإدارة الذاتية الديمقراطية، يتم وضع حقوق الأقليات في صلب الاهتمام. حيث تلتزم الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا بضمان الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية للجميع، بما في ذلك الجماعات التي قد تكون أقل عددًا. مثل الأرمن واليزيدين وغيرهم حتى يتمكن الأفراد من الأقليات من ممارسة تقاليدهم وتطوير لغاتهم المحلية بِحرية، مع الحفاظ على استقلالهم الثقافي ضمن إطار تعايش سلمي ومتكامل مع بقية أبناء المجتمع ضمن مبدأ الأمة الديمقراطية والتعايش السلمي وأخوة الشعوب، فلا يوجد فرق ولا تمييز، الكل علية واجبات يجب تقديمها وللكل حقوق يجب أخذها فمنطقة شمال وشرق سوريا متميزة بتنوعها، لذلك يجب حفظ حقوق المكونات ضمن عقد اجتماعي موحد يقوم على احترام ثقافة الغير، وعدم إنكاره لهذا التنوع الذي يخلق جو تعدد الثقافات المتجذرة منذ آلاف السنين.
5 – تعزيز الحوار بين الثقافات
تشجع الإدارة الذاتية الديمقراطية على الحوار والتفاعل بين الثقافات المختلفة داخل المجتمع السوري، حيث يتم تعزيز هذا التفاعل من خلال تنظيم الفعاليات المشتركة، وإطلاق مبادرات تعليمية وثقافية ورياضية تهدف إلى تقوية الروابط بين المكونات المختلفة.
هذا النوع من الحوار يُسهم في بناء جسور الثقة والتفاهم المتبادل، مما يقلل من احتمالات الصراع ويعزّز الوحدة في إطار التنوع من أجل قطع الطريق على بعض المتربصين الذين يسعون لضرب النسيج الاجتماعي في المنطقة وإشعال الفِتَن بين الثقافات الموجودة في منطقة شمال وشرق سوريا من خلال إثارة النعرات الطائفية والعرقية. وبالوعي والحوار يمكن تجاوز أكبر الصعوبات التي تواجه مكونات شمال وشرق سوريا والسعي للوصول إلى سوريا حرة لامركزية الكل يعيش بأمن وسلام فيها.
التنمية المستدامة والاقتصاد المحلي
تعزز الإدارة الذاتية الديمقراطية التنوع الثقافي من خلال دعم الاقتصاد المحلي والتنمية المستدامة كون منطقة شمال وشرق سوريا متنوعة ثقافياً فهي متنوعة اقتصادياً بفضل التوجه نحو تطوير المجتمعات المحلية ودعمها عن طريق مشاريع كوبراتفية حتى تستطيع النهوض بأعمالها وتقديم خدماتها ومنتجاتها لمواطنيها وضخها في الأسواق مما يساعد في دمج المنتجات الاقتصادية من قِبل كل الثقافات والاستفادة منها لكل أبناء المجتمع من كل الأعراق والطوائف والمذاهب حتى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والتحرر من استيراد البضائع التي تشكل عبئ في توفيرها وجلبها وتشجيع الزراعة والصناعة المحلية من أجل المحافظة على ثقافة مجتمعاتنا وعدم تأثرها بإنتاج الدول الرأس مالية، وتعزيز الحِرَف التقليدية التي تشكل جزءًا أساسيًا من هويات المجتمعات.[1]