من تاريخ الكرد في دير الزور/ الحلقة (4) والأخيرة
الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ… كُرد حلب، (ح)4 والأخيرة
برادوست ميتاني
الناحية الاجتماعية:
بتقادم الزمن تحوّل هذا الموقعُ التاريخي، عبر تعاقب الحضارات، إلى مدينةٍ، وقد شهدت بنياناً و توسعاً كبيراً وخاصة مع بدايات منتصف القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ولذلك أسبابٌ عديدة، منها الموقعُ التجاري الذي يشغل وسط الحركة التجارية للمنطقة بين العراق وسوريا ولبنان حيث الموانىء البحرية، وكذلك وجود نهر الفرات الذي تقع عليه المدينة؛ بالإضافة إلى ظاهرة الاستقرار التي حدثت مع قبائل البادية، وخاصة هجرة عشائر الشمّر والعقيدات والجبور من شبه الجزيرة العربية مروراً ببادية الشام والعراق وغيرها، وكذلك هجرة السكان من الريف التي تزايدت من المناطق المجاورة للمدينة إليها حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالجفاف الشديد في أواخر الخمسينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وكان أغلبهم يبحثون عن وظائفَ في مؤسسات الدولة، ناهيك عن ارتفاع معدل الولادات، فقد بلغ عدد سكانها في العام 1910 إلى ما يقارب (15.000) نسمة، و في العامين (1915-1916) إلى ما يقارب (20-25) ألف نسمة. (بإحصائيات حديثة يناهز عدد سكان المدينة 500 ألف نسمة ومع ريفها 1600000 نسمة).
لقد شهدت المدينةُ حالةً استثنائية للهجرة، وهي الهجرة القسرية الأرمنية من ولايات الأناضول الشرقية بسبب الهرب من مجازر سيفو التي ارتكبها العثمانيون بحق الأخوة المسيحيين. قامت إدارةُ ولاية حلب في العام 1915 بتوزيع اللاجئين الأرمن، الذين تدفقوا إليها على كل من مدينة حماة والهسكه (الحسكة) وخاصة دير الزور. كانت مدينة درزور (دير الزور) مكاناً مفضلاَ للمهاجرين الأرمن، بسبب ضمان الكردي (السيد علي سواد بك) متصرف المدينة لحياتهم، وقيامه بتوفير ظروف سليمة للإقامة لهم، وخلال أربعة شهور ضمن هذا المتصرف الكردي أمانَ المهجرين، وكان يقوم بمعاقبة البدو بشدة عندما يعتدون على المهاجرين الأرمن.
كان المهاجرون الأرمن يستلمون إعاناتٍ مالية والأمانات المرسلة إليهم بوساطة البريد، وقد بنى لهم ذلك المتصرفُ مشفىً عسكرياً، صممه مهندسون وبناؤون أرمن، وتحول تجمعهم في المدينة إلى حيّ نشطٍ، بنيت فيه الأفرانُ، وأنشئ فيه سوق صغير يعمل فيه عمالٌ مهرة، وأطلق الأرمن الذين بنوا حياً خاصاً بهم تسمية (السوادية) على حيهم، تكريماً لعلي سواد بك. وقد عاش في المدينة –ومازال- إلى جانب الكرد المسلمين العرب الأرمن وغيرهم، كما يعيش في المدينة مجموعةٌ من الكرد الدروز، ومجموعة من الآشوريين أو السريان (1).
ملامح كردية في المدينة:
بات واضحاً، وبناءً على مصادر متعددة، بأن تعريبَ مدينة دير الزور ومناطقها حدث بدءاً من القرن التاسع عشر، بهجرة القبائل العربية كما ذكرناه أنفاً، وقد كانت دير الزور تقع ضمن خارطة إيالة كردستان التي تعود إلى العهد العثماني، وقد اشتد التعريبُ أبان جلب الإنكليز والفرنسيين فيصل بن الحسين1918م من شبه الجزيرة العربية، ووضعه ملكاً على سوريا، هذا الذي أرسل في نهاية عام 1918م الأمير ناصر علي بن ناصر إلى دير الزور على رأس فرقة غير نظامية من البغالة والهجانة، والتقى بالعشائر العربية فيها ونال مبايعة تلك العشائر للشريف حسين، وعيّن العربي (مرعي باشا الملاح) أولَ متصرف عربي على لواء دير الزور، الذي قام بإبطال الحكومة المحلية (2).
مع الأسف، تحاول المراجعُ العنصرية، خاصة المتأثرة بسياسة الأنظمة المستبدة، كتمَ تاريخ الوجود الكردي في المدينة، ويأتون بأفكار مبهمة بحقهم، مثال على ذلك يقولون: إن سكاناً غير معروفين سكنوا مضيق حلبية قبل الآراميين بقرون. وقد بيننا بمراجع في الحلقات الفائتة صلة الكرد ثقافياً ووجوداً بالمدينة، ومنها حلبية وزلبية. كما أن بعضهم يقزمون دورَ المكونات فيها وعلى رأسهم الكرد، ويقولون أنّ دير الزور ذات الغالبية العربية، مع القليل من العوائل الكردية والمسيحية.
لعائلة النقشبندي الكردية -التي قال لي أحد كبارها بلسانه إننا كرد- وجودٌ ودورٌ قوي في المدينة، وخاصة من الناحية الدينية، ولهم تكايا ومساجد ما زالت موجودة في المدينة وتحمل اسمهم؛ بالإضافة إلى دورهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. كما أنّ الكرد أثروا في عادات وتقاليد سكان المدينة، منها اسم مادة الحنّة واسم هبرية يشمر أي دسمال والكراس وخفتان (الثوب والقفتان) وربط أوجك وحلويات كليجة في المناسبات، والمثل القائل: هرا ورا (أي اذهب وتعال)، ومقشرة الحبوب دنكة والتي ما زالت تحمل عندهم اسم دنكة (3)، أي مكان الدان، والدان في اللغة الكردية هي الحبّ المقشور النيّ. وأيضاً التنور والبقجة، أي بخجك. ولعبة هفاك للصغار. هذا ماعدا العادات المشتركة في المأكل والمشرب والمصاهرة، لأن العديدَ منهم يبينون صلتهم بالكرد وخاصة من خلال الأجداد، منهم من يقول أن جدتي أو والدتي كردية، ومنهم من يقول أن أحد أجدادي كردي، والأثر في هذا تم خلال انخراط السكان مع الكرد وخاصة أبان العشائر الكردية كعشيرة ملان. أما اسم حلبية فمثلها أسماء شبيهة في الكردية كحلبجة، وكذلك اسم حلب التي في تاريخها تسمى على يد الخوريين والهيتيين أسلاف الكرد بخلب. أما اسم دير الزور فقد بيننا اسمها التاريخي درة زور ووضحناه في الحلقات السابقة.
بسبب قساوة مناخ دير الزور وامتداد الصحراء إليها من جهة وهجمات ونزاعات العشائر العربية، تمدد بعضُ كرد المدينة نحو الشمال حيث مدن روزافا، وقد جاء ذلك لصالح الوجود العربي في المدينة وازدياد نسبتهم السكانية فيها، إذا ما قارنناه بوجود المكونات الأخرى كالكرد والسريان وغيرهما.
دير الزور حالياً:
بالرغم من جود العوائل وبقايا العشائر الكردية في المدينة واعترافهم بكرديتهم، لكنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على لغتهم، وذلك لتزايد العنصر العربي القادم إلى المدينة من جهة وسياسة الأنظمة المتعاقبة المتناغمة مع فرض الثقافة العربية من جهة أخرى.
بقدوم عام 2011م وما طرأ على الوضع السوري من تغيير وتلاطم الأحداث، احتلت داعش قسماً كبيراُ من المدينة وخاصة القسم الشرقي، ولم يتمكن النظام ولا ما يسمى بالمعارضة من تحريرها وإعادة الأمن والاستقرار إليها، ولكن قوات سوريا الديمقراطية التي بنيتها العسكرية مكونة من مختلف المكونات السورية ذات نهج أخوة الشعوب التي حاز فيها الكرد على مكانتهم الطبيعية، قادت حرباً تحررية وطنية بامتياز وبمساعدة قوات التحالف الدولي، ونجحت بتضحيات جسام من تحريرها، الذي انتهى بتحرير هجين و باغوز وكسر شوكة داعش وطرده؛ ولكن النظام ومعه الروس والإيرانيين في الميادين والبوكمال وغربي الفرات شكلوا فصائل باسم القبائل العربية، وبين الفينة والأخرى يهاجمون قرى شرقي الفرات للسيطرة عليها، وتحدث حرب هوجاء تتسبب في ذلك إراقة دماء السوريين ومع الأسف يقود تلك الفصائل المدعومة من الأطراف التي ذكرناها باسم بعض العشائر العربية كالبقارة والعقيدات أشخاص أمثال راغب نواف البشير وإبراهيم الهفل.
المراجع:
1-دراسة تاريخية بعنوان هوية وتاريخ مدينة درزور (دير الزور) على شكل حلقات في صوت كردستان منها مقالة في #23-06-2022# م للمؤرخ بيار روباري.
2- صفحة أ.مؤنس بخاري#19-07-2023# م بحث بعنوان مذابح تيمورلنك إلى قيادة حرب العثمانية على الصفويين إلى سنجق الزور البريطاني.
3-الفنان التشكيلي إ.محمد غناش – كتاب الفن والموروث الشعبي في منطقة الفرات.
6-10-2024م.17-7-2636 كردي
Tags: الكرد في دير الزورالوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ... كُرد حلببرادوست ميتانيمن تاريخ الكرد في دير الزور. الحلقة (4) الأخيرة.[1]