كيف سنبني علاقاتنا مع الآخرين
مقاومة الرابع عشر من تموز التاريخية ومعانيها النضالية
محمد ايبش
العالمُ الذي نعيشُ فيه حالياً، صار عالمَ المصالح والأسواق التجارية، ولا مكانَ فيه للقيم والمبادئ، ولكن لا يعني ذلك بأنه من المستحيل أن نبني علاقاتٍ مع تلك الجهات، أو أنها لا تقبل علاقاتنا، على العكس تماماً، ففي منطقة الشرق الأوسط، الشعبُ الوحيد الذي ظلّ بدون وطنٍ قومي هم الكرد، رغم أنهم يعيشون على أرضهم التاريخية منذ أكثر من عشرة آلاف عام، وشعوبٌ أتت من مناطق أخرى وسكنت هذه المنطقة، وبعد تزويرهم التاريخَ، بحكم أنهم أصبحوا في السلطة، ومن خلال الحرب الخاصة التي مارسوها ضد الشعب الكردي، لكل واحد أسلوبه الخاص، ونتيجة تحقيق نجاحات من خلال هذا النوع من الحرب أسسوا مدارس لتدريب فئة من أبنائهم على أساليب هذه الحرب، وكانت تركيا سبّاقة على غيرها من الدول في إنشاء مثل هذه المدارس، وتحديداً عام 1961 حينما بدأت ثوراتُ التحرر الوطني في أصقاع العالم.
من خلال أسلوب الحرب الخاصة استطاعت تركيا تحقيقَ العديد من الأهداف، سوى هدفٍ واحد وهو النيلُ من حركة حرية كردستان بقيادة القائد أوجلان؛ الذ ي استطاع من خلال نضاله الطويل والاعتماد على شعبه وبإصراره على الدفاع عن الوجود الكردي وهويته، متمثلة بفكره وفلسفته الهادفة إلى بناء الإنسان الثوري المتسلح بالفكر الإنساني والديمقراطية.
تمكنت حركةُ الحرية من دحر الحرب الخاصة التي مارستها الدولة التركية في مراحل متتالية: من مقاومة مظلوم دوغان، إلى مقاومة الرابع عشر من تموز، إلى قفزة الخامس عشر من آب، إلى مقاومة إيمرالي، وحرب الشعب الثورية التي تقودها الكريللا في بوطان ومناطق الدفاع المشروع، الى الحملة التي بدأت منذ #10-10-2023# والمطالبة بحرية القائد الجسدية وحلّ القضية الكردية سياسياً.
هكذا استطاع الغائبُ الموجود تحقيقَ هذا الحجم من العلاقات، كانت بدايتها عندما حلّ ضيفاً على لبنان وجبالها، وبناء معسكر معصوم قرقوماز ( عكيد)، الذي أطلق الرصاصةَ الأولى على الحرب الخاصة التي مارستها الدولة التركية منذ عهد الجمهورية التركية الحديثة. كلُّ هذه النضالات أرست دعائمَ قضية شعبنا في الوجود. ومن هنا يأتي السؤال: هل نحن قادرون على استمرار نهج المقاومة، ورسم ملامح علاقاتٍ متوازنة، آخذةً مصالح بقية القوى، حتى لو كنّا على خلافٍ في أسلوب تعامل تلك القوى مع قضيتنا ووجودنا؟ بالطبع الجواب موجود مع وجود كردستان ذات نظام فيدرالي ديمقراطي، لأن جغرافية كردستان تعيش فيها العديدُ من الشعوب، ولو بنسبٍ متفاوتة. عندما يرفض القائد عبد الله أوجلان مفهوم الدولة القومية، لا يعني ذلك أنه يعارض كردستان حرة موحدة يسود فيها الأمن والاستقرار، انطلاقا من مبدأ الأمة الديمقراطية والعمل على التشاركية الحقيقية، وتجربةُ الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا مثالٌ واضح للعيان. لزاماً علينا التساؤل دوماً: هل نحن قادرون على تحقيق العلاقات مع القوى السياسية العالمية، والتي تنطلق من مصالحها، خاصةً وأن المرحلةَ الراهنة تعجّ بالقوى الرأسمالية سواء في الغرب أو الشرق، فكلاهما يتصارعان على موقع الهيمنة.
نحن أمام عالم الشركات، والشركات تبحث عن الربح، لا يهمهم من يموت، بل يهمهم ما هو مقدار ربحهم في هذا الصراع. وفي الختام أرى من الفائدة أن نتعلمَ من تجارب أعدائنا، وفي مقدمتهم تركيا التي تسعى النيل من تجربتنا بأي ثمن كان، ليس لأننا كرد فحسب، بل لأننا أفشلنا مشروعهم القديم الجديد. وانطلاقاً من ذلك، علينا أن نحرّك بوصلتنا نحو الجهة التي سنستفيد منها، ولو بشكل نسبي.[1]