عبد الله أوجلان رمز المقاومة وقائد مسيرة التغيير الديمقراطي في الشرق الأوسط
سما بكداش
يسجِّل التاريخ بين الفينة والأخرى ظهورَ شخصيات استثنائية، يُعدُّونَ مُنقذين للبشرية من الظلم والمعاناة، ويتركون بصمات لا تُمحى؛ من خلال تصحيح مسار التاريخ وتوجيه الشعوب نحو الطريق الصحيح. هؤلاء القادة لا يعبِّرون عن ذواتهم فقط، بل يُجسِّدون تطلعات شعوبٍ بأكملها ويعيدون توجيه مسار الأحداث، مضيئين الطريق نحو التحرر والانتقال بالشعوب إلى مراحل جديدة. هذا كان دورُ الرسل والأنبياء والمصلحين والقيادات الثورية على مرِ العصور.
في هذا السياق، لا يختلف الدورُ الذي يؤديه القائد عبد الله أوجلان في هذا القرن عن تلك الأدوار التاريخية، ففكرهُ تجاوز النماذج التقليدية، وشكَّل أساسًا لثورة فكرية تعكس احتياجات المجتمعات المعاصرة الساعية للحرية والعدالة والمساواة والسلام، في ظل الصراعات التي تشعلها الأنظمة العالمية، والتي غالبًا ما تكون وقودها الشعوب.
مضى 26 عامًا على المؤامرة الدولية التي شاركت فيها قوى عالمية متعددة، والتي جاءت نتيجة تقاطع مصالحٍ تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، عبر مشروع ” الشرق الأوسط الكبير”؛ هذا المشروع الذي يستند إلى تقسيم الدول التي أسستها تلك القوى بعد الحرب العالمية الأولى، إلى كيانات أصغر تخضع لهيمنتها، لذا وَجَدَت تلك القُوى في أوجلان عائقًا كبيرًا أمام تحقيق مخططاتها في المنطقة، فالقائد كان يتحلَّى بتأثيرٍ قوي على الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، ودوره القيادي بدأ يتبلور تدريجيًا في منطقة الشرق الأوسط أيضًا.
سعت هذه القوى من خلال المؤامرة الدولية إلى القضاء على أوجلان ورمزيته وحركته بشكل جذري، حيث حاولت قطع تواصل الشعب والقائد عن بعض، كما يُفصل الرأس عن الجسد.
ظنَّ المتآمرون أنّ اعتقال القائد سيؤدي إلى إخماد الانتفاضة، كما حدث في القرن العشرين مع قادة الثورات الذين قُمعت انتفاضاتهم بعد إعدامهم، إلا أنّ الأحداث أثبتت العكس؛ فقد حوّل أوجلان سجنه في إمرالي إلى منبع للأفكار والحلول لكافة قضايا المنطقة، من خلال طرحه مشروعًا سياسيًا
واجتماعيًا متكاملًا ” الأمة الديمقراطية ” و” الكونفدرالية الديمقراطية “؛ هذه المشاريع التي تعارض الأيديولوجيات التقليدية وتسعى إلى تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط.
إن المقاومة التاريخية التي يخوضها القائد أوجلان، في ظل نظام العزلة المفروض عليه في إمرالي، هي مقاومة عظيمة وغير مسبوقة، إنها ليست جسدية فقط، بل فكرية وسياسية أيضًا، ذات مغزى للكرد ولكافة الشعوب التواقة للحرية، وخصوصًا النساء والشباب.
من خلال هذه المقاومة، تبلورت مفاهيم الأمة الديمقراطية: الحياة المشتركة، وحرية المرأة، مُجَسَّدةً في الشعار العالمي “Jin, Jiyan Azadî” الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من نضال التحرر العالمي. بذلك، استطاع أوجلان حماية القيم الإنسانية، الثقافية، والاجتماعية، التي حاولت الأنظمة الحاكمة القضاء عليها وترسيخها في المجتمع.
بعد 26 عامًا، لا تزال القوى المتآمرة تسعى لتحقيق أهدافها من خلال استمرار نظام العزلة، وهذا يتطلب منَّا الاستمرار في النضال بلا انقطاع وبجميع الوسائل المتاحة. يجب علينا الانضمام بقوة إلى الحملة العالمية لحرية القائد، فالمؤامرة كانت دولية، والنضال ضدها يجب أن يكون كذلك، من خلال تضامنٍ عالمي واسع لتحقيق الحرية الجسدية للقائد.
يتطلب منا، وخاصة النساء، تعزيز نضالنا على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية والأيديولوجية، مع التركيز على التعمق الأيديولوجي في فكر القائد أوجلان ونشره على أوسع نطاق ممكن، بذلك يتحقق حلٌّ ديمقراطي للقضية الكردية، وتتعزز الديمقراطية في تركيا والشرق الأوسط، ويعمّ السلام.
إنّ مستوى نصالنا كفيلٌ بأن يصبح القرن الحادي والعشرين قرنَ حرية المرأة والشعوب، فالقائد أوجلان أصبح رمزًا للشعوب التي تناضل من أجل الحرية والكرامة، وقائدًا للمرأة الحرة والإنسانية.[1]