التضليل التركي في عملية احتلال سري كانيه وكري سبي
وليد الشخ
شهِد شمال سوريا سلسلة من التدخلات العسكرية التركية تحت مسمى “إنشاء منطقة آمنة” بهدف حماية الأمن القومي التركي، وفق ما تدَّعيه أنقرة، إلا أن هذه التدخلات، بما فيها عملية احتلال رأس العين/ #سري كانيه# / وتل أبيض (كري سبي) في أكتوبر 2019، أثارت جدلاً واسعاً حول أهدافها الحقيقية، وبالرغم من إعلانها كعملية لحماية اللاجئين وإنشاء مناطق آمنة، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتغييرات ديموغرافية قسرية.
رَوَّجت تركيا لفكرة إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود الشمالية لسوريا كمبرر لتدخلها العسكري في مناطق ذات أغلبية كردية، معتبرة أنها ضرورية لإعادة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إلى ديارهم، ومع ذلك، كانت هذه الادعاءات تهدف إلى التغطية على نوايا أخرى تتمثل في القضاء على الإدارة الذاتية والسيطرة على أراضٍ استراتيجية وفرض نفوذ سياسي واقتصادي في شمال سوريا.
فاحتلال سري كانيه وتل أبيض لم يكن إلا مثالًا صارخًا لهذا التلاعب السياسي، والذي أسفر عن نتائج كارثية على المستويات الأمنية والحقوقية، فقد أظهرت الوقائع أن المنطقة الآمنة لم تكن سوى غطاء للسيطرة على أراضٍ جديدة وتوطين جماعات وفصائل موالية لأنقرة، في إطار خُطط تركيا لإعادة رسم الخريطة الديمغرافية لشمال سوريا، وتضمنت هذه الخُطط تهجير السكان الكُرد والمجتمعات الأصلية، واستبدالهم بلاجئين من مناطق أخرى.
هذه الاستراتيجية أثارت قلقًا واسعًا لدى المنظمات الحقوقية الدولية، التي رأت أن هذه التحركات تخالف قوانين حقوق الإنسان الدولية.
بعد احتلال تركيا لرأس العين/ سري كانيه/ وتل أبيض، غرقت المنطقة في حالة من الفوضى الأمنية، ومن أبرز مظاهر الفوضى الأمنية:
الاختطاف والاعتقال التعسفي: تم توثيق العديد من حالات الاختطاف التي نفذتها الفصائل الموالية لتركيا، حيث يتم استغلال المدنيين كرهائن للحصول على فدية أو لتحقيق مكاسب سياسية.
المتاجرة بالبشر والأعضاء البشرية: تقارير حقوقية كشفت عن تورُّط بعض الجماعات في عمليات تهريب البشر وحتى المتاجرة بالأعضاء، مما يعكس حجم الانهيار الأمني في المنطقة.
انتشار المخدرات: مع ضعف الرقابة وانهيار النظام الأمني، تحوّلت المنطقة إلى نقطة عبور رئيسية لشبكات تهريب المخدرات، ما أثر سلبًا على استقرار المجتمع المحلي، وقد وثَّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” انتهاكات صارخة، شملت جرائم حرب مثل القتل العمد للمدنيين، التهجير القسري، والاعتقالات التعسفية.
التهجير القسري: تسببت العملية التركية في تهجير أكثر من 300 ألف شخص من سكان المنطقة بنسبة تهجير من السكان الأصليين (87%) حيث بقي على سبيل المثال في المنطقة فقط 45شخص كردي حسب لجنة مهجري سري كانيه، الذين تم تهجيرهم بالقوة وأُجبروا على مغادرة منازلهم ليتم توطين لاجئين جدد محلهم.
نهب الممتلكات: تمت عمليات واسعة لنهب الممتلكات الخاصة بالمدنيين، بما في ذلك المنازل والمحال التجارية، وحسب “لجنة مهجري سري كانيه” هناك انتهاك ملكية لما يقارب (6000 منزل، و1700 محل تجاري)، مما زاد من معاناة السكان الذين فقدوا كل مصادر رزقهم.
التغيير الديموغرافي القسري: أحد أخطر الآثار كان محاولات تغيير البنية السكانية عبر توطين مجتمعات جديدة بديلة عن السكان الأصليين، وفي محاولة لإعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع المصالح التركية تم توطين ما يقارب (3000) عائلة.
ورغم الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان التي تلت التدخل التركي، لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل فعّال لوقفها أو معاقبة أنقرة على تجاوزاتها.
الموقف الأمريكي كان متناقضًا، حيث أبدت إدارة ترامب السابقة تساهلًا في السماح لتركيا بالقيام بعمليتها العسكرية، الأمر الذي ساهم في تكريس واقع الاحتلال، أما الدول الأوروبية، فقد أعربت عن قلقها بشكل سطحي، لكنها لم تتخذ خطوات جدية لفرض عقوبات أو ممارسة ضغوط حقيقية على تركيا لوقف تدخلاتها في سوريا.
أدى هذا التجاهل إلى استمرار الفوضى في المنطقة، مع عدم وجود أي حلول ملموسة لتخفيف معاناة السكان، لذلك يجب إعادة الحقوق لأهالي رأس العين وتل أبيض، ويتطلب ذلك:
الضغط الدولي: من خلال مؤسسات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية لفتح تحقيقات شاملة حول الانتهاكات التركية.
محاسبة المتورطين: وفق القانون الدولي، يجب تقديم كل مَن ثبت تورطه في جرائم حرب إلى العدالة.
عودة النازحين: من خلال فرض حلول سياسية تضمن عودة آمنة للنازحين إلى منازلهم الأصلية.
دعم المنظمات الحقوقية: لتعزيز توثيق الانتهاكات وتحقيق العدالة.
تكشف عملية احتلال رأس العين/ سري كانيه/ وتل أبيض (كري سبي) عن تواطؤ سياسي وميداني كبير مكَّنَ تركيا من فرض واقع جديد في شمال سوريا، وعلى الرغم من محاولات التضليل بأن العملية تستهدف إنشاء منطقة آمنة، لكن النتائج أثبتت أنها أدت إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية في المنطقة وأن الهدف كان منطقة لا أمنية للكرد خاصة وللسكان المحليين عامة.[1]